وطنى الغالى
خلقك الله في قلبي قبل أن يرسمك الإنسان على الثرى ..
و جعلني من ترابك قبل أن يجعلك من مفرداتي ..
وطني .. يا عود الحنين العتيق .. زرعك الله في قلبي شجرة أزلية الجذور .. أبدية الفروع و الثمار ..
و من تراب البحر و السهل و الجبل و الصحراء و الجنان و الوديان سرت في عروقك دماء الحب البلورية ..
و من حزن الغيوم السرمدية ذرف الإخلاص دموع الوفاء فكنت شجرة فتية القوام عتيقة الأيام .. فلا أنت يا وطني بطفل و لا أنت يا وطني بعجوز ..
فرفقا بقلبي يا وطني ..
من أغصانك النائمة فوق ثرى الروح صنع زرياب عود الحنين في شغاف قلبي .. و من خيوط الفجر و الليل و حبات المطر شد الأوتار الراقصة فوق ضلوعي ..
و من خفقات قلبي سرق الموصللي دوزانك الأبدي ..
و بكلماتي الطفولية البلاغة الجنونية العقل نسجت لحنا يدعى ” الوطن “
بحثت عنك يا وطني في كل المواطن ..
فلا أنت في خرائط سايكس بيكو .. و لا أنت في جوجل إيرث ..
و لا أنت فوق القمر
و لا تحت القمر
و لا في المريخ و لا زحل
مشيت فوق دروب الحنين منادياً : أيا وطني ألا تسمعني ..
أنا ابنك الذي أحن إليك .. بكل جوارحي .. ألا تسمعني يا أبتي ؟
و لم تجبني يا وطني ..
لم تجبني يا وطني ..
كتبت الشعر و النثر و عزفت الموسيقى و الأهازيج و ذرفت دموع العود عربية الأنين .. و أخذت الجيتار إلى الأندلس .. و ذرفتها غجرية الحضور .. راقصة كالزنابق بين الصخور ..
فلم تجبني يا وطني ..
لم تجبني ..
يا وطني ..
سافرت مع ابن بطوطة حول العالم ..
و رجعت بخفي حنين ..
فلا أنت في الهند
و لا أنت في الصين
و لا أنت – برغم كل النداءات الطويلة – في فضاء المستحيل
و لم تجبني يا وطني ..
لم تجبني يا وطني
جلست في زاوية تدعى الكلمات .. و اخترت منها أجمل الحروف .. صبغتها بالوزن و القافية و كسيتها حلتها الزاهية ..
و وضعتها في طرف مختوم بالياسمين ..
و أرسلتها مع حمامات الجوامع و أناشيد الأطفال .. و آهات المغنين ..
و لم ألق منك جوابا و لو حبة من قمح أو حبة رز .. أو زهرة جلنار ..
و عندما تحول الحنين في قلبي إلى سمفونية من التأملات ..
جلست أكتب عنك
و أكتب عنك ..
و أبحث فيك عنك ..
و أنت صامت كالبحر المهيب
و عندما انتهيت من كتابتي ..
و جدتك يا وطني تهمس في أذني : أنا في قلبك منذ آلاف السنين ..
فلا تبتعد عني .. باحثا ..
فأنا في قلبك جنة ليست تبور
و أنا في قلبك ..
حتى نفخة الصور
"عامر خيربك"