س: متى أو كيف نكون نحن من يعرضُ قيمنا، وأفكارنا، وما لدينا من ثروة فكرية نعتقد أنَّها هي ما يُصْلح العالم؟
1- أعداء الإيمان يتفوَّقون علينا في كيفية إتقان ما يَعْرِضون، وتزيينه بحيل شيطانيَّة؛ ولكنَّهم لا يملكون إيماننا، ولا يملكون قيمنا ولا أخلاقنا، ولا يملكون جَمال ما عندنا؛ لذا يجبُ علينا أن نتَّخذ في مُواجهتهم مضاعفة وسائل الدِّفاع والهجوم الفِكري معًا، الدفاع بتحصين الشباب والفتيات من الفتن - فتن الشَّهوات والشبهات - وأنْ نُفَنِّد أساليبهم وحيلهم، ونُبصر الشباب بخطورتها على الدِّين والخلق، ويساير ذلك أهم مرحلة مُؤثرة، مرحلة الهجوم الفكري وتكثيف العرض؛ باستخدام كلِّ ما هو متاح في هذا العصر، وبالذات الجانب الإعلامي والفضائي على جهة الخُصُوص، فيجب علينا أن نستَغِلَّ الوسائل الحديثة، والإفادة من التقنية، وهذا التقدُّم والتطور في نشر الدِّين، وبيان فضائله ومحاسنه، وقيمه وأخلاقه وسلوكياته، التي تعجز عن الإتيان بها كلُّ الأنظمة الوضعية المُتهالكة، التي هي من صُنع البشر؛ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، ويجبُ أن يكون ذلك بشكل مَدروس، لا عشوائي أو فردي؛ ليكتب له القبول والاستمرار، وكذلك لا يكون ردَّ فعل لحدث مُعين، ثم نتوارى بعده كسعفة النخيل، فإذا أحسنَّا عرض ما عندنا من القيم والأخلاق بأسلوب جذَّاب، يراعي فطرةَ الشباب وخصائصهم وميولهم، ويُلبِّي حاجاتهم، وأخذنا في حسباننا المُتغيرات التي تَمر بهم - نجحنا في حماية شبابنا من الانحراف الفكري والعقدي، وأقنعنا كلَّ شاب وشابة بعظمة إسلامنا وديننا.
2- يقول علماء الاجتماع بأنَّ عناصر القوة ثلاثة: أ - العلم. ب - العلاقات. ج - المال.
لذا يجبُ العمل على امتلاك أكبر قدْر مُمكن من هذه العناصر؛ لتكون خيرَ مُعين في نشر الأخلاق والفضيلة؛ فأهل الاختصاص أعرفُ من غيرهم بالأساليب النَّاجحة في الدَّعوة والطُّرق المُؤثرة بها، سواء عن طريق تصميم البَرامج وتأليف الكُتُب، أو عن طريق استشارتهم في النَّافع المفيد؛ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وعلى رأسهم علماء الشريعة الفُضلاء، وكلُّ عالم في تخصصه لا يستوي في تخصصه بمن لا علم له به، ومن ذلك عُلماء اللُّغة العربية، وعلماء النَّفس والاجتماع، وعلماء الاقتصاد ونحوهم، يُستفاد منهم كلٌّ في تخصصه، أمَّا العلاقات والمال، فهي خير مُعين على نشر الخير لأبناء هذا الوطن وبقية الأوطان الإسلامية، بإمكاننا أنْ نطلق القنوات الفضائيات، ونصمم المواقع التَّربوية، ونترجم الكتب الهادفة، والمحاضرات القيمة، والمناظرات الدَّامغة لعدة لُغات، ونقيم المُؤتمرات في البلدان الإسلامية وغيرها، يُساعدنا على النَّجاح في ذلك هشاشة ما عند الأعداء من القِيم والأخلاق، وإفلاسهم من المبادئ؛ فهم مُضطربون قلقون.
لكنَّنا لا زلنا نُعاني نقصًا حادٍّا في الجانب الإعلامي الهادف، فما يُوجد منه إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثَّور الأسود، الذي لا يحقق الواجب الكفائي، والله المستعان.
2- لصياغة المناهج دورٌ كبير في إكساب الطُّلاب القدرة على التَّحليل والتركيب، والنَّقد والتفنيد، والرَّبط والحوار، والنِّقاش وعدم التسليم بما يلقى إليهم، فإذا كَمُل ذلك بالإعداد النَّفسي والاجتماعي والسُّلوكي - أكسب الطالب مهارة حياتيَّة، تعينه على الاقتناع بقيمه وأفكاره المُستمدة من شرع الله، وأعانه على نشر ما تعلمه بالقول والعمل.
ولكنَّ السؤال: هل مناهجنا مَصوغة صياغة تطبيقية تكسبُ الطُّلاب المهارات اللازمة، أو أنَّها قائمة على حفظ المعلومات دون النَّظر إلى ما وراء ذلك؟ وهل خرِّيجو الجامعات - التي تخرج أساتذةَ المُستقبل - في مستوى طموح أمَّتنا؟ وهل إسهام الأستاذ الجامعي إعلاميًّا واجتماعيًّا في المُستوى المأمول، أو أنَّ علاقة الطُّلاب بأساتذتهم علاقة الرئيس بمرؤوسه فحسب؟ إنَّنا ننادي بأنْ يقرُب أستاذنا الجامعي من طُلاَّبه، ويُجعل جزءٌ من ترقياته إلى درجة أعلى بمُشاركته وإسهامه مع طُلاَّبه أو في المجتمع، لكن القليل منهم من يفعل ذلك.
ونتساءل: أين دَوْر الأنشطة الفاعلة في مَدارسنا؟ أين دَوْر مراكز الإحياء التي تنظمها وزارة الشؤون الاجتماعيَّة؟ طلابنا بأمَسِّ الحاجة إلى ترجمة ما تَعَلَّموه، إلى محاضن تربويَّة تشرف على تربيتهم وتعليمهم؛ فهل هذه المحاضن - غير المدارس - مُتوفِّرة للطلاب خارج أوقات الدِّراسة.
للتعليم دَوْر كبير في تربية الطلاب على فقه هذا الديِّن والعمل به، وللجامعات دورٌ عظيم في تخريج جيلٍ ناضج فكريًّا وعقليًّا، يُؤمن بعالميَّة هذا الدِّين، ويتفانى في خدمته؛ فهل نعيد النَّظر في طريقة عرض المادة الدِّراسية بأن تكون جذَّابة، والكلمة مُختارة، والعبارة مُنتقاة، والصور المساعدة تصب في جانب الإبداع وإثارة التفكير؟
بقلم : أ / سلمان الجدوع