وقد أدَّت الحقبةالرئيسة للكشوف الأوروبية فيما وراء البحار، والتي بدأت في أواخر القرن الخامس عشرالميلادي، إلى زيادة الاتصال بأقوام من حضارات شتَّى، حتى أصبح من الواضح في القرنالتاسع عشر الميلادي أنه ليس من اليسير إلحاق معظم سكان العالم بنظام الأجناسالثلاثة.
وكان يُعتقد أن الأجناس الجغرافية قد وجدت بسبب الانعزال الناجم عنالمحيطات والجبال والصحاري.وابتدع بعضعلماء الإنسان في الخمسينيات من القرن العشرين نظامًا جديدًا لتصنيف الأجناس، وذلكفي محاولتهم التوفيق بين نظرية التطوّر والتباين المشاهد بين العشائر البشرية فيالعالم الحديث، حيث قسَّموا البشر أقسامًا رئيسة، أسموهاأجناسًا جغرافية،وكانت هذه الأجناس مجموعات من العشائر التي تسودها مميِّزات متشابهة. وقد اعتمدنظام شائع الاستخدام من تلك الأنظمة تسعة أجناس جغرافية: 1-الأسترالي2-الآسيوي3-الإفريقي4-الأوروبي5-البولينيزي6-الميلانيزي7-الميكرونيزي8-الهندي9-الهنديالأمريكي.
ويمكن القول إن تلك الأجناس الجغرافية كانتتنتشر على امتداد مساحات قارية رئيسة وسلاسل جزرية كبرى، ولكنها لم تناظر القاراتمناظرة دقيقة. فعلى سبيل المثال، شملالجنس الجغرافي الأوروبي، عشائرمنتشرة في أوروبا، وفي الشرق الأوسط، وشمالي الصحراء الكبرى في إفريقيا، كما شملأيضًا أقوامًا منحدرة من تلك العشائر في مناطق أخرى من العالم مثلالبيضفيأمريكا الشمالية وفي أستراليا.
دور لون البشرة في تصنيف الأجناس: وفقًا لنظرية الأجناس الجغرافية، ينتمي الأفراد في الصف العلوي من الصور إلى الجنس الأوروبي، في حين ينتمي الأفراد في الصف السفلي إلى الجنس الإفريقي. بيد أن لون البشرة يتباين تباينًا واسعًا في كل من هاتين المجموعتين
وكان من المعتقد أن الأجناس الجغرافية قد نشأتبسبب الانعزال الناجم من الحواجز الطبيعية مثل المحيطات والجبال والصحارى. واعتمدهذا الرأي على أن هذه الحواجز قد فصلت جماعات من البشر بعضها عن بعض آلافًا عديدةمن السنين، وهذا جعل العشائر تتطور في اتجاهات مختلفة. وقداستخدم علماء علم الإنسان مصطلحالأجناس المحليةلوصف الأقسام الفرعيةالمتميزة من الأجناس الجغرافية. وكان بعض تلك الأجناس المحلية يضم ملايين الأفراد،في حين كان بعضها الآخر يضم جماعات قليلة العدد. وقد استخدم بعض علماء علم الإنسانمصطلح الجُنيْسات أوالأجناس الصغرى للأقسام الفرعية من العشائر التي تعيشفي داخل الأجناس المحلية. وقد مثَّل هذا النظام التصنيفيالمفصَّل والموسَّع تغييرا جوهريًا في النظرة إلى الأجناس البشرية.
ومؤخرا ظهرت بدائل للتصنيف الجنسي (العرقي)، حيث أقام العلماء التصنيف الجنسي فيالماضي على أساس مجموعات من الخصائص الجسمانية كان يفترض أنها تمثل الفردالنموذجيمن كل جنس. ولكن كثيرًا من الأفراد الذين كانوا يُصنفون في جنس مالم تظهر فيهم جميع الخصائص التي كانت تُنسب إلى ذلك الجنس. هذا فضلاً عن أن العلماءالذين أقاموا نظم التصنيف لم يتفقوا دائمًا على ماهية الخصائص التي ينبغي عليهمالاعتداد بها ولا على عددها.
ويمكننا أن نتخذ لون البشرةمثالاً لكي نتفهَّم المشكلات المرتبطة بتعريفنا الأجناس باستخدام الخصائصالنموذجية، فالمسؤول عن لون بشرة الجسم صبغة تسمَّىالملانين، فالبشرةالقاتمة تحوي من الملانين مقدارًا يفوق ما تحويه البشرة الفاتحة. وقد استُخدم لونالبشرة خاصيةً تصنيفية أساسية في جميع نظم الأجناس. فعلى سبيل المثال اعتبر لونالبشرة البني الفاتحنموذجيًاللأفراد من الجنس الجغرافي الأوروبي، ولكن لونبشرة بعض أفراد ذلك الجنس أفتح كثيرًا من ذلك اللون النموذجي، كما أن أفرادًا آخرينلون بشرتهم أكثر قتامة. ومما يزيد الأمور اختلاطًا أن بعض ذوي البشرة القاتمة منأفراد الجنس الجغرافي الأوروبي يماثلون في لون بشرتهم بعض ذوي البشرة الفاتحة منأفراد الجنس الجغرافي الإفريقي. ونظرًا لهذه التعقيدات أصبح من العسير للغاية إلحاقبعض الناس بجنس ما اعتمادًا على لون البشرة وحده.
ولم تسفرزيادة عدد الخصائص المستخدمة في تعريف الأجناس إلا عن إضافة مشكلات جديدة. فشكلالشفتين وحجمهما، مثلاً، يتباينان تباينًا واسعًا بين أقوام كانوا يعدون أعضاءً منالجنس نفسه. ثم إن شكل الشفتين أظهر ذلك اللون من التداخل بين ما يفترض أنهم أعضاءأجناس مختلفة، كما حدث في حال لون البشرة.
الأمر الذي ألجأ علماء الأنثروبولوجي(علم الإنسان) إلى بدائل أخرى للنظم التقليدية لتصنيف الأجناس، مثل المدخل المَمَالي(أو الكلايْني) والمدخل العشائري.
وقد أساء كثيرا من الناس فهم فكرة الجنس(العرق) البشري، بل إن المصطلحقد أسيء استخدامه في بعض الأحيان عن عمد. وكثيرًا ما خلط الناس أيضًا بين المفهومالأحيائي للجنس والحضارة أو اللغة القومية أو الدين. فالفروق الجسدية قد أدت ببعضالناس إلى الانتهاء إلى نتيجة خاطئة وهي أن أفراد الجماعات المختلفة يولدون وبهماختلافات في الذكاء والمواهب والقيم الأخلاقية. ولقد اتُّخذ الجنس أساسًا رئيسًاللتمييز في المعاملة، أي معاملة كل جماعة للجماعات الأخرى على أنها ذات مستوى أدنىمنها، فيما يعرف بـ"التفرقة العنصرية"
فكان اليونان يعتقدون أنهم شعبُ مُخْتار، خُلِقوا منعناصر تختلف عن العناصر التي خُلِقت منها الشعوب الأخرى، التي كانوا يُطلقون عليهااسم "الْبَرْبَر" وقد قرَّر أرسطو في كتابه "السياسة" أن الآلهة خَلَقَت فَصِيلتينمن الأنَاسِي، فَصِيلة زوَّدتها بالعقل والإرادة، وهي اليونان، وقد فَطَرَتها علىهذا التكوين الكامل لتكون خَلِيفتها في الأرض، وسَيِّدة على سائر الخَلق، وفَصيلةلم تُزودها إلا بقوة الجسم وما يتصل اتصالاً مباشرًا به، وهم الْبَرابِرة أي ما عدااليونان من بني آدم، وقد فُطِروا على هذا التقويم الناقص ليكونوا عبيدًا مُسَخَّرينللفَصيلة المُختارة المُصطفاة وكانوا يُقِرون الرِّق الذي يقول فيه أرسطو: "إنَّالرَّقيق آلة ذو رُوح، أو متاعٌ تقوم به الحياة"، فهم لا يدخلونه في عِداد المخلوقاتالإنسانية.
وكذلك كان الرومان يعتقدون كما يعتقدُ اليونان أنهم سادةُ العالم،وأن غيرهم بَرابِرة خَدَمٌ لهم، وكانت قوانينهم تُقر الرِّق، وتُعامل الرَّقيق علىأنه متاعٌ، مُدَّعين أن استعباده رحمة به من القتل الذي تتعرض له الحيوانات، وإلىجانب الاسترقاق بالحروب كانوا يَسْتَرقون الفقير إذا عجز عن أداء الدَّيْن، ولم تكنللرقيق حقوق قانونية ولا مدنية، ولا يستطيع أن يُقاضي سَيِّده أو يتظلم من سوءمُعاملته، بل كان لسيِّده الحقُّ في قتله دون مُجازاة، ولم يُخفف من حِدة هذهالمُعاملة الدِّين المسيحي الذي اعتنقه الرومان بعد.
وادَّعى اليهود أنهم شعب اللهالمُختار، وأن الإله الذي يعبدونه لا ينبغي أن يكون معبودًا لغيرهم من الناس الذينكانوا يُطلقون عليهم أُميين، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىنَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤه) ، فكان ردُّ الله عليهم أنهم كغيرهم منخَلْقِه لا يفْضُل أحد على أحد إلا بالعمل فقال تعالى: (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبْكُمْبِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُوَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) (المائدة:18) وكانوا يعتقدون أن غيرهم من الأميينليست لهم حقوق كحقوقهم، كما حكى الله عنهم بقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُبِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَبِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الُأمِّيِّين سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَىاللهِ الْكَذِبََ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75) وكانوا يُبيحوناسترقاق من عَداهم عند العَجْزِ عن الوفاء بالدَّيْن، ومَا يزال شعور التَّعاليوالتعصُّب العنصري موجودًا لديهم حتى الآن، وكانت قِمته هي الصهيونية بمظاهرهاوأساليبها المعروفة التي تتنافى مع الكرامة الإنسانية.
وعلىالرغم من إصدار القرارات ضد التفرقة العُنْصرية في المؤتمرات الدولية المتعاقبة منذمطلع القرن التاسع عشر، كان آخرها اتفاق عُصْبة الأمم سنة 1926م، الذي وقَّعه ثمانٍوثلاثون دولة، وعلى الرغم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الأممالمتحدة في العاشر من ديسمبر سنة 1948م فإن التفرقة العُنصرية مازالت تُمارس في بعضالدول المعاصرة ومن أبرز مظاهرها ما يوجد في أمريكا وجنوب أفريقيا.
ففيالولايات المتحدة الأمريكية الآن حوالي عشرين مليونًا من الملونين، يقطُن أكثرهم في الولايات الجنوبية،وقد قامت حرب أهلية بين الشمال والجنوب من سنة 1860م إلى سنة 1865م بزعامة (لنكولن)صاحب فكرة تحرير العبيد، وقد قُتل بيد عنصري مُتعصب يسمى (بوث) في 14 من أبريل سنة1865م ، وكان الجنوب مُصرًا على الإبقاء على التفرقة العنصرية لضمان استخدام الرقيق فيمزارعه، وكان الشمال يُصرُّ على تحريره ليتمكن من الهجرة إلى الشمال ويعمل فيمصانعه، ومن هنا يعرف أن الهدف من هذه الحرب كان اقتصاديًا استغلاليًا وليس ثورةعلى الكرامة الإنسانية.
وإذا كانت الحرب قد انتهت بتقرير المساواة فإن التفرقةما زالت تُمارس عمليًا ومنصوصًا عليها في قوانين بعض الولايات ففي دستور ولاية(مسيسبي) في الفصل الثامن في التربية والتعليم (مادة 207) : "يراعى في هذا الحقل أنيفصل بين أطفال الزنوج، فتكون لكلِّ فريق مدارسه الخاصة" وفي الفصل الرابع عشر(أحكام عامة) مادة 263: "أن زواج شخص أبيض من شخص زِنْجِي يُعد غير شرعي وباطلاً"، بلجاء في قانون هذه الولاية: "أنَّ الذي يُطالب بالمساواة الاجتماعية والتزاوج بينالبيض والسود، بالطبع أو النشر أو أية وسيلة، يُعتبر عمله جُرمًا يُعَاقِب عليهالقانون".
وهذه التشريعات تُطبق في عدة ولايات أمريكية، كما جاء في تقرير قُدِّمإلى الأمم المتحدة سنة 1947، تحت عنوان (نداء إلى العالم).
على أن الكنيسةنفسها شاركت في إقرار هذا الظلم، فإنَّ للزنوج كنائس خاصة، ولا يصحُّ لهم أن يعبدواربَّهم في كنائس البيض مع أن الذي خلقهم جميعًا واحد وهو الله سبحانه. وقد تأسست في الجنوب جمعية (كلوكلوكس كلان ) لإرهاب المُلونين، وانتشرت فيجميع أنحاء الولايات المُتحدة، وهي قائمة على أنقاض جمعية لإرهاب الكاثوليك ومَنْعهجرتهم.
لوحة(6) التفرقة العنصرية بين البيض والسود داخل الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام المرافق وتوفير الخدمات
وفي جنوب أفريقيا طبقت سياسة الأبارتيد أي التفرقة العنصرية بشكل رسمي بجنوب أفريقيا، حيث لم يكن مسموحًا للسود بالعمل إلا في أعمال محددة ومنعوا من حق الانتخاب وحق الملكية إضافة إلى انعدام المساواة بينهم وبين البيض في تقاضي الأجور إضافة إلي عزلهم في المساكن وأماكن العمل والمدارس. وتم توسيع سياسة التمييز العنصري في البلاد، فحكم الأربعة ملايين من العناصر البيضاء بقية السكان من غير البيض والذين قدر عددهم بحوالي 29 مليون، وسلكت الحكومة البيضاء سياسة عزل الأفارقة السود في مناطق خاصة بهم، وتوفير الخدمات العامة لهم كالتعليموالصحة بمعزل عن البيض. فلسفة الإسلام في رفْضه للتفرقة العُنصرية:
روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم علىقدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهلوالحزن وبين ذلك".
وعلى ذلك فتفاضل الناس إنما يقوم على التقوى وتمايزهم إنما يكون بالعمل الصالح، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات:13)،قال ابن كثير-رحمه الله-"يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها, وهما آدم وحواء, وجعلهم شعوباً وهي أعم من القبائل, وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك...وقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو الناقد, حدثنا كثير بن هشام, حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن أبي هلال عن بكر عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله»".
وتتمثل أهم معالم فلسفة الإسلام في نظرته إلى الإنسان ونبذ التفرقة القائمة على العرق في التالي:
(أ*) قرَّر الإسلام أيضًا أننا مَوْلُودون منأب واحد هو آدم، فنسبنا جميعًا واحدٌ، ونحن إخوة في هذه الأسرة الإنسانية الواسعة،وإذا كان لبعض أفرادها نوع امتياز بلوْن أو شكل أو نشاط فذلك لا يغض من قيمته فيأنه يشكِّل ركنًا أساسيًا في تآلف هذه المجموعة وتضامنها في عمارة الكون وتحقيقالخلافة في الأرض، كما يُعَبِّر بعض الكاتبين عن ذلك بقوله: الإنسانية كلُّها حديقةكبيرة تختلف ألوان أزهارها وما يفوح منها من عِطر دون أن يكون للون أو رائحة انفصالعن الآخر في إبراز بهجة هذه الحديقة، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَاوَبَثَّ مِنَهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِيتَسَاءَلُونَ بِهِ وِالأرْحَامَ" (النساء:1) وقال النبي صلى الله عليهوسلم "إن الله أذهب عنكم عَيْبَة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مُؤمن تقي،وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خُلق من تراب" رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
(ب*) قرَّر الإسلام أن الناس جميعًا مخلوقون لخالق واحد هو الله سبحانه،فمبدؤهم منه خَلْقًا، ونهايتهم إليه بعثًا وحسابًا "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِمَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يس:83) "اللهُ الَّذِيخَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْشُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيءٍ"(الروم:40) ، فهووحده المُحيي والرازق والمُمِيت والمُعيد للنشور، وكلُّنا مدينون له بهذا كلِّهوليس له شريك فيه، سواء أقرَّ بذلك المؤمنون أم جحد المُلحدون، ومن هنا لا يكونلأحد منَّا فضل على الآخر في هذه النواحي الجامعة لمسيرة الحياة من مبدئها إلىمنتهاها وما يجري بينهما.
(ت*) جعل الإسلام الناس مُوزعين إلى مجموعات نِسْبيةعلى الرغم من اتفاقهم في هذه الأصول؛ وذلك ليتميز بعضهم عن بعض، ولتعرَف الحقوقوتُحدَّد الواجبات، ويسهل تنظيم أمر الجماعة، فهذا الإجراء تنظيمي بَحْت لا يمسجوهر المساواة الحقيقية في الأصول المذكورة، وهذا التوزيع نِعمة من نعم الله؛ لأنهمُقْتضى النظام، والنظام تستريح له النفس ويطمئن إليه القلب، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات:13).
(ث*)جعل الإسلام هناك تفاوتًا فيالمُعاملة بين البشر لا على الجِنس أو اللون أو اللسان بل على أساس الكمالاتالنفسية والأخلاق الطيبة والعمل الصالح القائم على الإيمان بالله، فالطبيعة البشريةواحدة، وإن كان هناك اختلافٌ فهو لأمور عارضة كتأثير البيئة ، وعدم إتاحة الفرصةللبعض أن يكمل نفسه، وحارب الإسلام أن يكون هناك تفاوت في المعاملة على غير هذاالأساس، كما تدلُّ عليه آية الحُجرات السابقة، وحديث "من بَطَّأ به عمله لم يُسْرِعبه نَسَبُه" رواه مسلم، وحديث "ليس منَّا من قاتل على عَصبية وليس منا من مات علىعصبية" رواه أبو داود وحديث "الناس معادِن خِيَارُهُم فِي الجاهلية خِيَارهُم فيالإسلام إذا فَقِهوا" رواه البخاري ومسلم.
ويظهر موقف الإسلام جليًا فيمحاربته للتفرقة العُنصرية في تشريعه الحَكيم لإبطال الرِّق يتمثل في ثلاث إجراءاترئيسة وهي:
(أ*)تضييق باب الرِّق الذي كان مُتسعًا جدًا قبل الإسلام، من حَربوخَطْف وشراء وغير ذلك، وحَصْره في مورد واحدٍ هو الأسْر في الحروب المشروعة إذارأى الإمام أن يضرب الرِّق على الأسرى، والأسْر مبدأ معمولٌ به قديمًا وحديثًا، ولهأثره عند التصالح وتبادل الأسرى، ولم يكن الشراء طريقًا؛ لامتلاك الرقيق إلا في عهدمعاوية، كما قال المُحققون.
(ب*)فتح الأبواب الواسعة لتحرير الرقيق، وإيجادمَنافذ كثيرة للانطلاق من الرِّق إلى الحُرية، فحثَّت النصوص على العِتق في كثير منالأحاديث، وجعلته كفارة لكثير من الأخطاء، كالقتل الخطأ والإفطار في رمضان والحِنثفي اليمين والظِّهار وشجَّع على مُكاتبة الرقيق وتيسير دفع ما يلزمه، وأباح التسريبالإماء دون تحديد بعدد، وليس هذا إطلاقًا للمُتعة الجنسية بل للحصول على حريةالإماء إذا حَمَلْنَ من السادة وولدْن، فإنهن يُعْتَقن بعد موتهم، وكذلك ليسري الدمالعربي إلى غيره من الأجناس الأخرى التي كان منها الأسرى.
(ت*) الأمر بالإحسانإلى الرقيق حتى تحين الفرصة لعِتقهم، والوصايا في ذلك كثيرة يكفي منها مُراعاةشعوره، فلا يُقال له: عبدي أو أمَتي، بل يُقال فَتاي وفتاتي،كما رواه مسلم، وإكرامه في مَطْعمه ومَلْبسه، كما في الحديث "هُم إخوانكم وخَوْلكمجعلهم الله تحت أيديكُم، فمن كان أخوه تحت يده فليطْعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس،ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعيونهم" رواه البخاري ومسلم، وعندما سمعالنبي أبا ذر يُعيِّر رجلاً بأمه السوداء قال له: "إنك امرؤ فيك جاهلية" .
وهكذايضرب الإسلام أروعَ الأمثلة في تكريم الإنسان احتراماً لآدميته، وصدق الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ قال: متىاستبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين