سبحانك يا غفار
دكتور عثمان قدري مكانسي
قالوا : إن أرجى آية قوله تعالى في سورة الزمر الآية 53 " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم : لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعاً ، إنه هو الغفور الرحيم "
واستدلوا على ذلك من الآية نفسها بما يلي :
1-" قل ": بما بعدها من الرحمة والتلطف تفيد البشرى من الله تعالى .
2- " يا عبادي " نداء يدل على التحبب فـ " العباد " غير " العبيد " وقد وردت العباد- في القرآن - للتكريم ، والعبيد للتهديد .
فهي إبتداء أمن وأمان وداعية للغفران
3- " الذين أسرفوا على أنفسهم "
ولو قال : أحسنوا لأنفسهم قلنا هم يستحقون اللطف والبشرى
لما قدّموا من عبادة لربهم
وتفان في الإخلاص له سبحانه . لكن الخطاب لمن أساء وأخطأ وازداد عصياناً ، وانغمس في الفواحش والمفاسد .
ثم حين انتبهوا لما قدّموا تحسّروا على ما فاتهم ، وأحسوا أن زمن التوبة تجاوزهم فأصابهم الغم والهم ، ويئسوا من رحمة الله ، وظنوا أن مأواهم النار وغضب الله لا محالة .
وأن ما مضى من عظيم ذنوبهم لا يؤهلهم للتوبة والإنابة .
فازدادوا غماً على غم وهما على هم . وربما زين الشيطان لهم – ما داموا قد سقطوا ولا نجاء لهم –
أن يسرفوا في المعاصي وأن يجترئوا عليها أكثر مما اجترءوا .
وعلى هذا يطمئن الشيطان أن مصيرهم ارتبط به، وأنهم مثله من أهل النار خالدين فيها .
4- " لا تقنطوا من رحمة الله " فتنتعش نفوسهم ، ويحيا الأمل فيها ، وينتبهون إلى أن القطار لم يفتهم ما لم يغرغروا .
فيتوبون إلى الله ويستغفرونه ، ويسألونه العفو والمغفرة عما مضى
من ذنوبهم ، وأن يعينهم على استدراك
ما فات من عظيم أخطائهم ...
ولكنها أمثال الجبال فهل يتجاوز الله تعالى عن كل ذلك ؟!
فيجيبهم غفار الذنوب وستار العيوب والمنعم المتفضل سبحانه :
5- " إن الله يغفر الذنوب جميعاً " يغفرها كلها صغيرها وكبيرها ، خطيرها وحقيرها ، دِقَّها وجليلها
حين يقبل المرء عليه معترفاً بتقصيره ، مقراً بجريرته ، عازماً على التوبة ، نادماً على مافرّط . فكَرَمُ الجليل جليل
وغفران الكبير كبير ، وعفو العظيم عظيم .
ولكنهم كانوا في الغي سادرين ، وفي الضلالة سائرين ! فيجيب الرب الكريم منبهاً عن صفتين من صفاته واسمين من أسمائه
يدلان على جميل نعمائه وحسن عطائه :
6- " إنه هو الغفور الرحيم " فهو يغفر لأنه رحيم
ويرحم لأنه غفور . ولا يسد خللَ عباده وضعفَ
حيلتهم ونقصَ خليقتهم إلا كمالُ صفاته وجليلُ معروفه .
هذا ما قاله العلماء وأحسِنْ بما قالوا .
إلا أنني أجد آية سبقت أختها
في السورة نفسها – الزمر – الآية 35 أكثر رجاء – والله أعلم –
يقول المولى تعالى فيها :
" ليكفر الله عنهم أسوأ ما عملوا ، ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون "
وتصور معي – أخي الحبيب
أنني وإياك اجترحنا سيئات صغيرة وكبيرة
وعملنا حسنات كبيرة وصغيرة أيضاً .
ونحن بشر نصيب ونخطئ ويقوى إيماننا ويضعف .
وما منا إلا مرّ بمثل هذا " كل ابن آدم خطّاء " ثم نتوب حين نعود إلى أنفسنا وينجلي غشاء النسيان ووسوسة الشيطان فنحاسبها
" إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
فإذا هم مبصرون " الأعراف 210
. فنحسن العمل خائفين راجين ، راهبين راغبين .
فماذ يفعل الإله العظيم سبحانه حين يرانا عليه مقبلين ،
وعن أخطائنا راغبين؟ ..
عد إلى الآية واقرأها متمعناً متيقنا بما فيها ترَ الله تعالى - جلّ من كريم مفضال- يكرمُنا بخصلتين رائعتين رائعتين :
الأولى : أنه يمسح الذنوب العظيمة الثقيلة ، وكأنها لم تكن .
فأين الذنوب الصغيرة ؟ " اللمم" إنه يمسحها من باب أولى ، فإذا غفر الكبائرَ فانتهى أمرُها ، أتراه يحاسبنا على الصغائر؟ !
بل إنها ممحُوّةٌ سلفاً قبل الموت بإذن الله ، بل في اللحظة والتو .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصلوات الخمس . والجمعة إلى الجمعة . ورمضان إلى رمضان . مكفرات ما بينهن . إذا اجتنب الكبائر "
الثانية : أنه سبحانه حين يجزينا الثواب -
وهناك حسنات صغيرة وأخرى كبيرة ، والعادة عند البشر
أن لكل عمل ثواباً بما يناسب العمل نفسه – يجعلها كلها بأجر أفضل الأعمال .
نعم يجزينا أعمالنا الحسنة بأفضل الثواب وخير الجزاء .
فما أعظم لقاء الله !
وما أكرم فضله وأعظم خيره !
اللهم إننا نحبك ، ونحب لقاءك ، ونرجو الخير في ذلك اليوم العظيم ..
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك .