السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديث: إن الله - تعالى - يغار، وغَيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه
شرح سبعون حديثًا (18)
18- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - يغار، وغَيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه))؛ متفق عليه.
♦ الغَيرة بفتح الغين وأصلها الأَنفَة.
شرح الحديث:
اختلفت أحوال الناس وصاروا يتهاونون في بعض الأمور العظيمة في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - مثل صلاة الجماعة؛ فقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - لا يتخلف أحد عنها إلا منافق أو مريض معذور، ولكن الناس تهاوَنوا بها ولم يكونوا على ما كان عليه الصحابة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إن الناس في عهدنا - إلا من رحم ربي - صاروا يتهاونون بالصلاة نفسها لا بصلاة الجماعة فقط، فلا يصلون أو يصلون ويتركون، أو يؤخرون الصلاة عن وقتها.
كل هذه أعمال يسيرة عند بعض الناس، لكنها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كانت تُعَد من المُوبقات.
كذلك الغش؛ انظر إلى الناس اليوم تجد أن الغش عندهم أهون من كثير من الأشياء، بل إن بعضهم - والعياذ بالله - يعد الغش من المهارة في البيع والشراء والعقود، ويرى أن هذا من باب الذكاء؛ نسأل الله العافية.
مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرَّأ من الإنسان الذي يغش الناس، وكلما ضعف الإيمان، خفت المعصية في قلب الإنسان، ورآها أمرًا هينًا، يتهاون ويتكاسل عن الواجب، ولا يبالي؛ لأنه ضعيف الإيمان.
والغَيرة صفة حقيقية ثابتة لله - عز وجل - ولكنها ليست كغَيرتنا، والله - سبحانه - بحكمته، أوجَب على العباد أشياءَ، وحرَّم عليهم أشياء، وأحل لهم أشياءَ، فما أوجبه عليهم، فهو خير لهم في دينهم ودنياهم، وفي حاضرهم ومستقبلهم، وما حرَّمه عليهم، فإنه شر لهم في دينهم ودنياهم، وحاضرهم ومستقبلهم، فإذا حرم الله على عباده أشياءَ، فإنه - عز وجل - يغار أن يأتي الإنسان ما حرَّم الله عليه.
وكيف يأتي الإنسان محارم ربه، والله إنما حرمها من أجل مصلحة العبد، أما الله فلا يضره أن يعصي الإنسان ربه، لكن يغار كيف يعلم الإنسان أن الله - سبحانه - حكيم ورحيم، ولا يحرم على عباده شيئًا بُخلاً منه عليهم به، ولكن من أجل مصلحتهم، ثم يأتي العبد فيتقدَّم، فيعصي الله - عز وجل؟! ولا سيما في الزنا؛ لأن الزنا فاحشة، وحرم الله على عباده الزنا، وجميع وسائل الزنا، فإذا زنا العبد - والعياذ بالله - فإن الله يغار غَيرة أشد وأعظم من غيرته على ما دونه من المحارم، ومن باب أولى وأشد اللواط، نسأل الله العافية.
وفي هذا الحديث إثبات صفة الغيرة لله تعالى، وسبيل أهل السنة والجماعة فيه وفي غيره من أحاديث الصفات وآيات الصفات، أنهم يثبتونها لله - سبحانه - على الوجه اللائق به، يقولون: "إن الله يغار، لكن ليست كغيرة المخلوق، وإن الله يفرح، ولكن ليس كفرح المخلوق، وإن الله له من الصفات الكاملة ما يليق به، ولا تُشبهه صفات المخلوقين، والله الموفق"؛ [الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله؛ بتصرف].