هذي البلاد شقة مفروشة… يملكها شخص يسمى عنترة….
يسكر طول الليل عند بابها…
ويجمع الإيجار من سكانها…
ويطلب الزواج من نسوانها…
ويطلق النار على الأشجار، والأطفال، والعيون، والضفائر المعطرة…
هذي البلاد.. كلها مزرعة شخصية لعنترة…
سماؤها.. هواؤها.. نساؤها.. حقولها المخضوضرة…
كل الشبابيك عليها صورة لعنترة…
كل الميادين هنا تحمل اسم عنترة…
عنترة يقيم فيثيابنا…
في ربطة الخبز…
وفي زجاجة الكولا…
وفي أحلامنا المحتضرة…
في عربات الخس والبطيخ… في الباصات…
في محطة القطار، في جمارك المطار…
في طوابع البريد، في ملاعب الفوتبول، في مطاعم البيتزا….
وفي كل فئات العملة المزورة….
مدينة مهجورة مهجرة….
لم يبق فيها فأرة، أو نملة، أو جدول أو شجرة…
لا شيء فيعا يدهش السياح إلا الصورة الرسمية المقررة، للجنرال عنترة…
في غرفة الجلوس، في ميلاده السعيد، في قصوره الشامخة الباذخة المسورة…
ما من جديد في حياة هذه المدينة المستعمرة….
فحزننا مكرر، وموتنا مكرر، ونكهة القهوة في شفاهنا مكررة…
فمنذ أن ولدنا ونحن محبوسون في زجاجة الثقافة المدورة…
واللغة المدورة…
ومذ دخلنا المدرسة ونحن لا ندرس إلا سيرة ذاتية واحدة تخبرنا عن عضلات عنترة…
ومكرمات عنترة…
ومعجزات عنترة…
ولا نرى في كل دور السينما إلا شريطا عربيا مضجرا يلعب فيه عنترة…
لا شيء في إذاعة الصباح نهتم به.. فالخبر الأول فيها خبر عن عنترة…
والخبر الثالث والخامس والتاسع والعاشر… فيها خبر عن عنترة…
لا شيء في البرنامج الثاني سوى عزف على القانون من مؤلفات عنترة…
ولوحة زيتية من خربشات عنترة…
وباقة من أردأ الشعر بصوتعنترة….
هذي بلاد يمنح الكتّاب فيها صوتهم لسيد المثقفين… عنترة…
يجمّلون قبحه… يؤرّخون عصره…
وينشرون فكره.. ويقرعون الطبل في حروبه المظفرة….
لا نجم فوق شاشة التلفاز إلا عنترة.. بقده المياس، أو ضحكتهالمعبرة…
يوما بزي الدوق والأمير…
يوما بزي الكادح الفقير…
يوما على دبابة روسية.. يوما على مجنزرة….
يوما على أضلاعنا المكسرة…..