عندما يأتي المساء

[نور]

عندما يأتي المساء
،
،

أدركُ لروحي حقيقة أخرى
وهي تقتاتُ من اللحظة فلا تفتش عن تلك الثواني
التي أنصهرت تحت الشمس
وتبخرت دون أن تترك خلفها أثر
وأدرك أنّني بحاجة لنسمةٍ باردة
تراود الوقت عن دفء الذاكرة
لـ تستقلّها جوارحي كـ جواز ذكرى طفولية الملامح
لايُغريها سوى الفرح
كما يُغري النوم أجفان الطيف الجميل
ليستوفي شروط الفجر
ولكنّي
أقيم فيه
بـ نبضات تتناوب القنوت في محراب السكينة
فـ تعبرني رؤيا لاتستفيق على صباح
ولا تغادر
،
المساء

،
،

عندما ينصبُ خيامَهُ فوق الشتات
أستودع تلك اللحظات العابرة في سلّة الذكريات
وأشطر حقيقة الوجع في داخلي نصفين دون أن أفتح
نافذتي
فـ النسيان عند المساء ، يغدر بكل أوراقي
ويسلبني أصابعي
ليستبيحني هذياناً
لاتطلع عليه
شمس
ولا تدركُهُ عيون
النهار

[نور]

أشُم عطركِ
وكأنّ زجاجتي الفارغة تمتلىء بكِ من جديد
فـ يَنْتابُني الحنين
بل يراود حروفي هنا وهناك لـ تنطق باسمُكِ
لولا عادة فيكِ تمحو آثار غزوي
تُجبرني على النكوص
والهروب الى أبعد من خيالاتُك
فـ عندما يأتي المساء
أنأى بنفسي خارج حدودك
ليبقى البحر ،، واللّيل ،، وأنتِ
ثلاثية من سحر لا يفقهها عقلي
لكنّها تُغرقني وتطمس ملامحي
هكذا استشعرتُ فيكِ قدري
ياسيدتي
أنكِ امرأة لايهوى عقلها اليقين
يعلو فيه صوت الـ نَم المشروخ
ولايدرك الصدق في نبضي
فكم أرهقنا اللّيل بالأحاديث عَنهم
وكم فاتكِ من عيْنَيّ
لمعان الشوق ،، لو تعلمين
،
،
وعندما يأتي المساء
سأكون قد مضيتُ في سكونه
بلا تمتمات تخرق عادة الهدوء التي اقتبستها الآن
من جوفه
ولكن قلبي ليس بأبوابٍ سبعة
وليس له مخارج سوى للحنين
فـ بابه وحيد
ومذ دخلتِهِ أقفلَ خلفكِ الظنون
ولا يحتمل غيرك
ولايريد
وسواء كُنّا أم لم نكُن
يبقى ليلُكِ حانتي
وبحركِ أغنيتي
وأنتِ
حبيبتي
،
،
وحدكِ
ج
ي
ه
ا
ن
حبيبتي

[نور]

أتسائلُ
عنِ الأفق
،
وحدود بصري فيكِ
وهذا المساء
يُغدِق عليّ بسكينة أخبىء خلفها ثورتي
لاشيء فيه يخبرني أن أتوقف
لاشيء يحجبُ قلبي عن طيفك
وكل الهواجس تُغريني بالتورط أكثر
وكأنّ عَيْنيكِ تجذبني فلا تعاني في امتلاكي
لـ تُحلّقي كالقمر
نذرَتْهُ السماء لأشواقي
وأرختْ لَهُ أستار المساء
ليدنو أكثر وأكثر
وروحي تجر أذيال جسدي نحوك
تعمّدني بماء عِشقُك
تغرز حُبّكِ في مَساماتي
تتسلّل إليّ
حتى آخر قطراتِ الجنون
فلا أشعر سوى بـ أنفاسك
ونشوة ارتحالي
فـ أفقه منكِ معنى العطور
ياسمين أو زيزفون
يختلط بيقيني
فـ أقسم أنّني وأنتِ كُنّا ذات مساء
وأرضي البور قد استمطرت غيمات وصلُك
وتلك ريشتي لم تزل تحمل ألوان طيفُك
لوحة ترتبكُ فيها الظنون
لكنها أنيقة كـ أنتِ
حين يزفُكِ البحر كـ أحلى أمواجه
وكُلّي يصرخ فيكِ
،
،
أغرقيني

[نور]

عندما أتى المساء
كان كل شيء قد انتهى
وصفحة أخيرة قد تم طيّها ، في زاوية من زوايا النسيان
وتذكرت أحدهم ذات حوار حين وصفني بأنّني رجل يجيد
التناسي ولا تؤرقهُ الذكريات
وقد يتعايش بعضهم مع الألم لكني أوجعهُ حتى يطلب الفراق
أو يسكن بلا وخز يؤجج الحنين
قد أكون كذلك !
وها أنا أجعلني حاضراً لا يقص التاريخ
أنقش ما دار في خلدي واحتملتهُ ذاتي
فأكتب نبضيَ الآن
لكي أكون أنا
وليس ماكان
،
فلا تسألني عن سر ذاكرتي كيف تحفظ مامضى
وفات
واسألني عن سر التناسي
لكي تعرف أن إرادتي فيك العدم
فلا عين رأت ،، ولا خطرتَ على قلب
وذاك القيد الذي انكسر
ليس له في معصمي بقايا
واقرأ إن شئتَ توقيعي
( لستُ أدري إن كانت خطوتي لازالت تترك من أثر
لأتعقبني مرة أخرى
أم لازالت رياح النسيان
لاتُبقي خلفنا ذكرى مرور
ولاتذر )
لتعرف أن مسيرة الثلج دليلها غرز القدم
لكنها حفر لاتصلح للتعقب
فسرعان ما تكون الى زوال
كـ تلك الأحلام التي لاتطلع عليها الشمس
ولا يبكيها
،
،
القمر

[نور]

دائماً أستعجِلُ حضور المساء
ليس لـ يغلّفني أو لألتحف ظلامَه
ولا الشمس أرهقت بصري
ولا الوجوه تستفزني
لكنني أرى اللّيل يُعيدني الى ذاتي
فلا يشاغل عقلي سوى ما أردتُ مشاغلته
دون أن تفرض عليّ الأصوات لحظة التأمّل
وتوجهني حيث لا أطيق ولا أرغب
أرقب تلك المدن من بعيد
فـ
البعد ،، و ،، المساء
يجرد النظر من دقائق التشوه
وتسَع العيون جمال الكون
بـ
الأضواء
،
،






منذ أوّل شهقةٍ أتذكرها
كانت بيني وبين السماء
في دهشةٍ
طالتني ذات مساء
لوحة بديعة التركيب كأنها سبورة صفّي
قبل أن تلطخها تلك الحروف البدائية البريئة
ونجوم زرقاء
تملأ جميع الأماكن
كان البُلهاء يعدّونها ليستجلبوا النوم
وكنتُ أرقبها كل ليلة
لـ تُعطيني مفاتح
الولوج
في عالمٍ من
النقاء
،
،


عندما يأتي المساء
أعرفني جيداً ، وأجدني أكثر
فلا أضطر لأكون أنتَ أو أنتِ
ودون أنْ يستنزف روحي أحدهم ثم يقفل راجعاً الى مثواه
يشعر بلذة الانتصار وبهجة القضاء على الوقت
وملىء النفس الظامئة للمديح
،
،
عندما يأتي المساء
يسود العالم من حولي الصمت
فـ يسري حديث الروح بهدوء
وتتكاثف العطور في أنفاسي
فكأنّها تأخذني في رحلة إلى أماكن لم ترتادها من قبل عيوني
ولاحطت فوق ترابها أقدامي
لتُشعرني أنّني حرّ بلا حدود
ولا قيود
أسافر حيث اللاشعور
بلا حقائب
بلا جسد ولا أشياء
فقط
عندما يأتي المساء
،
،
.

[نور]

علميني الصبر
دون أن تقتليني
وأخبري عينيكِ إنّي لا أتغزّلْ
لكنّي موجوع بالشوق
فلا التأنّي يشفيني ولا قولكِ ،، تمهّلْ
علميني الصبر كي أغفو وأحتضن الحلم بين الجفون
فلا تدمع عيوني
تبلّلُ وجنتيه و ،، يجفلْ
علّميني أن أمكث هناك بين تجاويف عقلي
أحاور المنطق ، وأتجاهل قلبي الذي يثير عواصف
جنوني
وييفضح لون ،، الخجل
علّميني أيتها الناصحة أن يقتلني الحنين وأمضغ شفاه الوقت
في موسم الجفاف
وكفني جسد الشوق بحيرتي وادفنيه على
عجلْ
علّميني أيتها الناضجة
كيف أمنع حروفي من الرقص حين تُقبلين
وأن أختطف من ملامحكِ نظرتي
دون أن يعتري عقلي الشرود
فيسخر الطريق من عثرات
خطوتي
جاهلٌ أنا ياسيدة الجمال
وأدّعي في الحب
برائتي
فـ علّميني أنْ لا أغار
واحتضني ساعة الخوف
رعشتي
ياملاكي ورواء ظمأ الأمنيات
أمطريني وعلّميني أن
لا أرتوي
،
،
كل شيء فيكِ يدعوني للغرق
فدعيني لـ جهلي إن شئتِ
واقطعي ذراع العوم منّي
وأغرقيني
فـ مواسمي خلّتْ فصول جفاف
وموسم عينيكِ الشتاء
فقط
تَلَمّسي روحي بين أهدابُك
بدمعةٍ تسكبني
عندما
يأتي
،
المساء

[نور]

لم أكن في يومٍ من أيام جنوني بك

أفتش عن عقلي
لأعلّل شوقي إليكِ
ولا استعاذ قلبي من حاجة تقيمكِ فيه
ولا عيني
إلاّ من رمشة تخذل الحدقات عن مسار طيفك
وأهدهدُ جوارحي
لتغفو فلا يستفزها صوتٌ غير ياء
تدفع باسمكِ الى عنان السماء
غيمة من أماني
لعلها تمطرني بك وتبلّل رداء
الحلم بقطرات من حقيقة وجودك مابين ضلعين مني
وأخشى عليكِ من أنفاسي
أن تضايق انتماؤكِ لي
أو
توقظ رمشيك على صبحٍ لا يحترم أمنيتي
ولا يقترب من نبضي بتحية الطيور
أيا سندريلا حكايتي
وليلى جنوني
والروح
أقيمي فلن أودع عينيكِ ولو اجتاحتنا رياح القنوط
أو ساور الحنين شك المسافات
قد يبعثرني اليأس
وقد تتلف الريح أثار حروفي
لكن الشوق يلملمني ويهديني نبأ ابتسامتك
موناليزا بغمازاتٍ أبصم لها بألف إبهام حب
ورسم اعتذار من دافنشي
ومني
بذاكرة عقل تمتلىء بك
وبصمة قلب جميل

[نور]

فهل اتكأت وساوس ذاك النحيل على جدران ثقتي
لتعلمي أي قلبٍ تسكنين وأي ضروب للعشق بين دفّتي
هل حدّثتُكِ عن أزهار الشوق كيف نمَت في ملامحي
وكيف أسقيها الصبر من عيني فتضرم الجفاف فوق شفتي
أين أناملكِ لتهذب شروخ الحرف
وترسم علامات اللقاء ، فـ أقر لها بالوفاء وأعرف منها طريقكِ
ويقين وجهتي
دعيني أهمس في أذن الحنين أيتها النابغة في عزف الحروف
أنني وإن كنتُ في سِفر القلم أتلو هنا وهناك شعائري
لكن قلبي كل يوم وحروف الضاد تعلنُكِ
حبيبتي
،
وحدكِ أيتها الناسكة في محراب الوساوس
حبيبتي

[نور]

بلا صور
،
،
ولا علامات أبتدىء فيها الحكاية أو أنهي صفحة الوفاء
ولكن بـ كلمة تكفيني أنا وحدي
وتضع مابيني وبين الظنون ألف جدار من يقين
أنّني كـ ذاك الخط الذي استقام في الضمير
ولم أخلق من ضلعٍ أعوج
ها أنا أخطه واضحاً
أستفز به العيون والعقول والقلوب
وأفتح صفحة ناصعة تنتظر تهمة تلطخ بياضها
فهل من قلم يستدرك بمرض الوهم
ويقحم وفائي في وحل هزيمته
أو
يدعوني لأكون شقي الدليل
،
ما شأني وكل ذاك النصب
سؤال أردده على مسامعي وأتلوه كلما انتهيت الى شتائم الغضب
هل أنتظر من الوهم حقيقة
وكيف يشهد سقيم العقل بصحة جسد حرفي وقسمي
ولولا خلُقي الذي يسخرون
لكان ردي فوق مايظنون
ولولا وفائي لكان بيني وبينهم حجة دهماء تستنزف دموعهم
فـ اشتم ماشاء لك الخُلُق
وارفع رداء الستر الذي ألبستُك
ولكن إيّاكَ أن تمس قسَم نبضي لـ نبضك
فـ إنّ لي خلقاً ترفّع عن رمشة المجون لغير رمشك
كما ترفّع عن خوض الحضيض في حرفك
،
ليت حليمٌ فيك يقاضيني
فـ أفحم شكواك بألف أسف
وأسف
وزد عليه من قلمي
مداد غضب
لا يجف

[نور]

قالت
عندما يأتي المساء
اكتب عن جنوني وكيف ضاق به الهوى
وعن جفني كيف صار لطيفك مزارُ
واحكي لهم
أنّني من طيف العابرين وحروف اللّيل
ياخليل الفؤاد
أغارُ
،
،
وآآآآآهٍ يا امرأة من سنا خدها
يغادرني اللّيل
يلملِمُ أطرافهُ ، يجر أذيال خيبة المساء
وأقطع الحكاية
وأستغرق في حكاية شفتيكِ
فـ كأنّي لستُ أنا وكأنّي لستُ هنا أو هناك
يسبقني الحنين كأمواج بحر يحمل عمري ساعات انتظار
لعينيكِ
وآثار غيرتي تُخيرني بين اصطبار الشوق
وبين اعتذار حماقتي
عندما يأتِ المساء فلا أكون قد عانيتُ الحديث عني
وعنكِ
يا أنتِ ، يا أنا ، ياكل هذا الحزن والفرح
يا ألوان طيفي ومواسم العيد واغترابي
أغار
وها أنتِ تُشعلين غيرتي
فـ اطفئي بحرفين منكِ أو برمز الحب نارها
وأججي في أروقة المساء نيران حرفي
لأحتفي وأتلمسني كائناً من عشق
فقط عندما تأتين
ويذهب المساء
،