المسافر الأخير
كأنت مذ عرفتك رجل يلفك الغموض وتغلفك الدهشة ..
تتدرع بأمواج الضحك لتخبئ طوفان الوجع العاصف بحناياك ..
وتركز رايات الانتصار في عمق هزائمك فقط لأراك سعيداً ..
تدفن جراحاتك ونوتة أشجانك وتفاخرني بشهادات فرح مزورة لأبتهج ..
مواعيد سفرك مجهولة ..
وقوائم أمنياتك محروقة ..
حتى موانئ عودتك طمرتها بأحضان الضياع ..
ثم ها أنت تسافر !!
تسافر؟
نعم !
سترحل لكن كيف و متى ؟!
هززت رأسك نافياً أن تكون على علم بتفاصيل مغادرتك ...
ولأني بعضك الذي انفصل عنك عشية يتم علمتُ !
كان رحيلك اللحظة التي توشح فيها المساء عباءات الحزن
مرتلاً بشفاه الغيم أناجيل الشكوى ...
دلفتَ الغيب ولا زواد سوى تذكرة مبتورة الوجهة وحقائب طافحة بالتعب ...
كنت المسافر الأخير على رحلة لم تكن الأخيرة وكنت وحدي المطار ...
لكني معك وكما وعدتك أتنقل من غياب لآخر و من تنهيدة لأقسى ..
أندس في أنفاسك جواز سفري ابتسامة عينيك التي أعبر من خلالها كل قبح ..
وتذكرتي إيمان راسخ أنك الجهة التي لن يخطئها القلب ولن يحجب مدرجاتها الظلام ...
كان دخولك صالة المغادرة المشهد الذي قتلني برهبته ..
تقدمت أنت وتسمرت أنا هناك ..
حيث لثمت كفك ومرغت خدي بدفئك ..
طرفة عين أو أقل وتسربت كالماء من بين يدي ..
حلقت بك الطائرة بعيداً حملتك عميقاً في الفقد وتركتني أجمع بقايا التناهيد و وشوشات اللحن ..
غاب طيفك ولما تغب ذكراك فما زال لدي الصهيل ...
ورعشات الخلاخل في حناجر الليل و أغانٍ تداعب أفئدة القناديل ..
رحلت وقد أودعتني عمراً مزداناً بلغتك و أهازيج فرحك ..
نقشت بأعماق الفؤاد اسمك نقياً كزهرات البرد
ورحلت كما تفعل الغيوم الصغيرة حين تمتطي صهوات الأحلام..
رحلت و لما ترحل فأنت كما كنت متربعاً وسط الحنايا
مستوطناً التقاسيم رغم زعمهم أنك وبكل يقين مسافر ....!!
م0ن