ما هو تاريخ دراسة اضطرابات طيف التوحد ؟
في عام ( 1943 ) كتب ليو كانر ( Leo Kanner ) ، عن حالات الأطفال الذين اعتبرهم توحديين ( Autistic ) ، والذين لديهم مشكلات عديدة في التواصل ، والتفاعلات الاجتماعية ، فضلاً عن وجود الحركات التكرارية الغريبة ، والرفض القهري للتغيير .
وفي عام ( 1944 ) كتب هانز أسبرجر ( Hans Asperger ) ، عن حالات الأطفال الذين يعتبرهم لديهم اضطراب توحدي ومع ذلك يتمتعون بقدر مناسب من الذكاء العادي ، والمستوى اللغوي العادي ، ولكنهم عادة ما يكونوا منعزلين اجتماعياً ، كما تكون لديهم ميول استحواذية في مجالات ضيقة وذلك بشكل غريب أو خارق للعادة .
كيف يحدد الاختصاصيون اضطرابات طيف التوحد ؟
هناك خمسة اضطرابات متشابهة تتضمن جميعها مشكلات تتعلق بمهارات التواصل ، والتفاعلات الاجتماعية ، وأنماط السلوك التكرارية والنمطية . وهي اضطراب التوحد ، ومتلازمة أسبرجر ، واضطراب الطفولة التفككي ، ومتلازمة ريت ، والاضطراب العام أو المنتشر غير المحدد في مكان آخر .
يتسم اضطراب التوحد بجوانب قصور عديدة في التواصل ، والتفاعل الاجتماعي ، والأداء الوظيفي العقلي ، وغالباً ما يتضمن حركات تكرارية ونمطية فضلاً عن مقاومة التغيير والإدراكات الحسية غير العادية .
بينما يتمتع أولئك الأفراد الذين يعانون من متلازمة أسبرجر بمهارات عقلية ولغوية أعلى وذلك قياساً بأقرانهم الذين يعانون من اضطراب التوحد ، ولكنهم مع ذلك يواجهون مشكلات أخرى عديدة في المجالات الأخرى المميزة لاضطرابات طيف التوحد ( ASD ) ، وخاصة التفاعل الاجتماعي .
ما هو معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد ؟
تختلف معدلات الانتشار لكل اضطراب من اضطرابات طيف التوحد ، ومع ذلك فإن أفضل المعدلات المتوفرة لدينا تؤكد أن معدلات انتشار اضطرابات طيف التوحد إجمالاً هي ( 60 لكل 10000 ) حالة ولادة ، وكانت معدلات انتشار اضطراب التوحد هب ( 8 إلى 30 لكل 10000 ) حالة ولادة ، أما الآن فتبلغ ( 1 لكل 250 ) حالة ولادة . بينما تبلغ معدلات انتشار متلازمة أسبرجر ( 36 إلى 48 لكل 10000 ) حالة ولادة . أما معدلات انتشار متلازمة ريت ( Rett ) فتبلغ ( 1 لكل 10000 أو 15000 ) حالة ولادة .
باستثناء متلازمة ريت ( Rett ) التي لا تحدث إلا للبنات فإن معدلات انتشار اضطرابات طيف التوحد بين الذكور تزيد عنها بالنسبة للإناث حيث عادة ما تبلغ النسبة بينهما ( 3 : 1 أو 4 : 1 ) .
ارتفعت معدلات انتشار اضطراب طيف التوحد بشكل كبير خلال الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية مما دفع البعض إلى الاعتقاد بوجود وباء التوحد ، وإدعاء وجود مادة سامة ( Toxin ) خفية في بيئتنا هي التي تؤدي إلى ذلك ، وأدعى البعض أن مصل الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية ( MMR ) قد تكون السبب في ذلك .
إلا أن الأدلة العلمية القاطعة قد أكدت في هذا الصدد على الحقائق التالية :
إن هذا المصل أو التطعيم الخاص بالحصبة والنكاف والحصبة الألمانية ( MMR ) لا يسبب اضطراب التوحد مطلقاً .
إن زيادة معدلات انتشار اضطراب التوحد إنما ترجع إلى وضوح معايير التشخيص التي يتم استخدامها في سبيل ذلك ، فضلاً عن زيادة الوعي من جانبنا باضطرابات طيف التوحد ، وتوفر عدد كبير وصادق من أساليب التقييم في ذات الوقت .
ما الذي يسبب اضطرابات طيف التوحد ؟
تأثرت النظريات السببية الأولى بالتفكير التحليلي أي الخاص بالتحليل النفسي وأنحت باللائمة على الوالدين وخاصة الأمهات اللائي غالباً ما يعود إليهن السبب في حدوث اضطراب التوحد لكونهن باردات انفعالياً بدرجة كبيرة ، وغير مستجيبات ( Unresponsive ) لأطفالهن .
تؤكد النظريات السببية الراهنة على الأساس العصبي والوراثي لاضطراب التوحد .
تتأثر أجزاء عديدة من المخ بهذا الاضطراب ، ومن أهمها اللحاء المخي ( Cerebral Cortex ) ، والعقد القاعدية ( Basal Ganglia ) ، واللوزة ( Amygdale ) ، وقرن آمون ( Hippocampus ) ، وجذع المخ ( Brain Stem ) ، والمخيخ ( Cerebellum ) .
أسفرت نتائج الدراسات الحديثة عن أن النمو المفرط للمخ في العامين الأولين من الحياة قد يكون عاملاً مساعداً على حدوث اضطرابات طيف التوحد .
تؤكد الأدلة العلمية الراهنة على أنه ليس هناك سبباً عصبياً أو وراثياً وحيداً أو واحداً يعد هو المسؤول عن اضطراب التوحد بل لا بد أن تكون هناك مجموعة من العوامل هي التي تؤدي إليه مجتمعة .
ما هي طرق التقييم المستخدمة للتعرف على وتحديد وتشخيص أولئك الأفراد الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد ؟
ليس هناك اختباراً تشخيصياً معيناً يتم استخدامه على نطاق واسع أو عالمي ويتم بموجبه تشخيص اضطرابات طيف التوحد .
بالنسبة لاضطراب التوحد يستخدم الأطباء محكات تركز بصفة أساسية على مهارات التواصل ، والتفاعلات الاجتماعية ، وأنماط السلوك التكرارية والنمطية .
بالنسبة لمتلازمة أسبرجر يبحث الأطباء عن قدرات التواصل العادية أو القريبة من العادية ، ومع ذلك فهناك مشكلات في التفاعل الاجتماعي مع وجود أنماط السلوك التكرارية والنمطية ولكنها تكون في مدى يقل كثيراً عما يحدث بالنسبة لاضطراب التوحد .
ما هي بعض الخصائص السيكولوجية والسلوكية للأفراد ذوي اضطرابات طيف التوحد ؟
يعاني الأفراد التوحديون من أوجه قصور عديدة تتعلق بالتواصل ، والتفاعل الاجتماعي ، والجانب المعرفي إلى جانب الأنماط السلوكية النمطية والتكرارية ، كما يتسم البعض الآخر منهم بالإدراكات الحسية غير العادية .
يفتقر معظمهم إلى نية التواصل ، أي الرغبة في التواصل الاجتماعي .
لديهم أوجه قصور معرفية تشبه أقرانهم المعاقين فكرياً .
البعض القليل جداً من هؤلاء الأفراد يتمتعون بمهارات أو أجزاء صغيرة من المهارات تعد خرقة للعادة ، وغالباً ما نطلق عليهم العلماء التوحديين ( Autistic Savants ) .
غالباً ما تكون إدراكاتهم الحسية للمثيرات غير عادية فقد يتسمون بفرط الحساسية أو نقص الحساسية للمثيرات المختلفة .
يبدي الأفراد ذوي متلازمة أسبرجر مستوى أكثر اعتدالاً أو أقل حدة من أوجه القصور التي تتعلق بالتفاعل الاجتماعي ، والتواصل ، وأنماط السلوك التكرارية والنمطية وذلك قياساً بأقرانهم الذين يعانون من اضطراب التوحد .
تتمثل مشكلاتهم الرئيسة في التفاعلات الاجتماعية ، وصعوبة فهم المنهج الخفي ( الأوامر والنواهي التي تتضمنها الحياة اليومية ) ، وأخذ الأشياء أو إدراكها حرفياً .
تتمثل المشكلات الرئيسة التي تواجههم بالنسبة للتواصل في الاستخدام الاجتماعي لمهارات التواصل اللفظية وغير اللفظية .
على الرغم من وجود ثلاث نظريات تتناول أوجه القصور المصاحبة لاضطرابات طيف التوحد فإننا لا نجد أي نظرية تقدم تفسيراً مناسباً لكافة أوجه القصور التي تنتاب جميع اضطرابات طيف التوحد . ولكن استخدام مثل هذه النظريات معاً يسهم في رسم صورة مركبة لاضطرابات طيف التوحد .
تتضمن المشكلات التي تتعلق بالوظائف التنفيذية أشياء معينة مثل الذاكرة العاملة ، والتنظيم الذاتي للانفعالات ، والقدرة على التخطيط المستقبلي أو التخطيط للأمام .
تتضمن المشكلات التي تتعلق بالترابط أو التماسك المركزي الانتباه الكبير للتفاصيل أو الأجزاء أثناء المعالجة المعرفية وهو ما يؤدي إلى حدوث قصور في تصورهم أو فهم وإدراك الكل المتماسك ( Coherent Whole ) .
تؤدي المشكلات التي تتعلق بنظرية العقل أو المعرفة إلى قصور في أخذ منظور أو دور شخص آخر ، أو القدرة على ما يفكر فيه الآخرون .
ما هي بعض الاعتبارات التربوية التي ينبغي أن نراعيها عند التعامل مع الأفراد ذوي اضطرابات التوحد ؟
تتمثل أهم المجالات التي تعد في حاجة إلى تعليم بالنسبة لهؤلاء الأفراد في مهارات التواصل للأفراد التوحديين ، والمهارات الاجتماعية لذوي متلازمة أسبرجر .
يجب أن تتضمن تلك البرامج التعليمية التي يتم تقديمها لأولئك الأفراد الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد ما يلي :
1- التعليم المباشر للمهارات .
2- إدارة السلوك باستخدام التقييم الوظيفي للسلوك وتعزيز السلوك الإيجابي .
3- التعليم في مواقع ومواقف طبيعية .
يتطلب الأفراد ذوي متلازمة أسبرجر تعليماً مباشراً وصريحاً للمهارات الاجتماعية ، وهناك إستراتيجيتان عامتان وهامتان لتعليم مثل هذه المهارات هما التفسير الاجتماعي والتدريب .
ما هي أهم الأمور التي توضع في الاعتبار عند اللجوء إلى التدخل المبكر في هذا الصدد ؟
إن برامج التدخل المبكر الأكثر فاعلية تكون مكثفة ، وجيدة التنظيم ، وتتضمن الأسرة .
غالباً ما تستخدم برامج التدخل المبكر للتفاعلات الطبيعية لتعليم الأطفال في بيئات طبيعية ، وذلك فإنها غالباً ما تتم بقدر الإمكان في فصول التعليم العام .
ما هي أهم الأمور التي توضع في الاعتبار عند استخدام البرامج الانتقالية في هذا الصدد ؟
أن يكون التركيز في حالة اضطراب التوحد على التخطيط المتمركز حول الشخص مع اللجوء إلى الترتيبات الحية في وحدات الإقامة الداخلية المجتمعية أو المواقف الحياتية المدعمة أو المحمية ، أو التشغيل التنافسي ، أو التشغيل التنافسي المدعم .
بالنسبة لذوي متلازمة أسبرجر فغالباً ما يكون التركيز على تحسين التفاعلات الاجتماعية في مواقف العمل ومواقف ما بعد التعليم الثانوي .
.....ـــــ.....ـــــ.....ـــــ..... ـــــ.....ـــــ .....ـــــ.....ـــــ.....ـــــ..... .....ـــــ
من كتاب : سيكولوجية الأطفال غير العاديين وتعليمهم : مقدمة في التربية الخاصة