أسرار الكون و عودة الأسئلة الميتافيزيقية
نعيش اليوم في بداية العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين و الذي يعتبر بلا ريب عصر العولمة و التقنية ، و لعل أهم ميزة اختص بها هذا القرن اكتشافات كونية و فلكية مذهلة بفضل قوة التقنية المتمثلة في المركبات الفضائية و الأقمار الاصطناعية ...الى غير ذلك من وسائل تنم عن مدى عبقرية الكائن الإنساني، و قوة علمه التي منحها له الخالق عز و جل : و لعل أهم اكتشاف طرق أسماعنا مؤخرا اكتشاف علماء الفضاء كوكبا خارجا عن المجموعة الشمسية تقترب درجة حرارته من درجة الأرض و ربما يكون مأهولا ..نعم ربما يمكن أن يحقق أخيرا الحلم الإنساني في استيطان أحد الكواكب- غير الأرض- وهذا الأمر قد ينطبق على هذا الكوكب الجديد الاكتشاف لأن علماء الكون لمحوا إلى وجود مياه على سطح هذا الكوكب الجديد في صورته السائلة..و يقول" مايكل مايور" أستاذ علم الفلك في جامعة جينيف في هذا الصدد "انها خطوة مهمة محتملة ، في الكون وهو اكتشاف رائع غير أن لدينا الكثير من التساؤلات ..."
ان هذه الاكتشافات تنم كما أسلفت الذكر عن مدى التقدم الذي تخطوه الإنسانية في مجال الفلك و في مجالات أخرى من صنوف الحياة .غير أنه ومع أهمية ذلكم الجانب من البديهي القول بأن ما نعرفه عن هدا العالم الفسيح لا يمكن مقارنته البتة بما نجهله .. فحينما نقارن ما نعرفه بما نجهله ندرك حينا مدى ضعف ابن آدم و مدى جهله... ولكن يبقى من الجيد دوما الإحساس المستمر و الدءوب بالجهل لأن الإحساس بالجهل كما قال سقراط ذات يوم هي الخطوة الأولى نحو المعرفة، وفي نفس الصدد أكد عديد العلماء بأننا لانعرف عن كوكبنا الذي هو الأرض إلا ستة بالمائة ، فما بالكم إذا بمجرتنا و المجرات المحيطة و المجرات التي لا نعرف عنها أي شيء و الكواكب و النجوم التي تحتويها..
انه على الرغم مما حققه العلم الإنساني من ثورة فلكية بفضل تطور التقنية لم نصل بعد إلى معرفة جوهرية حول هذا الكون فإذا كنا نجهل عن كوكبنا أربعة و تسعين بالمائة فمادا نعرف عن الشمس أكثر مما هي نجم كبير تنبعث منه الحرارة و الضوء هل بإمكاننا أن نقترب منها أكثر بوسائلنا التكنولوجية و التقنية و نستحلي بوضوح سبب تلك الحرارة الهائلة، هل هي كتلة عملاقة من النار ام ضوء ملتهب أم هي قبس من نار جهنم ؟..من أين تستمد الشمس تلك القوة الهائلة لتمنح الحياة للنبات و الحيوان و الإنسان ...؟
إن المتأمل في الكون سيجد نفسه لا محالة في حيرة لا تنتهي و سيجد أن المعرفة الانسانية على الرغم من اعتقادنا بما حققته الا أن ذلك لا يشفع لها في معرفة أسرار و لغز هذا العالم و سنضطر دوما للعودة إلى طرح تلكم الأسئلة الميتافيزيقية و الفلسفية و العلمية التي لن تشفع لنا بإجابات مقنعة، و في هذه النقطة بالذات يجد ابن آدم نفسه في حيرة غير منقطعة و يقر بوجود قوة عظمى لا يمكننا إدراكها الا بالإيمان و الاقرار بوجود الله سبحانه و تعالى الذي يقول في محكم تنزيله "وما أوتيتم من العلم الا قليلا ".
نعم فالإنسان بخيلائه و غروره لا يعرف أي شيء عن هدا الكون لا يعرف أكثر من وجود بعض الأشياء : نعلم بوجود البحر و المحيط و الأرض و الجبال و الثروات الطبيعية و الكوارث الطبيعية و فسرنا بعض الأسباب و النتائج لكن هذه أشياء سطحية مقارنة طبعا بما نجهله فنحن ،لم نستطع إلى حد اليوم حل لغز مثلث برمودا العجيب و لم نستطع الوصول إلى نواة الكرة الأرضية لم نستطع أن نعرف عن القمر أكثر من بعض الأفكار.. لم نستطع أن نعرف عن الكون أكثر من أنه يتكون من مجرات و كل مجرة تتكون من عدد كبير من الكواكب و النجوم لم نستطع أن نفسر لماذا لون الكون أسود وهنا أهمية الشمس ذلكم النجم العجيب الذي تم تسخيره من طرف قوة ما... ناهيك عن الكواكب و النجوم المضيئة... لم نستطع أن نفسر المادة السوداء المنتشرة في الكون ولم نعرف عنها إلا القدر اليسير جدا، ونفس الأمر ينطبق على الثقوب السوداء و الطاقة السوداء التي جعلت الكون ينتشر و يتوسع بعد الانفجار العظيم الذي تحدث عنه العلماء على غرار صحة حدوثه من عدمه ؛ و كلمة سوداء هنا تنم عن الجهل و تكذيب كل من يدعي امتلاك المعرفة لهدا نصحنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتواضع دوما لأننا كائنات جاهلة ما دمنا مترفعين و ما دمنا غير قادرين على التأمل في هدا الكون و الاعتبار من حيرة كبار علمائنا في هدا المجال : فنحن نتعجب عندما نتأمل في الهاتف النقال كيف يوصل الأصوات و نتعجب في ذلك و نتحير عندما نصل الى حقيقة ما على شبكة الانترنيت لكن هل حاول أحد منا أن يسبح بخياله و فكره إلى خارج المجرة و يحاول استطلاع الكواكب التي عادة ما نرى صورها في المجلات فنصاب بدهشة عابرة تنقضي بسرعة دون الاعتبار منها ؟ا هل حاول أحد منا حقا أن يتجرد من عقيدته و دينه و ينسلخ بعقله ليقر و يقول بأن هناك حقا قوة تنظم هذا الكون و ترعاه هل حاول أحد أن يخرج من غروره يوما ما و يتأمل في حلقات كوكب زحل غير العادية و التي تتكون من عدد هائل من الصخور القاسية التي تشبه الجزيئيات و تدور بسرعة 10 كيلومتر في الثانية ... ثم هل حاولنا يوما ان نعتبر من كوكب المريخ وان نحلل تلك العواصف الهوجاء التي لا تنقطع على سطحه محدثة زوبعات حمراء من الغبار المتطاير و التي غطت السماء الزرقاء على هدا الكوكب .. ثم هل حقا السماء زرقاء أم ان العين خداعة و نحن نعلم جيدا خطورة الحواس و تزييفها للحقائق في كثير من الأحيان ؟
أسئلة جمة وعديدة تطرح في هذا الصدد ؟ فهل من إجابة ؟