عطر
" خذيني لصدركِ أوثقيني
وشدي بالحنانِ عليّ طوقاً "
لم يكن يعلم بأنه لقمني شوكة بقيتُ أغصُّ بها إلى ليلة الفرح .. وقت كنت أدلق على ثيابه زخات عطر من قنينات مختلفة لأجعله يتخير منها أي رائحة يريدها لليلته حتى نسكبها في كف الحاضرات كتقليد ضيافة ملازم لصب القهوة وتقديم الحلويات والهدايا الصغيرة ..
كل أبواب البذخ كانت مشرّعة ليعبر الفرح إليه كل الاستعدادات كانت منهمكة تبحث عن رائحة قوية لا يذوبها الوقت ..
عن شذى ناطق يخلد زفافه كوشم على كل كف نصافحها من أجله ..
وكعادة مبسمه الأخوي الحنون يتمدد كإشارة لترك الخيار لي كما هو دائماً ..
فقط قبل أن ينفض عنه العطر المختلط تفتق مبسمه بعبارة صغيرة .. رماني بها ثم خرج :
( وعدتني بهدية خاصة لهذه الليلة )
بربك ياقلب انطق .. اخبرني .. ألم تكن تتبصر يومياً في صحائف حبها .. في أثر أقدامها .. في اخضرار زرعها الذي تعهدته بالساقية من أجلها .. ألم تكن تلتصق بموضع جبهتها على تلك السجادة التي لازالت لها وحدها إلى الآن .. لتغدو كل صلاة عليها نافلة بعد أن رحلت هي بالوجوب ..
بربك ارشدني .. ألم تكن تتدثر بثيابها .. تمتشق بعبقها من كل موضع عبرت به .. حتى من مقابض الأبواب .. ألم تنصب نفسك مكانها لتلبسها أماً للموجودات والمفقودات .. ألم يكفيك الوقت الماضي لامتصاصها لتصبحها أنت .. لتعرف !.. يجب أن تعرف .. كان يجب أن تعرف !
سحقاً للأمهات حين يكن مزورات .. حين يكن مجرد دمى ترفل في ثوب أمومة مستعارة .. !
بقيت أمل تحمل نفسها مسؤولية جهلها بالهدية التي وعدت بها أمها قبل أن تتوفى أخاها أحمد لتقدمها له ليلة زفافه
وبعد أكثر من محاولة فاشلة لاستجداء القلب علّه يوحي إليها بنوع الهدية .. استأصلته وغلفته في قطعة صغيرة من وشاح قديم كان لأمهما .. لتدسه ليلة زفافه في جيبه الأعلى .. وتقضي هي الليلة خاوية تسير على حافة حادة لفرح طارت رائحته بأيدي الحاضرات اللواتي لم يتوقفن عن السؤال عن اسم العطر المسكوب عليهن .. وحدها من جفت من كفها رائحة العطر كما جفت على شفتيها من قبله الأغاني ..
ابتسمت لذلك القابض على فرحه على المنصة وكعادة الأمهات حين يمنحن الوصايا في هذه الليلة ..
اقتربت من أذنه وهمست :
حافظ على جيبك الأعلى .. كل جزيئات العطر بعده ستغدو سراب فرح .. !
إلا هذا الموضع حيث قلبك الساكن بجواره قلب يلبس قلب .