"أبو قلابة الجرمي"
اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر بن نايل بن مالك أبو قِلابة الجرمي البصري، وجرم: بطن من الحافي بن قضاعة.
مولده:
غير معروف بالتحديد مولده ولعله سنة خمسين أو قبلها بقليل.
شيوخه:
روى عن ثابت بن الضحاك وأنس بن مالك، ومالك بن الحويرث، وسمرة بن جندب، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وغيرهم من الصحابة، وخلق من التابعين، وكان يدلس.
تلاميذه والرواة عنه:
روى عنه ثابت البناني وقتادة وأيوب السختياني وخالد الحذاء وعاصم الأحول وحسان بن عطية وخلق سواهم.
ثناء العلماء عليه:
قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.
قال مالك: مات ابن المسيب والقاسم ولم يتركوا كتبًا ومات أبو قلابة فبلغني أنه ترك حمل بغل كتبًا.
قال ابن سيرين: أبو قلابة إن شاء الله ثقة، رجل صالح.
قال أيوب: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب، إني وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم منه فرارًا وأشدهم منه فرقًا، وما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة لا أدري ما محمد، يعني ابن سيرين.
قال له عمر بن عبد العزيز لما حدثه بحديث العرنيين: لن تزالوا بخير ما دام هذا فيكم أو مثل هذا.
قال العجلي: بصري تابعي ثقة.
قال أبو نعيم: ومنهم اللبيب الناصح، والخطيب الفاصح كَثُرَ إشفاقه فكثر إنفاقه، أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي.
قال الذهبي: الإمام شيخ الإسلام.
قال ابن حجر: ثقة فاضل كثير الإرسال.
ونلتقي بالمرة القادمة إن شاء الله تعالى مع أقواله وأحواله...
"من أحواله وأقواله"
قال لأيوب: يا أيوب إذا أحدث الله تعالى لك علمًا فأحدِث له عبادة.
قال: ما من أحد يريد خيرًا أو شرًا إلا وجد في قلبه آمرًا وزاجرًا، آمرًا يأمر بالخير، وزاجرًا ينهى عن الشر.
قال: مثل العلماء كمثل النجوم التي يهتدى بها والأعلام التي يقتدى بها، فإذا تغيبت تحيروا وإذا تركوها ضلوا.
قال: العلماء ثلاثة؛ فعالم عاش بعلمه وعاش الناس بعلمه، وعالم عاش بعلمه ولم يعش الناس بعلمه، وعالم لم يعش بعلمه ولم يعش الناس بعلمه.
قال: مثل الناس والإمام كمثل الفسطاط لا يقوم الفسطاط إلا بعمود ولا يقوم العمود إلا بالأوتاد وكلما نزع وتد ازداد العمود وهنًا.
قال: إذا كان الإنسان أعلم بنفسه من الناس فذاك قمن أن ينجو، وإذا كان الناس أعلم به من نفسه فذاك قمن أن يهلك.
قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرًا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرًا لا أعلمه.
قال غيلان بن جرير: استأذنت على أبي قلابة، فقال: ادخل إن لم تكن حروريًا، يعني من الخوارج.
قال أيوب: رآني أبو قلابة وأنا أشتري تمرًا رديئًا، فقال: قد كنت أظن أن الله تعالى قد نفعك بمجالسنا، أما علمت أن الله تعالى قد نزع من كل رديء بركته.
قال أبو قلابة رحمه الله: ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجلُ الرجلَ القاص سنة فلا يتعلق منه بشيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء.
قال رحمه الله: مثل أهل الأهواء مثل المنافقين، فإن الله ذكر المنافقين بقول مختلف وعمل مختلف وجماع ذلك الضلال، وإن أهل الأهواء اختلفوا في الأهواء واجتمعوا على السيف.
قال أيوب: لما مات عبد الرحمن بن أذينة- يعني قاضي البصرة زمن شريح- ذكر أبو قلابة للقضاء فهرب حتى أتى اليمامة، قال: فلقيته بعد ذلك فقلت له في ذلك، فقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر فما عسى أن يسبح حتى يغرق.
قال خالد الحذاء: كان أبو قلابة إذا حدثنا بثلاثة أحاديث قال: قد أكثر. قلت: أي أنه كان مقلاً من الرواية.
قال رحمه الله: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا وهات كتاب الله فاعلم أنه ضال.
قال الذهبي معلقًا على هذا: قلت: أنا. وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات "العقل" فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل وهات الذوق والوجد فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر، أو قد حَلَّ فيه، فإن جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه.
روي أن أبا قلابة عطش وهو صائم فأكرمه الله لمّا دعا بأن أظلته سحابة وأمطرت على جسده فذهب عطشه.
قال أبو قلابة في صلاته: اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب عليَّ وإذا أردت لعبادك فتنة أن توفاني غير مفتون.
قال أيوب: كنت مع أبي قلابة في جنازة فسمعنا صوت قاص ارتفع صوته وصوت أصحابه، فقال أبو قلابة: إن كانوا ليعظمون الموت بالسكينة.
قال الذهبي: وقد أخبرني عبد المؤمن شيخنا أن أبا قلابة ممن ابتلي في بدنه ودينه، أريد على القضاء فهرب إلى الشام، وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكر.
وفاته:
توفي رحمه الله سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع ومائة.