الحب مثل الكائن الحي يحتاج من يتعهده بالرعاية والإرواء ..يظل متألقاً نضرا طالما يجد من يحرص على بقائه، وإلا سيضعف ويخفت ويذبل ثم ..يموت. الحياة الزوجية شأنها شأن أي علاقة أخرى، تتعرض إلى فترات فتور وبرود، وإذا لم يحاول كل طرف إسعاف هذه العلاقة وإنعاش الحب، فإن القلوب ستبتعد عن بعضها، وستتوالد المشاكل، وتتراكم، وستصاب الحياة بأمراض، وإذا لم يفيق الزوجان لهذا الخطر، تتحول إلي أمراض مزمنة يصعب بل يستحيل علاجها ..
أخي الزوج.. تحتاج منك زوجتك إلى لمسات حانية، وكلمات عذبة رقيقة تلامس مشاعرها المرهفة وطبيعتها الأنثوية، تحتاج أن تشعر أنها تشكل قيمة عاطفية في حياتك، وأنها تحتل مكانة في قلبك وأحاسيسك. فمن الضروري أن تعبر لها دائماً عن حبك، فزوجتك يسعدها سماع الكلمة الحلوة التي تهز كيانها مهما امتد عمرها، واشتعل الشيب في رأسها.
تصرفاتك التي تعبر لها عن حبك غير كافية !
هي تريد منك كلمات الحب، فهي تمس شغاف قلبها وتخلق جواً عطراً يحقق لها حياة سعيدة وهانئة.
أخي الزوج المسلم.. هل تعلم أن الإسلام ينشر ثقافة الحب داخل الأسر المسلمة، بل هو يقنن ويهذب هذا الشعور الوليد إذا نما بين اثنين، حيث قال الرسول صلي الله عليه وسلم :"لم نر للمتحابين مثل الزواج"، فهو – أي الإسلام – يضعه في إطاره الصحيح محاطا بكل احترام وقدسية بعيدا عن عبث العابثين، وطيش الطائشين. فلماذا يا أخي المسلم لا تروي زهرة الحب العطشى وتصارح زوجتك بمشاعرك وأحاسيسك؟
هل تعلم أن حبيبك وقدوتك سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو أشد الناس حياءً، كان يعلن عن اسم محبوبته علي الملأ، ويقول بملء فيه.. إنها عائشة!! عندما سأله عمر بن العاص رضي الله عنه: من أحب الناس إليك ؟ نعم هذه مشاعر مشرقة. .لا يجب كتمانها.. فكيف تظن أنّ الإفصاح عن حبك لزوجتك ضعف؟
وأنّ كتم هذه المشاعر النبيلة من الكبرياء والكرامة؟
وأنّ البوح بالعواطف الرقراقة الصافية انهزامية؟
أخي الزوج – يا من جعلت الرسول العظيم قدوتك وأسوتك- إن إعلان حبك لزوجتك هو تعبد لله تعالي، فرسول الإسلام ينشر الحب بين المسلمين، ونشر ثقافة الإفصاح عن الحب، فحينما أخبره أحد صحابته أنه يحب فلاناً، فسأله : أأخبرته؟ قال: لا، قال: إذاً فأخبره.. وهذا الإفصاح أولي بين الزوج وزوجته.
تأمل حبيبك وقدوتك وهو يقرأ القرآن في حجر عائشة، ويلعق أصابعها بعد الأكل، ويغتسلان سوياً في إناء واحد، ويتسابقان خلف القافلة حيث لا يراهما أحد ..ويدللها ويناديها: يا عائش..
كيف نصف هذه اللحظات ؟؟
إنها رومانسية فائقة، لحظات من الحب النادر،لم تمنعه أعباء الدعوة، ولا تبعات الجهاد، ولا مكر الأعداء، ولا الوقوف الدائم بين يدي الله من أن يكون عاطفياً، يتفنن صلي الله عليه وسلم في إظهار مشاعره في كل لفتة وفي كل همسة.
أخي الزوج.. لقد أوقفتني حادثة للحبيب صلي الله عليه وسلم عند تعامله مع السيدة عائشة رضي الله عنها وكأنها صديقته، وذلك فيما يرويه الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :دعا رجل فارسي النبي صلي الله عليه وسلم إلى طعام، فقال له النبي : أنا وعائشة، فقال الرجل: لا، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : فلا، ثم أجابه الرجل بعد ذلك فذهب النبي صلي الله عليه وسلم ومعه عائشة رضي الله عنها يتساوقان، فقرب إليهما أهاله (اللحم السمين). إن هذا الموقف يعرفنا مدى العلاقة الحميمة للزوجين ودرجة الحب بينهما ، حتى أنهما لا يريدان الابتعاد عن بعضهما البعض، وإن كانت الدعوة للزوج، إلا أنه اشترط مجيء زوجته معه، وكان كل همه مرافقتها له.
إن هذا المعنى إن وُجد في العلاقة الزوجية، أصبحت العلاقة راقية ومتميزة، فالصداقة بين الزوجين ليس معناها أن يتعامل الزوج مع زوجته على اعتبار أنها زوجته وأم أولاده ؛ لها من الحقوق ما لها، وعليها من الواجبات ما عليها فحسب ، لكن مفهوم الصداقة هو التفاني في المحبة والرقة في المعاملة، بحيث لا يستغني كل واحد منهما عن الآخر، فيكون كل طرف هو مركز اهتمامه وصندوق أسراره، يعتمد عليه في المهمات الصعبة، فإن سقط رفعه، وإن مرض وقف على رأسه، وإن احتاج أعطاه، وإن طلب لباه، فهذه من علامات الصداقة، فالصداقة قرب قلبي أكثر من كونها قرباً جسدياً . ولا يعنى ذلك أن الصداقة أعلى مرتبة من العلاقات الزوجية، ولكن عندما يرتبط الطرفان بالعلاقة الزوجية ثم تكون العلاقة بينهما علاقة صداقة إذن لأصبحا نور على نور.
هذا على بن أبى طالب رضي الله عنه لم يخف حبه لزوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وغيرته الشديدة عليها، حتى من عود الأراك، فيُذكر أنه دخل عليها يوماً فوجدها تنظف أسنانها بالسواك، فوقف على رضي الله عنه مخاطباً السواك الذي يؤخذ من شجر الأراك بقوله:
حظيت يا عود الأراك بثغرها أما خفت يا عود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك ما فاز منى يا سواك سواك
هذا هو الحب ..الحب الذي تستقيم به الفطرة ويحقق التكاثر والتزاوج وقضاء الوطر والتلاطف بين عشيرين يُفترض أن علاقتهما باقية حتى الممات بمنتهى الانسجام والتفاهم والود، يؤديان رسالة عظيمة تبدأ ببذرة سرعان ما تكون نواة لمجتمع إسلامي قوى.
فيا أيها الزوج الكريم .. أفصح لزوجتك عن حبك لها تتربع على عرش قلبها..
وأملأ الكأس حباً..تشرب منه، وأسعد شريكك.. تسعد.
مما راق لى