بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه و نستغفره و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا
و من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
فطرنا الله على تلك الفطرة السليمة و التي كانت من أسباب الهداية تلك الحاجة الملحة إلى إله نلجأ إليه عند المصائب و ندعوه عند الشدائد ، فهل هناك شخص في الدنيا لم تصبه مصيبة أو احد استطاع أن يستغني عن الله أو شخص استغنى عن توفيق الله له ؟ أو من ارتكب ذنباً و خشي أن يؤاخذه الله عليه هل استغنى عن مغفرة الله و عفوه لذلك ترفع الأكف متجهة نحو السماء يغمرنا الخضوع و الذل لدعاء الله و ما أحلى الذل لله فنحن مسلمون سلمنا أنفسنا إليه و مرجعنا إليه..
كيف للمسلم الحق أن يلجأ لغير ربه و أن يذل لغير خالقه و أن يرجو خيراً غير خيرِ بارئة و السماوات و الأرض كل لله وحده و كلنا فقراء إلى الله ...
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" من لم يسأل الله يغضب عليه "...
فكيف للضعيف أن يستنجد بضعيف مثله فالأقوياء ضعفاء أمام إرادة الله و الأغنياء فقراء إلى الله فالدعاء و السؤال لا يجب إن يكون إلا لله...
يقول الشاعر:
[لا تسألن بني آدم حاجة
و سل الذي أبوابه لا تحجبُ
فالله يغضب إن تركت سؤاله
و بنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ
ذلك هو الله الذي إذا سئل أعطى فهو المجيب للدعاء و نحن الفقراء إليه يقول سبحانه و تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحميد".. يا أيها الناس؟!
نعم الناس جميعاً فلا فرق بين غني و فقير قوي و ضعيف حاكم و محكوم !أيصحُّ أن أسأل غيره؟!
قال تعالى:" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
الله الذي له ملك السماوات و الأرض أيصح أن يسأل العبد عبداً مثله؟( الإجابة واضحة)
هذا هو جوهرُ الدعاء...
قد يستعمل البعض واسطة من أجل تحقيق مصلحة دنيوية أو حاجة مادية لكن الدعاء له جوهر مختلف له طعم خاص ...
الدعاء هو صلة للعبد بربه فلا واسطة بينك و بين الله
يروى أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال:" يا رسول الله: أبعيد ربنا فنناديه أو قريب فنناجيه ؟! فنزل الجواب من فوق سبع سماوات قال تعالى:" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرشُدُون"
سبحان الله ...أيمكن أن يكون هذا صحيحاً ؟
"فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان" ... من يصبر على عدم تذوق هذه الحلاوة و الله إنه صبر لا يطاق !!
بين يدي الآية :
هل قرأت الآية السابقة بتمعن ؟!
حسبتك فعلت ...!! هذا رائع ^_^!
إقرأ هذه إذاً قال تعالى:" يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج ..."
و قوله تعالى :" يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس "
هممم هل شعرت بأن هناك شيئاً ناقصاً نعم هي ( قل) .. ليست ناقصة بالطبع حاشى لله !! بل الله قريب منا عندما ندعوه لذلم لم ترد ( قل ) فلا واسطة بيننا و بين الله لذلك كانت الإجابة بلا واسطة
هناك من يراجع الآيات السابقة ... لقد انتبه ...
يا عبادي :
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا , يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم , يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم , يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم , يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم , يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني , يا عبادي , لو أن أولكم و آخركم , وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر , يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "
بعد هذا كله أندعوا الله أم لا ؟
تضرعاً و خُفية ...!
يقول الله تعالى:" ادعوا ربكم تضرعاً و خُفية "
ليكن دعاؤنا بالخفاء حيث لا يسمعنا أحد و لايشعر بنا أحد فذلك من الأدب مع الله و فيه حضور للقلب و ابتعاد عن ملذات الدنيا الزائلة و بكاء للعين و ما أجمل القرب من الله ...!
فضل الدعاء ~
يقول عليه الصلاة و السلام:" الدعاء هو العبادة"
فالدعاء صورة من صور التضرع إلى الله و الخضوع له لذلك صار الدعاء عبادة ..
قال تعالى:" و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"
في بداية الآية قال ادعوني و انتهت الآية بـ" يستكبرون عن عبادتي و عليه أصبح الدعاء مرادفاً للعبادة
أولئك الذين يستكبرون عن دعاء الله و يستكبرون عن رفع أكفهم إليه لمن سيرفعونها؟!
فالله هو موسع الرزق و يفرج الهموم و الكرب ..
يقول عليه الصلاة و السلام:" ليس شيء أكرم من الدعاء"
و كان الرسول عليه الصلاة و السلام يكثر من هذا الدعاء:" ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار"
فالمسلم يدعو ربه ليكرمه بخير من الدنيا و الآخرة و يقول عليه الصلاة والسلام:" لا تجزعوا بالدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد"
فمن لزم الدعاء لا يهلك بإذن المولى عز وجل و هذا يدل على أنه على اتصال دائم مع الله و بقرب الله دوماً
أيردنا صفراً خائباً ...؟!
يقول عليه الصلاة و السلام:" إن الله تعالى حيي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يرده صفراً خائباً"و لقد أجاب سبحانه دعاء الأنبياء من قبل و الصحابة و غيرهم
و لعلكم تذكرون دعاء زكريا عليه السلام عندما دعا ربه قائلا:" رب لا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين"
فأجابه الله:" فاستجبنا له و وهبنا له يحيى و أصلحنا له زوجه "
و دعاء سيدنا أيوب عليه السلام عندما أصابه المرض فاستجاب له الله:" فاسْتَجَبنا لهُ فكَشفنا ما به من ضُرٍّ "
واستجاب الله لخير البرية و سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم مرات كثيرة نذكر منها:
كانت أم هريرة كافرة تأبى الإسلام و تسب النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبوهريرة رضي الله عني:" يا رسول الله ..ادع الله ان يهدي أمي فقال عليه السلام: اللهم اهد أم أبي هريرة و اشرح صدرها للإسلام "
فعندما عاد أبوهريرة إلى منزله بادرته أمه بقول الشهادتين ففرح أبو هريرة حدَّ البكاء!
لكن متى ...!
إن هناك أوقاتاً يستجاب فيها الدعاء منها:
× عند السجود :يقول عليه الصلاة والسلام:" اقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد فأكثروا من الدعاء و أنتم سجود"
× بين الأذان و الإقامة :قال عليه الصلاة و السلام:" بين الأذان و الإقامة لا يرد الدعاء"
× ساعة يوم الجمعة :يقول عليه الصلاة والسلام:"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ...( الحديث )... و فيه ساعة لا يسأل الله فيها عبد مسلم من خيري الدنيا و الآخرة إلا أعطاه مسألته " و يقال أن هذه الساعة من بعد الفجر إلى الشروق أو الساعة الأخيرة من النهار.
× الثلت الأخير من الليل:يقول عليه الصلاة والسلام:" أقرب ما يكون العبد من ربه في ثلث الليل الأخير" و هو الثلث الذي ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا فيقول:" هل من داعٍ فأستجيب له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له؟"
ومن الأدعية المستجابة:دعاء المظلوم يقول عليه الصلاة و السلام:" ليس بينها و بين الله حجاب يرفعها ربنا عز وجل إلى السماء و يقول و عزتي و جلالي لأنصرنك ولو بعد حين" ودعوة الإمام العادل و الصائم و كذلك الدعاء عند نزول المطر و الجهاد و رؤية الكعبة و الطواف و ختم القرآن
لا تقل إن ربي لم يستجب لي فالإستجابة تكون بالأخذ بالأسباب فكيف تدعو أن ينجحك الله و أنت لم تبذل قصارى جهدك في الدراسة و يكفيك حلاوة الدعاء و الشعور به و لطالما استجاب لك الله و إنما الإستجابة تكون عندما تثق بالله فـ واللهِ لن يردك صفراً خائباً...!
في أمان الله