السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صدَر حديثًا (2011م) عن دار "السيِّد للنشر" ترجمة لكتاب (البلطجة الإلكترونية) من منشورات بلاك وويل، وهو دراسةٌ جادَّة موسَّعة لهذا الموضوع المهم الذي نتناوله على عِدَّة حلقات على صفحاتِ الألوكة.
ومضات:
• "... أوقِفوا البلطجة! لا يقَع الذنب فقط على مرتكبِها، بل أيضًا على المدرِّسين ومسؤولي إدارة المؤسَّسة التعليميَّة؛ لغضِّ بصرهم عمَّا يجري، فقط لأنَّ الأمر لا يَعنيهم... توقَّفوا عن الاستهزاء بالبشَر بسببِ الملابس التي يلبسونها، أو الطريقة التي يتحدَّثون بها أو يتصرَّفون مِن خلالها، أو لأيَّة أسباب أخرى تدعوكم للاستهزاء، الذنب كله ذنبُ الاستهزاء".
بهذه العبارات عبَّر (كيمفير جيل) الذي قتَل أحد التلاميذ في كلية داوسون بسببِ غضبِه مِن تَعرُّضه للبلطجة الإلكترونيَّة!
• في عام 1999 بمدرسةِ كولومباين التابعة لولاية كولورادو الأمريكيَّة، أطلق الطَّالبانِ إريك هاريس وديلان كليبولد النارَ على الطلبة والمدرِّسين، مما أسْفَرَ عن قتْل 12 طالبًا ومدرس واحِد، كما جَرَحوا 21 طالبًا آخرين، ثم انتحَر هذانِ الطالبانِ!!
تُعدُّ هذه المذبحة رابعَ أكثر مذابح المؤسَّسات التعليميَّة دمويَّة في تاريخ الولايات المتحدة بعدَ كارثة حمام مدرسة 1927، ومذبحة جامعة فرجينيا للتكنولوجيا 2007، ومجزرة جامعة تكساس 1966.
• في دِراسةٍ أجراها قِسمَا التربية ومركز الاستخبارات في الولايات المتحدة أظهرتْ أنَّ (75%) من المتورِّطين بعمليات إطلاقِ النار في المدارس كانوا ضحايا للبلطجة التقليديَّة.
إنَّ منشورات (إيريك هارس) و(دايلان كليبولد) اللَّذَين أطلقَا النار على تلاميذ وأعضاء مِن الطاقم المدْرَسي في مدرسة (كولومباين) الثانوية، وتَسبَّبَا في موت وجرح الكثيرين - تعبِّر بشكلٍ كبير عن غضبهما نتيجةَ تعرُّضهما للبلطجة.
• كانت (تارا) تتغيَّب كثيرًا عن المدرسة متذرِّعةً بالألَم في مَعِدتها والغثيان، وحين أصرَّ والداها على عرضها على الطبيب، انهارتْ تارا أخيرًا وأخبرتْ والديها بما كانت تتعرَّض له: (أكْرَه هذه المدرسة! أرجوكم لا تَدَعوني أعود إليها؛ أفضِّل الموت على ذلك!)، وحين أخبر (جاك) والديه أنَّه يتعرض للمضايقة، أعطاه والدُه محاضرةً عن الطرق التي تُمكِّنه من الدِّفاع عن نفسه؛ لذلك لم يأتِ على ذِكر الموضوع بعد ذلك الحين.
البلطجة التقليدية:
مِن الصَّعب مناقشةُ وفَهم البلطجة الإلكترونيَّة دون أن يكونَ هناك إدراكٌ واضح لفكرةِ البلطجة التقليديَّة، أو البلطجة التي تحصُل في المدرسة؛ ولذلك سوف يكون الحديث أولاً عن البلطجة التقليديَّة؛ تمهيدًا للحديثِ عن البلطجة الإلكترونيَّة.
ورغم أنَّ ظاهرةَ البلطجة قديمةٌ قِدَمَ الزمن، لم يحاولِ الباحثون قياسَ درجة انتشار هذه الظاهِرة بانتظامٍ إلا قبلَ عشرين عامًا؛ ويمكن تعريف البلطجة بأنَّها:
سلوكٌ عُدواني، يُمارَس في كافة أنحاء العالَم، ينطوي على تفاوتٍ في السلطة أو القوَّة، يتضمَّن هذا التفاوتُ أحيانًا فروقًا في القوة الجسديَّة بين الأطفال، لكنَّه يتضمَّنُ غالبًا فروقًا في السلطة أو المنزلة الاجتماعيَّة.
وما لم تَكُنْ قد تعرَّضتَ للبلطجة، لا يُمكِنُك بالفعل أن تفهمَ ما هي البلطجة، وكم يصعُب نسيانها! إنها بالفِعل تترك نَدَبَةً يَعجِز الزمن حتى عن شِفائها.
إجمالاً لا تَحدُث البلطجة مرةً أو مرَّتين فحسبُ، بل تَتكرَّر عبر الزمن، والأطفال غالبًا ما يَبرَعون في إخفاء البلطجة.
إحصائيات:
أكثرُ الدِّراسات الدوليَّة شموليَّةً حول ظاهرةِ البلطجة كانتْ تحت عنوان (السلوك الصحِّي للأطفال في عُمر المدرسة)، ومَوَّلتها منظمة الصحَّة العالمية في عامي (2001-2002)، وجَد الباحثون أنَّ نِسبة إجمالية تُقدَّر بـ(11%) مِن الأطفال مارستِ البلطجةَ على الآخرين مرَّتين شهريًّا كحدٍّ أدْنى خلالَ الشهرين السابقين، كما ذَكَر (11%) مِن التلاميذ أيضًا أنهم تعرَّضوا للبلطجة مرَّتين في الشهرِ على الأقل خِلالَ الفترة الزمنيَّة ذاتها.
وجدت (طوينا نانسل) وزملاؤها الباحثون أنَّه خلالَ فصْل دِراسي واحد، ذَكَر (17%) مِن الأطفال والشباب تَعرُّضَهم للبلطجة (بعض الأحيان) أو بصورةٍ أكثر تَكرارًا، ووجد أنَّ الشكلَ الأكثر شيوعًا للبلطجة هو الحطُّ مِن القَدْر؛ لأسباب تتعلق بالمظهر وبطريقة الكلام.
أجْرَى (ديفيد فنكلهور) وزملاؤه مقابلاتٍ عبرَ الهاتف مع أطفال وآباء، ووجدوا أنَّ (22%) مِن الأطفال والشباب تعرَّضوا للبلطجة الجسديَّة، و(5%) تعرَّضوا للإغاظة أو البلطجة العاطفيَّة خلالَ السنة الفائتة.
في ملحق استطلاع معدَّل الجرائم الوطنيَّة الذي سُئِل ضِمنَه التلاميذ: إذا ما كانوا قد تَعرَّضوا للبلطجة خلالَ الأشهر الستَّة السابقة، تبيَّن أنَّ هناك ارتفاعًا طفيفًا في معدَّلاتِ البلطجة بين العامين (1999) (2000)، ما يقارب (3%) بين تلاميذ المدارس الأمريكيِّين، وتُظهِر معظمُ الدراسات أنه يغلُب تعرُّض الأطفال للبلطجة من قِبل آخرين في مستوياتِ التعليم الابتدائيَّة، ويقلُّ في المرحلة المتوسِّطة، ويقلُّ أكثرَ فأكثرَ في المرحلة الثانوية.
تُبيِّن الدراساتُ أنَّ أهم مرحلة يَميل فيها الأطفال لممارسةِ البلطجة هي التي تَمتدُّ مِن أوائل فترة المراهَقة حتى منتصفها، وأنَّ احتمال ممارسة الصِّبية للبلطجة أعْلَى من الفتيات، ويَزيد عندَ الصِّبية احتمالُ التعرُّض للبلطجة الجسديَّة مِن قِبل أقرانهم، في حين أنَّ الفتيات أكثرُ عُرْضةً للبلطجة التي تَعتمد نشْر الشائعاتِ، أو تَستخدم التعليقاتِ والإيماءاتِ الجسديَّةَ، وتؤكِّد الأبحاثُ التي أُجريت خلالَ العَقد الماضي أنَّ البلطجة قد تؤثِّر تأثيرًا خطيرًا على الصحَّة النفسيَّة والجسديَّة للأطفال، وعلى تحصيلهم العِلمي.
يرَى الباحثون أنَّه في أيِّ مكان يمتنع (50%-75%) منِ التلاميذ الذين يَتعرَّضون للبلطجة عن إخبار مُدرِّسهم أو غيرهم مِن الراشدين في المدرسة بتعرُّضهم لها، ذَكَر ثُلُثَا التلاميذ الذين تعرَّضوا للبلطجة أنَّ تجاوبَ مسؤولي المدرسة كان ضعيفًا تُجاه حوادثِ البلطجة التي تَجري في المدرسة، وخلالَ الحملة الوطنيَّة لمنع البلطجة قال أحدُ الصبية: الراشدون إمَّا يتهاونون في التصدِّي للبلطجة، وإمَّا يُبالغون في رِدَّة فِعلهم على الموضوع، ونادرًا ما تكون ردَّةُ فِعلهم متوازنة.
تسود أحيانًا فكرةٌ عامَّة، هي أنَّ الأطفال الذين يُمارسون البلطجةَ انعزاليُّون يفتقرون للمهاراتِ الاجتماعيَّة، لكن الواقع عادةً يخالف هذه الصورة، فهم أقلُّ تعرضًا للاكتئاب والقَلَق الاجتماعي والعُزلة من أقرانهم، ويبرع الأطفال الذين يمارسون البلطجةَ في استقراءِ الحالة الذهنيَّة لباقي الأطفال وعواطفهم، كما يَبْرَعون في التلاعُب بها.
نتائج وتوصيات:
قدْ يُعاني ضحايا البلطجة مِن آثار سلبية خطيرة على صحَّتهم الجسديَّة والنفسيَّة، وعلى تَحصيلهم العِلمي، كما يتعرَّض الأطفال الذين يمارسونَ البلطجةَ أكثرَ مِن غيرهم للانخراط في عددٍ كبيرٍ مِن أشكال السلوك الذي يَنطوي على معاداةِ المجتمع وعلى العُنف.
ومِن الممتعِ ملاحظةُ أنَّ الروابط بين التعرُّض للبلطجة والإحباط تكون أقوى عندَ التعرُّض للأشكال غيرِ المباشرة للبلطجة، مما تكون عليه عندَ التعرض لأشكال البلطجة المباشِرة.
ومِن نتائجِ الدِّراسات أنَّ احتمالَ إصابة الأطفال الذين يَتعرَّضون للبلطجةِ بالصُّداع والشعور بالخمول والتبوُّل على السَّرير - يصِل إلى ثلاثةِ أضعاف احتمال إصابةِ الأطفال الآخَرين بها.
لسوءِ الحظِّ جاء بعضُ الراشدين في السنوات الأخيرة عن حُسْن نيَّة بعددٍ مِن الخطط المضلِّلة للتدخُّل في ظاهرةِ البلطجة ومنْعها، ومنها:
• سياسات عدَم التسامُح أو (ثلاث إنذارات ويتمُّ طَرْدك)؛ وهذا قد يُؤدِّي دون قصْد إلى تردُّد التلاميذِ والراشدين في الإبلاغِ عن حوادثِ البلطجة.
• قد يوصل التوسُّط في حادثِ بلطجة رسائلَ خاطئةً للتلاميذ ذوي الصِّلة، يجب ألا تكونَ الرسالة (أنتما الاثنان محقَّانِ بعضَ الشيء ومخطئانِ بعضَ الشيء، وعلينا إنهاء هذا النزاع الدائِر بينكما)، بل إنَّ الرِّسالة المناسبة للطفل الذي يَتعرَّض للبلطجة (لا أحدَ يستحقُّ التعرض للبلطجة، وسنرَى كيف يُمكننا وضْعُ حدٍّ لها)، والرسالة المناسبة للطِّفل الذي يُمارِسها (إنَّ سلوكك خاطئ، إنَّه يتعارض مع قوانين مدرستنا، ويجب أن يتوقَّف على الفور).
خلالَ حملتها الوطنيَّة لمنع البلطجة حدَّدتْ إدارة الموارد والخِدمات الصحيَّة (إتش آر إس إيه) عشرَ خُطط تمثِّل الإجراءاتِ الأفضلَ في منْع البلطجة والحيلولة دونها:
1- التركيز على البيئة المدرسيَّة، بإحداثِ تغييرٍ شاملٍ في مناخ المدرسة.
2- تقدير حَجْم البلطجة؛ وتقدير نِسبة حوادثها بمشاركةِ التلاميذ.
3- الجَمْع بيْن دعْم الآباء والطاقَم المدرسي لمنْع البلطجة.
4- تشكيل مجموعةٍ تُنظِّم فعالياتِ المدرسة الهادِفة لمنَع البلطجة.
5- تدريب جميع الإداريِّين وأعضاء الهيئة التدريسيَّة والطاقم المدرسي على أفضلِ الإجراءات لمنْع البلطجة والحيلولة دونها.
6- إعلان وفَرْض قوانين وسياسات مدرسيَّة خاصَّة بالبلطجة.
7- زِيادة رقابة الراشِدين على الأماكن التي تحدُث فيها البلطجة؛ لأنَّ مُعدَّل وقوعها يرتفِع في الأماكن التي يَغيب عنها الراشدون.
8- تخصيص جزءٍ مِن الحِصص الصفيَّة للحديث عن منْع البلطجة.
9- التدخُّل في حوادثِ البلطجة على الدوام، وبالشكل الذي يتَّفق مع طبيعة التدخُّل.
10- متابعة هذه الجُهود على الدوام.