وِشّ القَفَص
في سوق الفاكهة تتردد عبارة <وش القفص> و هي تعنى الفاكهة الناضجة الجيدة المنتقاة
التى يختارها البائع بعناية و يرصّها علي وش القفص لجذب الزبائن و إغرائهم بالشراء ..و تحت
وشَ القفص توضع الثمار الأقل جودة أو المعطوبة أو المضروبة التى لا تصلح أساساً للأستخدام
الآدمى .و إذا تصفحت وجوه الناس و تعمقت في نفوس البشر و لاحظت سلوكهم لوجدت أن قاعدة
<وش القفص> السائدة في سوق الفاكهة معمول بها أيضاً في سوق البشر .
== فهناك صنف من الناس وهبهم الله حلاوة اللسان و طلاقة الوجه و جمال الصورة ..أي أنّ
<وش القفص>لديهم جميل ..فإذا تعمقت في داخلهم و تعاملت معهم مادياً و خالطتهم في الشدة
و الرخاء و الإقامة و السفر لوجدتهم عند حسن ظنك ..لا يختلف ظاهرهم عن باطنهم فهم يساندونك
في الشدة و يقفون معك إن ألَمّ بك مكروه .. فهم مثل التفاح رائحته زكيّة و شكله جميل
و طعمه أجمل ..( و قليل هؤلاء .)
== وهناك صنف آخر <وش القفص> عندهم جميل فيهم حلاوة اللسان و نعومة الحديث
وابتسامة الوجه ..فإذا اكتشفت بالتعامل ما بداخلهم وجدت الثمار معطوبة والعفن يملأ القفص ..
فهم دائمأ يرفعون الشعارات الجميلة و هم بعيدون عنها ..يحدثونك عن الفضائل و يرتكبون
الرذائل .. يتحدثون عن الخير و يفعلون الشر .. يمدحون الأمانة و هم أول الخائنين ..
يتحدثون عن الحب و يحملون الكره و الحقد .. يدوسون على أشلاء أصدقائهم للوصول الى
ما يريدون.. تراهم لا طعم لهم و لا لون و لا رائحة فهم <إمَّعَه> إن مدحك الناس مدحوك ..
و إن جرَّحك الناس جرَّحوك ..لا يردُّون غيبتك.. و بأختصارفي(الوش مراية و القفا سِلاَّية) ..
ـ إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمعْ لقولهم كأنهم خُشب مسندة هم العدو فأحذرهم ـ.
== و صنف ثالث <وش القفص> عنده غير جذاب فهو دائماً جاد.. مُتَجهِّم ..لا يجيد تزويق
الكلام ..و لا يلبس الأقـنعة .. و لا يهتم بالمكياج .. لا يطربه مديح.. و لا يغريه ثناء .. و لا
تستهويه الأضواء ..و لكن عمقه جميل ..يتواجد وقت الشدة .. و يتوارى وقت الطمع.. يؤثرك
على نفسه .. يرويك و هو عطشان .. ثماره حلوة المذاق وان كانت بلا رائحة ..مع أن
وِش القفص عنده غير جذاب.إلاأن بضاعته جيدة
== أما الصنف الرابع ـ وقانا الله من شره ـ فَوِشّ القفص عنده سيئ ..و قاع القفص
لديه أسوأ .. فلسانه سكين و كلماته حجارة .. و جلساته نميمة.. مزاحه جارح.. صراحته
وقاحة.. إن قصدته في خير خذلك.. وإن رآك على شَّر أعانك ..هو جيفة .. منظره يؤذيك..
و رائحته ترديك .. هو شر كله ــ أينما توجهه لا يأت بخيرـ
وصدق الشاعر :
إن الرجال صناديق مغلَّقةٌ ***و ما مفاتيحها إلا التجاريب.