السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان من رؤساء النصارى الذين دخلوا في الإسلام لما تبين أنه الحق الرئيس المطاع في قومه
"عدي بن حاتم الطائي".
ونحن نذكر قصته، رواها الإمام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم.
قال عدي بن حاتم:
"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم، وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما رفعت إليه أخذ بيدي،
وقد كان قال قبل ذلك:
إني لا أرجوا أن يجعل الله يده في يدي،
قال: فقام لي، فلقيته امرأة وصبي معها،
فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها، وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه،
ثم قال:
"ما يفرك أن تقول:
لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله سوى الله"، قال: قلت: لا، ثم تكلم ساعة، ثم قال:
"إنما يفرك أن يقال الله تعالى أكبر، وتعلم أن شيئاً أكبر، من الله"؟!،
قال: قلت: لا،
قال: "فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال"، قال: قلت: فإني حنيف مسلم، قال فرأيت وجهه ينبسط فرحاً،
قال: ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار، جعلت أغشاه آتيه طرفي النهار، قال: فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار، قال: فصلي وقام، فحث عليهم،
ثم قال:
"ولو بصاع، ولو بنصف صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة، يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار، ولو بتمرة، ولو بشق تمرة، فإن أحدكم لاقى الله وقائل له ما أقول لكم، ألم أجعل لك سمعاً وبصراً؟،
فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى فيقول:
أين ما قدمت لنفسك؟!، فينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئاً يقي وجهه حر جهنم، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة، فإني لا أخاف عليكم الفاقة، فإن الله ناصركم ومعطيكم، حتى لتسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما يخاف على مطيتها السَّراقُ".
قال: فجعلت أقول في نفسي:
فأين لصوص طي؟!،
وكان عدي مطاعاً في قومه بحيث يأخذ المرباع من غنائمهم.
وقال حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين، قال: قال أبو عبيدة بن حذيفة:
قال عدي بن حاتم:
بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فكرهته أشد ما كرهت شيئاً قط، فخرجت حتى أتيت أقصى أرض العرب مما يلي الروم، ثم كرهت مكاني أشد مما كرهت مكاني الأول، فقلت لو أتيته فسمعت منه، فأتيت المدينة، فاستشرفني الناس، وقالوا:
جاء عدي بن حاتم الطائي، جاء عدي ابن حاتم الطائي!
فقال:
"يا عدي بن حاتم الطائي، أسلم تسلم"، فقلت: إني على دين.
قال:
"أنا أعلم بدينك منك"
قلت: أنت أعلم بديني مني قال: "نعم" قال: هذا ثلاثا قال:
"ألست لوسياً"،
قلت: بلى، قال:
"ألست ترأس قومك"،
قلت: بلى، قال:
"ألست تأخذ المرباع"،
قلت: بلى، قال:
"فإن ذلك لا يحل لك في دينك"، قال: فوجدت بها على غضاضة.
ثم قال:
"لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى عندنا خصاصة، وترى الناس علينا ألباً واحداً، هل رأيت الحيرة؟"، قلت: لم أرها وقد علمت مكانها، قال:
"فإن الظعينة سترحل من الحيرة، تطوف بالبيت بغير جوار، وليفتحن الله علينا كنوز كسرى بن هرمز"، قلت: كسرى ابن هرمز؟، قال:
"كنوز كسرى ابن هرمز، وليفيض المال حتى يهتم الرجل من يقبل منه صدقته".
قال: فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن، ووالله لتكونن إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ هداية النصارى في أجوبة اليهود و النصارى ] لأبن القيم رحمه الله . ص 66 – 69