المخيخ
الدكتور : عماد عطا البياتي
2010.06.10
بذرة لبحث في معجزة علمية لآية من القران الكريم
آية قرآنية عظيمة لا تنقضي عجائبها ومعجزاتها والمعاني المذهلة التي تشير إليها، بسم الله الرحمن الرحيم: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4). تمنيت أن يرزقني الله الهمة والذكاء والإخلاص اللائقة بمكانة من يبحث في إعجازها العلمي المذهل بجوانبه ووجوهه المتعددة.
وبين ما ورد من تفسير لهذه الآية في (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن لعبد الرحمن السعدي) :
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا، ومع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي منه القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو واللعب، قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمور، وسفاسف الأخلاق، فردهم الله في أسفل سافلين، أي: أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم، إلا من من الله عليه بالإيمان والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة العالية، فلهم بذلك المنازل العالية، و(أجر غير ممنون) أي: غير مقطوع. (انتهى الاقتباس)
وعندما أتفكّر في أية جزئية من جزئيات خلق الأنسان لا يراها عقلي ولا يتفاعل معها قلبي إلا بأنها حقا وصدقا قد خلقت وابدعت في أحسن تقويم ويزيد هذا المعنى وضوحا عندما نبحث في ابتلاء المرض الذي يصيب الإنسان وكيف أن هذا التقويم الحسن بل الأحسن يصيبه الضرر الجزئي وبضدها تتميز الأشياء وتعرف النعم بفقدانها كما يقال.
هذه الآية العظيمة أجد أن علماء وأطباء الدنيا قديما وحديثا وشرقا وغربا يذعنون لها ويتغنون بها ويسبحون بحمد من أنزلها بلسان حالهم ومقالهم وهم يبحثون في تفاصيل خلق جسم الإنسان وصحته ومرضه. نعم هذا هو الإعجاز العلمي الذي أراه بجلاء كبير وأتفاعل معه وأتأثر به من كل قلبي ووجداني وأدعو الناس إليه بجرأة وحماسة منقطعة النظير وقلبي مطمئن بالإيمان لا يعرف الشك والتردد والخجل والخوف من الجدال والمراء المحرج.
نعم كل العلماء والاطباء وعلى مر العصور ومن مختلف المشارب والمناطق والدول يذعنون ويؤمنون صاغرين بعظمة هذا الخلق خلق الإنسان وتناسقه وجماله وعلوه ورفعته وإعجازه، ولا نتوقع منطقا وعقلا وبديهة أن يأتي يوم يقول فيه لنا عاقل بأن هذا الخلق فيه خلل وقصور ونقص حاشا لله الخالق العظيم، فمهما بلغ الإنسان من علم وتقدم في المعرفة وأسبابها فسوف لن يصل إلا إلى نتيجة بديهية واضحة مفادها بأن هذا الإنسان قد خلق في أحسن تقويم، وهذا هو الإعجاز العلمي الباهر في هذه الاية كما أفهمه والله أعلم.
هذه المعاني هي الإطار التفكري الذي شاهدت من خلاله المرضى المبتلين بالجلطة الدماغية في جزء من الدماغ والذي يسمى المخيخ.
فالمخيخ وكما جاء من ايجاز وصفه في الموقع العلمي الرسمي لمستشفى ساهلكرينسكا الجامعي في مدينة جوتنبيرغ في السويد (Nervsystemet, cns.sahlgrenska.gu.se): هو جزء من الدماغ حجمه بحجم الليمونة ويزن حوالي 150 غرام ويقع خلف جذع الدماغ في أسفل المخ داخل الجهة الخلفية السفلى من القحف، ويحتوي على عدد كبير من الخلايا العصبية تتراوح بين 50-100 مليار خلية بحسب العديد من المصادر العلمية. الوظيفة الرئيسية للمخيخ هي السيطرة على حركات الجسم والحفاظ على توازنه والمقدرة على أداء الحركات الجسمية المختلفة بدقة وتناسق وتوازن وبتنظيم زمني ومكاني دقيق أي هو المركز العصبي الخاص بتنظيم الحركات أي بالمعنى العام هو المسيطر على تنظيم الحركة والوقوف والتوازن. (انتهى)
ومن أراد الاستزادة من تفاصيل خلق المخيخ المدهشة فعليه بكتب فسلجة الدماغ والفسلجة العصبية أو المراجع في الفسلجة الطبية العامة ككتاب المرجع في الفسلجة الطبية لغايتون وهول فسيجد فيها ما يدهش عقله ويأسر وجدانه من إبداع وعظمة وإعجاز بالرغم من اعتراف العلماء المؤلفين للمرجع وغيرهم من إخوانهم العلماء بأن ما نجهله أكثر بكثير مما نعلمه عن هذا الجزء المذهل من الدماغ وغيره من تفاصيل خلق جسم الانسان الذي خلق حقا وصدقا ويقينا في أحسن تقويم.
ولقد شاهدت بعيني مرضى كثيرين مصابين بجلطة المخيخ وهم راقدين في السرير متعبين ومنهكين وعندما أطلب منهم الجلوس على حافة السرير تبدأ عندهم أعراض الدوران والغثيان وعند محاولتهم الوقوف ثم المشي أراهم وهم فاقدين للتوازن ويتأرجحون يمنة ويسرة وإلى الأمام والخلف ويهمون بالسقوط إلى الأرض مفتقرين إلى يد العون من قبلي أو من قبل الكادر التمريضي والمعالجين الطبيعيين لإسنادهم ومنعهم من التأرجح والسقوط، وعندما أجري الفحوص الطبية الخاصة بالتوازن كفحص حركة أصبع السبابة على الأنف أو إداء الحركات الدقيقة لأصابع اليدين وفحص ديادوكينيسيا (فحص خاص بحركة اليدين باتجاهات معينة) وغيرها من فحوصات التوازن والحركات الدقيقة يتضح الخلل والمرض والقصور في القابلية على أداء هذه الحركات بسبب مرض المخيخ المسؤول عن التوازن وضبط هذه الحركات.
سبحان الخالق الحكيم العظيم الرحيم خالق الانسان في أحسن تقويم.
يمشي الإنسان الأبله الغافل على رجليه برشاقة وسلاسة وتوازن وهو مفتخر بذلك وبغرور نافشا ريشه كالطاووس – مع احترامي وتقديري لهذا الحيوان الجميل الطائع المسبح لخالقه الذي ينفش ريشه حسب اعتقادي ليرينا آية الجمال في خلقه البديع الرائع وليس غرورا كما يعتقد – ويغفل أو يتغافل بغباء شديد عن خالقه العظيم المنعم.
ويجهل أو ينسى أنه مفتقر لخالقه في كل وقت وحين وأنه لولا روعة الخلق وبديع الصنع وإعجازه المتمثل في خلق المخيخ وباقي أنسجة وأعضاء وخلايا جسم الإنسان المذهلة البديعة لما تمكن من هذه المشية المتوازنة، ولو نظر بتبصر وذكاء إلى مخيخه وأنصت بانتباه إلى منطق خلاياه لسمع هذا الغافل الأبله المسكين كيف أن خلايا المخيخ مع أخواتها خلايا الجسم وهي تسبح للخالق القدير الحكيم العليم جل جلاله، وتتلوا بعبودية خالصة وخشوع عبقري آيات القران الكريم بتدبر وافتقار وتواضع وانكسار..
بسم الله الرحمن الرحيم: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).