الفردوس الأعلى
في صحيح البخاري (2790) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة».
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): قوله صلى الله عليه وسلم: «أوسط الجنة وأعلى الجنة» المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة: 143]، فعلى هذا عطف الأعلى عليه للتأكيد".
قال ابن حبان: "المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية، وفي الحديث إشارة: إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد ذلك للمجاهدين". هؤلاء ساكنو الفردوس: قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿١٠٧﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [سورة الكهف: 107- 108]. هؤلاء السعداء صدقوا في إيمانهم فصلحت أعمالهم، ومن هذه الأعمال ما جاء في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿٧﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة المؤمنون: 1- 11].
يقول العلامة السعدي: "هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك، وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم والترغيب فيها، فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الآيات، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان زيادة ونقصًا، كثرة وقلة" (تفسير السعدي: 547). في صحيح الترغيب (4-951) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك وقال لها تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك".