كُن راضيا ً عن الله
إن دليل عدم رضا الله عنك هو عدم رضاك عنه ،
سمع الحسن رجلاً يقول : اللهم ارض َ عنى . فقال له الحسن : لو رضيت أنت عن الله فسوف يرضى الله عنك .
فتعجب الرجل وقال : وكيف أرضى عن الله ؟ فقال الحسن : إذا سرُرت بالنقمة سرورك بالنعمة ، فقد رضيت عن الله وسوف يرضى الله عنك .
قال سفيان : قال الحسن : مَن رضى بما قسم الله له وسَعِه ، وبارك الله له فيه ، ومن لم يرض لم يسعه ، ولم يبارك له فيه .
وقال أبو عثمان الحيرى : منذ أربعين سنة ما أقامنى الله فى حالٍ فكرهته ، وما نقلنى إلى غيره فسخطته .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب قوما ً إبتلاهم ، فمن رضى فله الرضا ، ومن سخط فله السُّخط " ( حديث صحيح - رواه الترمذى ( 2396 ) كتاب الزهد ، وابن ماجة ( 4031 ) كتاب الفتن ، من حديث أنس ابن مالك ، وصححه العلامة الألبانى رحمه الله فى السلسلة الصحيحة ( 146 ) ..
هذه هى القضية : أنك إذا كنت راضيا ً دائما ً ، أرضاك الله وبعث إليك ما يرضيك ومَن يُرضيك .
سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه معروف أنه كان متستجاب الدعوة ، وكان قد كُفَّ بصره فى آخر عمره ، قال له ابنه : يا ابت : أراك تدعو للناس ! هلا دعوة لنفسك أن يرد الله عليك بصرك ! قال : يا بنى ، قضاء الله أحب إلىَّ من بصرى .
إخوتاه ، هل أنتم راضون عن الله ؟ هل فعلاً قضاء الله وقدره أحب اليكم مما أنتم فيه من بلاء وفتنة وغُربة ؟ ..
إذا أردتم أن تتأكدوا ، فالرضا عن الله يصح بثلاثة شروط ذكرها الإمام ابن القيم فى ( المدارج ) :
الأول : استواء النعمة والبلية عند العبد ، لأنه يشاهد حسن إختيار الله له .
الثانى : سقوط الخصومة عن الخلق ، إلا فيما كان حقا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فالراضى لا يخاصم ولا يعاتب إلا فيما يتعلق بحق الله ، وهذه كانت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يكن يخاصم أحدا ، ولا يعاتبه إلا فيما يتعلق بحق الله ، كما أنه لا يغضب لنفسه ، فإذا إنتُهكت محارم الله ، لم يقم لغضبه شىء حتى ينتقم الله .
فالمخاصمة لحظ النفس تطفىء نور الرضا وتُذهب بهجته ، وتُبدل بالمرارة حلاوته ، وتُكدر صفوه .
والشرط الثالث : الخلاص من المسألة للخلق والإلحاح ، قال الله تعالى : ( يَحْسَبُهُمُ ُالْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسيِمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافَّا ً ) ( البقرة : 273 ) .
قال ابن عباس : إذا كان عنده غداءً لم يسأل عشاء ، وإذا كان عنده عشاء يسأل غداء ( مدارج السالكين )
ثم يبين - رحمه الله - أن منع الله تعالى لعبده عطاءه ، وابتلاءه إياه عافية ، فيقول : " فإنه سبحانه - لا يقضى لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا ً له ، ساءه ذلك القضاء أو سره ، فقضاؤه لعبد المؤمن عطاء ، وإن كان فى صورة المنع ونعمة وإن كانت فى صورة محنة ، وبلاؤه عافية ، وإن فى صورة بلية ، ولكن لجهل العبد وظُلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذَّ به فى العاجل ، وكان ملائما ً لطبعه ، ولو رُزق من المعرفة حظاً وافراً لعدَّ المنع نعمة ، والبلاء رحمة ، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية ، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى ، وكان فى حال القلة أعظم شكراً من حال الكثرة .
فالراضى : هو الذى يُعدُ نعم الله عليه فيما يكرهه ، أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه ،
كما قال بعض السلف : أرضَ عن الله فى جميع ما يفعله بك ، فإنه ما منعك إلا ليعطيك ، ولا إبتلاك إلا ليعافيك ، ولا أمرضك إلا ليشفيك ، ولا أماتك إلا ليحييك ، فإياك أن تفارق الرضا عن طرفة عين فتسقط من عينه " ( مدارج السالكين )