نجاح العمل والحفاظ على الأخوَّة
المعادلةالصعبة!!!
تلعب العلاقة بين المدير ومرؤوسيه في أي عمل إداري دورًا مهمًّاوأساسيًّا وخطيرًا في نجاح العمل أو فشله؛ فهي العلاقة التي تحدد مدى إمكانية حدوثالتفاهم بين الطرفين ودرجة الإتقان في تنفيذ التكليفات، أو تنفيذها من الأساس، وهيالعلاقة التي تحدد شعور المرؤوس بانتمائه للمكان من عدمه، وهو الشعور الذي يثير فيالمرؤوس الرغبة في العمل، والحرص عليه، ويدفعه إلى البحث في حل المشاكل وتطويرالأفكار بما يحقق صالح العمل، دون أن يربط ما يبذله بحسابات مادية دقيقة، تحوله إلىآلة تعمل عملاً روتينيًّا بلا روح أو سعادة أو قدرة علىالإبداع.
والعملالدعوي، كأي عمل إداري يهدف إلى النجاح وتحقيق الإنجاز والتطور؛ يعتمد بصورة أساسيةعلى العلاقة بين المدير ومجموعة العمل؛ إلا أن المسألة في العمل الدعوي تأخذ بعدًاآخر، يجعل الأمر أكثر حساسيةً من العمل الإداري (المدني)، إن جاز التعبير، نتيجةًلوجهة نظر كل من المدير ومجموعة العمل لطبيعة هذه العلاقة فيالحالتين.
ففيالعمل الإداري العادي (المدني) يكون الرابط بين الرئيس ومجموعة العمل هي علاقة رئيسومرؤوسين، وأساس هذه العلاقة هي المادة، والتي يحكمها منطق المكسب والخسارة؛ ممايجعل الكثير من المديرين لا يلتفتون الى العلاقات الإنسانية مع مرؤوسيهم، ويجعلالمرؤوسين في حالة تقبل لهذا الوضع، ويأخذ بعض المديرين منهجًا للضغط على مَنيرأسونهم دون رحمة، ربما بغرض التنفيس عن غضبهم في مرؤوسيهم، بما لا يراعي قيمالعدل التي قد يتنازل عنها المرؤوسون، ويدفعهم لتحمل هذا الضغط في سبيل البحث عنلقمة العيش حتى تتاح لهم فرصة أفضل.هذا الأسلوب الآلي في العمل يفصل المرؤوس وجدانيًّا عن المؤسسة التييعمل بها، ويجعله في حالة تمرد مكتوم، من الممكن ألا يخرج حتى بالشكوى، لكنه ينفجرفي لحظة إذا ما واتته الفرصة.
يختلف الأمر تمامًا في العمل الإداري الدعوي؛ لأن العلاقة بينالمدير ومجموعة العمل تقوم أساسًا على مبادئ الفكرة الإسلامية نفسها، وأهمهاالأخوَّة والعدل والشورى والمساواة، وبالتالي إذا مارس المدير إدارته دون أن يراعيهذه الأركان الأساسية لفكرة الدعوة نفسها، تنهار مجموعة العمل، وينهار معها العملالدعوي.
وهنا تنشأالمشكلة..
فالعمل الإداريلا بد أن يعتمد على المحاسبة الدقيقة للتكاليف المتفق عليها، ولا يخلو أي عمل أيًّاكان من وقوع أخطاء، وبالتالي لا بد من وجود عملية نقد مستمرة من المدير لمجموعةالعمل، وهذا النقد إذا لم يتقبل سيسبِّب بعض التوترات النفسية بين المدير وأفرادالعمل، ويصبح هنا مدير العمل مسئولاً عن إحداث التوازن بين الحفاظ؛ على أن تصبحالنفوس هادئةً ومستقرةً دون توترات أو ضغائن، وبين أن يسير العمل بدقة تضمن لهتحقيق أهدافه.
وهنايظهر اختلاف أنماط المديرين في الأعمال الدعوية؛ فمنهم من يتبع مبدأ التضحيةبالمحاسبة الدقيقة، فليجأ إلى مبدأ التهاون في تحقيق الأهداف؛ باعتبار أن مجموعةالعمل تغضب بسرعة، وهو لا يريد إغضابهم حفاظًا على مبدأ الأخوَّة ورغبة في استمرارالعمل.ونمط آخر لايقبل التهاون مطلقًا في تنفيذ أهدافه؛ فيتبع أسلوب الضغط المستمر الذي قد لا تحتملهمجموعة العمل؛ فتتوتر العلاقات، وتجرح الأخوَّة، وتكثر الشكاوى، ويعتذر أفراد العملعن الأعمال أو ينسحبوا من العمل تمامًا، في خطوة درامية مستقبلية، وتكون النتيجةتوقّف العمل الدعوي، وضعف علاقة المحبة والأخوَّة بين أفراد العمل، والتي تعتبرعاملاً أساسيًّا لوجود أعمال دعوية منظمة ومؤثرة.
ونحن لا نريد النمط الأول الذي يسبب التهاون في تحقيقأهداف العمل الدعوي؛ مما يجعلها تتأخر خطواتٍ واسعةً عن دعوات أخرى مضللة تسيربسرعة الصوت في الإعلام والشارع والمدرسة، ولا نريد أيضًا النموذج الثاني الذي لايعتبر المشاعر في قيادة البشر، وتكون عنده ثمن تحقيق الأهداف هو تجاهل العاطفة التيتحفظ كيان مجموعة العمل، وتضمن ترابطها وتماسكها.
إننا نحاول أن نبحث عن نموذج ثالث، يعي ما يريد، ويخططلأهدافه جيدًا، وينجح في إدارة مجموعة العمل بما يحفزهم لتحقيق أهداف العمل،محافظًا في نفس الوقت على مبادئ الفكرة الإسلامية نفسها من أخوَّة وعدل وشورىومساواة، وأرى أن تحقيق هذا النموذج يتطلب مراعاة النقاطالتالية:
على مديرالعمل أن يُشعر المجموعة أنهم شركاء في العمل، وليسوا مجرد منفِّذين لقراراته؛فيحاورهم ويقبل اقتراحاتهم وأفكارهم، ويرعى المفيد من هذه الأفكار بصدق وإخلاص،وإلا فإن العمل سيتحوَّل إلى طريقة رئيس ومرؤوس، وهي طريقة ستضرب العمل الدعوي منأساسة
المشاركة في العمل.
2- أن يقف المدير على قدرات كل فرد في مجموعة العمل ولا يطالب فردبعمل لا يتناسب مع قدراته، سواءٌ كان هذا العمل أقل أو أعلى من القدرة بمسافةكبيرة؛ فالعمل الأدنى يشعر من يقوم به بعدم أهميته، والعمل الأعلى يعرضه للتقصير،وبالتالي حدوث المشكلات عند المحاسبة العمل المناسب للفردالمناسب
ألا يقومالمدير بتكليف أي فرد من مجموعة العمل إلا بعد إيضاحه بصورة تامة لمن يكلّف بالعمل،وأن يتم الاستقرار على صيغة العمل النهائية وطريقة تنفيذه بعد حوار يحترم فيه رأيه؛حتى يضمن اقتناع الفرد بالعمل تمامًا
وضوحالتكليف
4- أن يكونموعد إنهاء التكليف واضحًا، ولا يلوم المكلف بالعمل عن عدم إتمام عمله قبل موعده،ولكن عليه أن يتابعه برفق، بعد أن يوفر له كل إمكانات العمل المطلوب الاتفاق علىموعد تسليم العمل
ألا يقوم المدير بتكليف أفراد المجموعة بعمل أعلى من مستواهم إلا بعد أن يقومبالتدريب عليه؛ سواء عن طريق مباشر أو عن طريق جهة مخصصة للتدريب
المحاسبة
6- عندالمحاسبة على الأعمال تتم المحاسبة بحزم ونقاش موضوعي، دون إهانة أو تجريح أو غضبمتواصل، يُشعِر أفراد العمل أن مديرهم غاضب دومًا، وأنه لا يحبهم ولا تربطهم بهعلاقة إلا علاقة العمل، وأن الغرض من علاقته بهم هو مجرد تحقيق أهداف إدارية فقط،مع الأخذ في الاعتبار أن الحزم لا يتنافى أبدًا مع الرقَّة أو خفَّة الظل أوالتعبير عن العواطف الحزم.
7- أن لا يتسرَّع المدير في إظهار غضبه، وأن يكون سلاحه دائمًا هوالنقاش الموضوعي والحوار وبحث المشكلات وإيجاد الحلول لها الصبروالحوار
8- أن يتوقعالمدير نسبة خطأ دائمة من المكلفين بالعمل لا تقل عن 25% يجعلها خارج حساباته، ثميقوم بإسداء النصح لمن كلف بالعمل بهدف تقليل نسبة الخطأ قدر الإمكان توقع نسبةخطأ
9- أن يوازنالمدير بين مبدأ التحفيز والتشجيع ومبدأ اللوم على الخطأ، وألا يتخذ أحدهما فقطمنهجًا للتعامل
الموازنة بين مبدأ التشجيعواللوم.
10- السؤالعن الأحوال بصدق خارج إطار التكليفات الإدارية يُشعر مجموعة العمل بالأخوَّةوالترابط والحب الحقيقي؛ بما يدفعهم للعمل بحب وحماس، وربما تكون الزيارات الخاصةخارج إطار العمل وسيلةً نافعةً في ذلكأساليب تظهر صدقالأخوَّة
11- ألاينفرد المدير بقرار دون أن يبلغ مجموعة العمل؛ فهذا الأمر يعني تصريحًا غير مباشرأنه أفضل منهم ويفهم عنهم، وهو أمرٌ يجرح مجموعة العمل ويخل بمبدأ الشورىاحترامالآخرين.
12- منالممكن أن يغضب المدير ويظهر غضبه إذا وصل الخطأ إلى حدِّ الإهمال الواضح، أو إذاتكرر الخطأ أكثر من مرتين بعد التنبيه عليه وفي فترات متقاربة، المهم أن يكون الغضبواللوم الشديد هو الاستثناء وليس القاعدة، ويظل الخط الموصول بين المدير ومجموعةالعمل هو الحب والتفاهم والاحترام؛ بحيث تكون مجموعة العمل على يقين منه حتى إذاخرج المدير عند شعوره مرة أو مراتمتى يغضبالمدير؟.
13- عندالخطأ لا بد من الحساب وعدم تبرير الأخطاء لصالح شخص معين، ويجب ألا يستثني المديرنفسه من المحاسبة إذا أخطأالعدل.
14- على المدير أن يعي أن ضغط المسئولية عليه يجعل بعض أفرادالمجموعة يشحن منه من وقت لآخر؛ فعليه أن يقوم بعملية تفريغ لهذه الشحنات بطريقتهحسب شخصية كل فرد، سواء كان ذلك عن طريق زيارة خاصة أو اعتذار علني أمام المجموعة.. المهم أن تظل عملية تفريغ الشحنات هذه مستمرة لا تتوقفتفريغالشحنات
أقترح فقرةولو 10 دقائق كل شهر، يطلب فيها المسئول ملاحظات المجموعة على أسلوبه في العملمعهم؛ حتى يرى نفسه من خلال الآخرين
رؤية النفس، تفريغالشحنات
15- تشجيعمبدأ تقبل النقد، على أن يراعى فيه الأدب والنية الخالصة التدريب على النقدالمهذب.
إن العملالإداري الدعوي يحتاج إلى شخصية تتسم بالموهبة والفهم والإخلاص والقدرة علىالقيادة؛ بما يحفظ كيان المجموعة العاملة، وهي تحتاج من المدير أن يسير دائمًا علىحبل مشدود؛ يضمن تحقيق معادلة صعبة في عالم الدعوة، تحقق الإنجازات وتضمن الحبوالأخوَّة، وبدون ذلك يصبح العمل في حاجة ماسة إلى تصحيح مساره.