حكم تمثيل الأنبياء والصحابة
موقع التبيان الإسلامي
أولاً : من أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية : المجلد الثالث:إصدار : سنة 1421 هـ>2001 م>حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم
مفاسد تمثيل الأنبياء
ومفاسد تمثيل الأنبياء كثيرة نكتفي منها بهذه الأمثلة:
1 - تشكيك المؤمنين في عقائدهم، وتبديد ما وقر في نفوسهم من تمجيد هذه المثل العليا، إذ أنهم قبل رؤية هذه المشاهد يؤمنون حقا بعظمة الأنبياء ورسالتهم، ويتمثلونهم حقا في أكمل مراتب الإنسانية وأرفع ذراها - إذا هم بعد العرض قد هانت في نفوسهم تلك الشخصيات الكريمة، وهبطت من أعلى درجاتها إلى منازل العامة والأخلاط، وقد تقمصهم الممثلون في صور وأشكال مصطنعة مما يتقلص معه ظل الدين والأخلاق.
2 - إثارة الجدل والمناقشة والنقد والتعليق حول هذه الشخصيات الكريمة وممثليها من أهل الفن والمسرح تارة، ومن النظارة تارة أخرى، وها نحن أولا نرى صفحات للفن والمسرح ومجادلات في التعليق والنقد، وأنبياء الله ورسله مثل كلام الله عز وجل، فوق النقد والتعليق.
3 - التهاب المشاعر، وتحزب الطوائف، ونشوب الخصام والقتال بين أهل الأديان كما وقع بين المسلم واليهودي في العصر النبوي، وما أحوجنا إلى الأمن والاستقرار وإطفاء الفتن وتسكينها لا إثارتها وإشعالها.
4 - الكذب على الله ورسله؛ لأن التمثيل أو التخييل ليسا إلا ترجمة للأحوال والأقوال والحركات والسكنات، ومهما يكن فيهما من دقة وإتقان فلا مناص من زيادة أو نقصان، وذلك يجر طوعا أو كرها إلى الكذب والضلال، والكذب على الأنبياء كذب على الله تعالى، وهو كفر وبهتان مبين، والعياذ بالله.
هذه أمثلة من مفاسد تمثيل الأنبياء.. فماذا تفيد الإنسانية من هذا التمثيل إلا الضلال والنكال، وإذا كان الله جلت قدرته قد أعجز الشياطين عن أن يتشبهوا بالأنبياء توقيرا وإعظاما لهم عليهم الصلاة والسلام، كما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، سنن الترمذي الرؤيا (2276) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3900) ، مسند أحمد بن حنبل (1/400) ، سنن الدارمي الرؤيا (2139). وسبق أن قلنا: إن الأنبياء إخوة يمس كل واحد منهم ما يمس أخاه، نقول: إذا كان الله سبحانه قد حال بين الشياطين وبين التمثيل بالأنبياء مع أنه أعطاهم القدرة على التشكل كما يهوون، فكيف يستبيح الإنسان لنفسه أن يكون أخبث من الشيطان بتمثيل الأنبياء؟ ! ثم ماذا يكون الشأن إذا اجترأ إنسان على التمثل بالنبي محمد أو غيره واهتاج الناس وأثار شعورهم استياء من الجرأة على قداسة النبوة وخاصة في نفوس النظارة المتدينين ؟ !
إن حقا محتوما علينا أن نجل الأنبياء، وأن نجل آل الأنبياء وأصحاب الأنبياء عن التمثيل والتشخيص، واحتراما وإجلالا للأنبياء أنفسهم؛ لأن حرمتهم مستمدة من حرمة الأنبياء، كما أن حرمة الأنبياء مستمدة من حرمة الله عز وجل، وهذا بعض حقهم على الإنسانية جزاء ما صنعوا لها من جميل، وأدوا إليها من إحسان.
وجملة القول : أن أنبياء الله تعالى ورسله معصومون بعصمة الله لهم من النقائص الخلقية والخلقية، وأن تمثيلهم تنقيص لهم، أو ذريعة إلى التنقيص لا محالة، وكلاهما مفسدة أو مؤد إلى المفسدة التي من شعبها إثارة العصبيات والفتن التي لا يعلم مداها إلا الله تعالى.
وإن في الأدب والتاريخ وتصوير الفضائل ومكارم الأخلاق لميدانا فسيحا للفن والتمثيل، فليتجه إليها الفن ما شاء له الاتجاه، وليبتكر ما شاء له الابتكار، وليدع أنبياء الله ورسله محفوفين - كما حفهم الله تعالى - بالجلال والوقار، وليعمل على أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، فطوبى لمن كان كذلك، والويل ثم الويل لمن يثير غضب الله وسخطه وانتقامه وغيرته لأنبيائه.
في قصص الأنبياء كفاية
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [سورة يوسف:الآية 111] وأن العبرة لا تزال ماثلة في مواطنها، واضحة في معالمها، ينتفع بها في القرآن الكريم، وصادق الأخبار، ولو شئنا لأطلنا، ولكن في هذا بلاغا.
النتيجة
من أجل ما قدمنا تقرر في إثبات واطمئنان أنه لا ينبغي ولا يحل بحال أن يشخص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في المسرح، ولا على شاشة السينما.
والله نسأل أن يجمع قلوبنا على محبته، وتوقير أنبيائه ورسله، وأن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. والسلام عليكم ورحمة الله
ثانياً : كما صدرت فتوى من لجنة الفتوى بالأزهر نشر في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر بتاريخ محرم سنة 1379هـ
عن حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية، جاء فيها :
وبما أن السابقين من الصحابة رضي الله عنهم لهم مقام كريم، وشأن خاص بين جماعة المسلمين، وبما أن تمثيلهم على المسارح أو الشاشة قد ينحرف بهم إلى ما يمس بشخصياتهم أو عن تاريخهم الحق؛ لما يتعرضون له أحيانا من أكاذيب القصاصين، أو أهواء المتعصبين لبعض ضد البعض الآخر من جراء الفتن والخلافات التي قامت حولهم في أزمانهم، وانقسام الناس في تبعيتهم إلى طوائف وأشياع، بسبب الدسائس بينهم - فإن اللجنة إزاء هذه الاعتبارات تفتي بما يأتي:
أولا : عدم جواز من يمثل كبار الصحابة؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية وأبنائهم رضي الله عنهم جميعا؛ لقداستهم، ولما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين . . أما من لم ينقسم الناس في شأنهم؛ كبلال وأنس وأمثالهما - فيجوز ظهور من يمثل شخصياتهم بشرط أن يكون الممثل غير متلبس بما يمس شخصية من يمثله.
ثانيا : عدم جواز ظهور من يمثل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته؛ لأن حرمتهم من حرمته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى في شأن نسائه:
{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ } [سورة الأحزاب:الآية 32] وبناته بذلك أولى.
ثالثا : من لم تثبت صحبته من الرجال المسلمين، وكذلك التابعين وأتباعهم - لا مانع من ظهور من يمثل شخصياتهم متى روعي في التمثيل ما من شأنه ألا يخل بكرامة المسلم.
وأما النساء المسلمات فيجب الاحتياط في تمثيلهن أكثر مما يحتاط في تمثيل الرجال المسلمين الذين لم نثبت صحبتهم، وعلى المرأة التي تقوم بالتمثيل ألا يوجد مع تمثيلها اختلاط بأجنبي عنها من الرجال، ولا يصحبه كشف ما يحرم كشفه من جسمها، ولا يكون معه تكسر في صوتها، ولا حركات مثيرة للغرائز، ولو مع ستر الجسم، إذا كان الأمر كذلك فلا حرمة في التمثيل، خصوصا إذا كان التمثيل لغرض علمي يعود على الأفراد والأمة بالفائدة.
وأما إن صحبه اختلاط بالرجال الأجانب، أو كشف ما لا يحل كشفه من جسمها، أو وجد معه تكسر في صوتها أو حركات مثيرة للغرائز بجسمها ولو مع ستره، أو كان لباسها يحدد مفاتن جسمها - فإن التمثيل حينئذ يكون محرما على من تقوم بهذا التمثيل.
قرار لجنة الفتوى بالأزهر
كما صدرت فتوى مستفيضة من اللجنة المختصة بالفتوى في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر في رجب عام 1374هـ في حكم تمثيل الأنبياء قد يكون في مبررات القول بمنع تمثيلهم ما يصلح مبررا للقول بمنع تمثيل الصحابة، وهذا نص المقصود منه:
التمثيل في المسرح :
تشخيص الأفراد الذين تتألف منهم القصة أو الرواية التي يراد عرضها على النظارة - تشخيصا يحكيها طبق أصلها الواقع أو المتخيل، أو هو بعبارة موجزة: ترجمة حية للقصة وأصحابها.
وقد تلتقط صورة للممثلين في المسرح على شريط خاص يسمونه (الفيلم) ليعرض على النظارة في شاشة السينما.
هل يمكن تمثيل الأنبياء؟
لندع القصص المكذوبة على أنبياء الله جانبا، ولنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا القصص الحق الذي قدمنا شذرات منه عاجلة، ثم نتساءل:
1 - كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ أهي شجرة الحنطة؟ أم هي شجرة التين؟ أم هي النخلة؟ . . .
وعلى أي حال نمثلهما وقد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؟ وهل نمثل الله تعالى وقد ناداهما: { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } [سورة الأعراف:الآية 22 ]؟ ! أو نترك تمثيله تعالى وهو ركن في الرواية ركين ؟ ! سبحانك سبحانك، نعوذ بك من سخطك ونقمتك ومن هذا الكفر المبين ؟ ؟ ! !
2 - وكيف يمثل موسى وهو يناجي ربه ؟ وكيف يمثل وقد وكز المصري فقتله؟ بل كيف يمثل وقد أحاط به فرعون والسحرة، ورماه فرعون بأنه مهين، ولا يكاد يبين؟ وكيف تمثل العقدة التي طلب من الله أن يحلها من لسانه ؟ وما مبلغ كفر النظارة والممثلين إذا أفلتت - ولا بد أن تفلت - منهم فلتة مضحكة أو هازئة حينما يتمثلون الرسولين وقد أخذ أحدهما برأس الآخر وجره إليه ؟ وما مبلغ التبديل والتغيير لخلق الله الفطري ليطابق هذا الخلق الصناعي وقد عملت فيه أدوات الأصباغ والعلاج عملها؟
3 - وكيف يمثل يوسف الصديق وقد همت به امرأة العزيز وهم بها لولا أن رأى برهان ربه؟ وما تفسير الهم في لغة الفن؟
4 - وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟ بل كيف يمثلون حينما كانوا يرعون الغنم " وما من نبي إلا رعاها " ؟ بل كيف يمثلون وقد آذاهم المشركون ولم يستح بعضهم أن يرمي القذر والنجس على خاتم النبيين وهو في الصلاة والكفار يتضاحكون؟ سيقول السفهاء من النظارة - وما أكثرهم - مقالة المستهزئين الكافرين من قبل: سورة الفرقان الآية 41 أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ؟ وسيغضب فريق لأنبياء الله ورسله فيقاتلون السفهاء، وينتقمون منهم، وتقوم المعارك الدينية لا محالة سورة الشعراء الآية 227 وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
تمثيل الأنبياء تنقيص لهم
لسنا بحاجة بعد هذا إلى بيان أن من قصص الأنبياء ما لا يستطاع تشخيصه، وأن ما يستطاع تشخيصه من قصصهم فهو تنقيص لهم، وزراية بهم، وحط من مقامهم، وانتهاك لحرماتهم وحرمات الله الذي اختارهم لرسالته واصطفاهم لدعوته . . . لا ريب في ذلك كله ولا جدال.
وهذا كله في القصص الحق الذي قصه الله علينا ورسوله، وأما القصص الباطل - وما أكثره - فهو زور على زور، وكفر على كفر، وهو البلاء والطامة . . وما نظن أن أحدا يستطيع أن يجادل في هذه الحقائق الناصعة . . . وأكبر علمنا أن أول من يخضع لها ويؤمن بها هم أهل الفن أنفسهم، فإنهم أرهف حسا، وأشد إدراكا لمقتضيات التمثيل وملابساته.
على أنا لو افترضنا محالا، أو سلمنا جدلا بأن تمثيل الأنبياء لا نقيصة فيه ولا مهانة، فلن نستطيع بحال أن نتجاهل أنه ذريعة إلى اقتحام حمى الأنبياء وابتذالهم، وتعريضهم للسخرية والمهانة، فالنتيجة التي لا مناص منها ولا مفر: أن تشخيص الأنبياء تنقيص لهم، أو ذريعة إلى هذا التنقيص لا محالة .
سد الذرائع
وسد الذرائع ركن من أركان الدين والسياسة، فقد أجمع العلماء أخذا من كتاب الله وبيان رسوله، على أن من أعمال الناس وأقوالهم ما حرمه الله تعالى؛ لأنه يشتمل على المفسدة من غير وساطة؛ كالغصب والقذف والقتل بغير حق، وأن من الأعمال والأقوال ما حرمه الله سبحانه؛ لأنه ذريعة إلى المفسدة، ووسيلة إليها، وإن لم يكن هو في نفسه مشتملا على المفسدة، ومن ذلك مناولة السكين لمن يسفك بها دما معصوما، فالمناولة في نفسها عارية عن المفسدة، ولكنها وسيلة إليها، ومن ذلك سب معبودات المشركين وهم يسمعون، فهو في نفسه جائز، ولكنه منع لجره إلى مفسدة، وهي إطلاق ألسنة المشركين بسب الله تعالى؛ ولهذا نهانا الله سبحانه عن هذا السب فقال: سورة الأنعام الآية 108 وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ..
ومن هذا القبيل تفضيل بعض الأنبياء على بعض، هو نفسه جائز، فقد فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، ولكنه يمنع حينما يجر إلى الفتنة والعصبية، وقد تخاصم مسلم ويهودي في العهد النبوي، ولطم المسلم وجه اليهودي؛ لأنه أقسم بالذي اصطفى موسى على العالمين، وأقسم المسلم بالذي اصطفى محمدا على العالمين، فلما بلغت الخصومة خاتم النبيين صلى الله وسلم عليهم أجمعين - غضب حتى عرف الغضب في وجهه، وقال: لا تخيروني على موسى ، ثم أثنى عليه بما هو أهله، ونهاهم أن يفضلوا بين أنبياء الله تعالى؛ سدا لذريعة الفتن، وحرصا على وقارهم صلوات الله وسلامه عليهم، وإذا كانت الدول تشدد في سد الذرائع وترى ذلك ركنا من أركان السياسة والأمن والنظام والمعاملات الدنيوية، فإنه في العقائد أخلق، وفي مقام النبوة أوجب وأحق .
من أبحاث هيئة كبار العلماء ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف.