تقوي الله .. حتي في العلاقات الجنسية بين الزوجين
سبحانك اللهم وبحمدك ، سبحان الله العظيم الذي لم يترك مجالا للمؤمن لخرق تقواه عز وجل حتي في العلاقات الجنسية بين الزوجين ، فقد لاحظ الاسلام ـ منذ البداية ـ الفوارق بين الرجل والمرأة في الإثارة والاستجابة الجنسية، فسمح للرجل ان يتناول الجنس بشكل شبه مفتوح، وحث المرأة (الزوجة) على التجاوب معه كما رأينا في الأحاديث التي تلوتها، ان تستجيب له ولو كانت على ظهر قتب وما ذلك إلا لما يمكن لهذه الحالة ان تؤثر في مستقبل العلاقة بينهما، لكنه لفت نظر الزوج الى ضرورة مراعاة الحالات الخاصة التي تمر بها الزوجة.
يقول تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لانفسكم واتقوا الله وأعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين).
والتزام التقوى هنا يعني:
1- ان يتجنب الزوج الاتصال الجنسي في فترة جلوس المرأة عن الصلاة، حيث تكون في فترة جسدية ونفسية خاصة.
2- ان يراعى رغم حقه المفتوح في التناول الجنسي، القدرة الاستيعابية لزوجته، ويلاحظ الحالة الصحية من الناحية النفسية والجسدية، فقد لا تكون في حالة استعداد دائم مثله لاختلافهما من الناحية النفسية والجسدية، والتنبه الجنسي.
3- حين لا يجد التجاوب المتوقع، ان لا ينفعل ويخرج عن حدود التقوى فيتعدى عليها، بل هو مأمور بالرفق بها على أي حال، ولربما يجر انفعال الرجل في مثل هذه الحالة للتعدي بالضرب أو التفكير في التخلص السريع من الزوجة حين تمر بفترة إرهاق مؤقت يؤثر على تجاوبها الجنسي، كما يرى عند بعض النساء في أول فترات الحمل.
ان من التقوى مراعاة حدود الله سبحانه وتعالى في العلاقات الزوجية، فالبعض من الناس يعتقد ان الحياة الزوجية سائبة من دون حدود، يحق له فيها ان يصول ويجول حسب رغباته واهوائه، بينما هذه الحياة وان كانت توفر للإنسان المؤمن نصف ما يحتاجه من أسباب تعميق التقوى بالذات، فإنها في ذات اللحظة تمثل محكات يومية لحالة التقوى عند المؤمنين. ومن الممكن للذين لا يراعون حدود الله فيها ان لا يخسروا النصف الذي أحرزوه من التقوى فقط بل يدمرون أي أمل لمستقبل مشرق لهم في الآخرة.
وعلي كافة الأصعدة، يذكرنا القرآن الكريم بضرورة التقوى في العلافات الزوجية في افتتاح سورة النساء، حين يقول تعالى :
( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام ان الله كان عليكم
رقيبا)[سورة النساء: الآية 1].
وتشعر الفقرة الأخيرة في الآية المباركة، ان الحياة الزوجية تحت الرقابة الدائمة، وان من التساهل بمكان ان يعتبر الزوجان أنفسهما بعيدين عن هذه الرقابة.
وسرعان ما ندرك ان الرجال والنساء متساوون أمام الله سبحانه وتعالى، لافرق بينهما، ولا فرق في نظرة الاسلام لهما من حيث كسبهما للثواب أو حتى الكسب الاقتصادي المشروع، ولا من حيث حريتهما في الاختيار ولا دورهما في تسديد المجتمع للصلاح. ولا من حيث الخضوع للقانون.
يقول تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم)[سورة التوبة: الآية 71].
ويقول أيضا جل وعلى : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا)[سورة النساء: الآية 124].
وفي آية أخرى، يقول تعالى ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)[سورة النساء: الآية 32].
لكن هذه النظرة المتساوية تختلف في جانبها القانوني حين يقرر رجل وامرأة بناء حياة زوجية مشتركة، مما يترتب على ذلك بناء قوانين جديدة، يفترض في كل من الرجل والمرأة الالتزام بها كحدود لله سبحانه وتعالى، وان خرق أي قانون منها يعد تجاوزا لقوانين التقوى في العلاقات الزوجية.
حدود قوامة الرجال علي النساء يحدد القرآن الكريم أول قوانين التقوى في العلاقات الزوجية، بتعيين القيادة في هذه المؤسسة الجديدة، والتي يتوقع لها في المنظور القريب ان تتوسع عبر عملية الإنجاب.
يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) قد يفهم البعض ان إعطاء القوامة وهي دور القيادة والمسؤولية النهائية في الأسرة للرجل يعد إنقاصا لحق المرأة، ونقضا للنظرة العامة للإسلام للمرأة حين جعلها متساوية والرجل أمام الله سبحانه وتعالى. لكن التأمل الدقيق في هذا الاختصاص للرجل يكشف عن تحميله مسؤولية أعفيت المرأة منها لمنحها فرصة أوسع لممارسة حاجتها العاطفية في الأمومة. لكن مع ذلك ولكي لا تشعر المرأة بالغبن أوضح القرآن الكريم دواعي إلزام الرجل هذه المسؤولية لا المرأة،
وهما داعيان:
الأول: للفرق في البناء الشخصي بين الرجل والمرأة، حيث زود الله سبحانه وتعالى الرجل بقدرات اكبر من قدرات المرأة في الناحية الجسدية والنفسية والعقلية. وهذا واضح من خلال التحليلات المخبرية للاثنين. إضافة الى ما قدمه الرجل عبر التأريخ من مساهمات في التطور الإنساني اكثر من المرأة.
سواء في المجالات الدينية أو العلمية أو الفلسفية والفنية.
وبالطبع هذا لا يعني ان كل رجل افضل من أي امرأة بل لربما في النساء من هن افضل من الرجال، لكن الأعم الأغلب من الرجال يفضلون النساء. وهذا لا يعنى ان الرجل يعتبر هذا التفضيل له في إعطائه دور القيمومة في العلاقات الزوجية، سببا للتفاخر على المرأة
إذ ان القانون الحاكم عليهما: (ان أكرمكم عند الله اتقاكم) فتفوق أحدهما على الآخر بمدى التزامه بالتقوى سواء في العلاقة الزوجية أو الاجتماعية أو على المستوى الشخصي.
الثاني: الالتزام المالي من قبل الرجل، سواء في تقديم المهر للمرأة أم التزام الإنفاق على الأسرة كلها، وهو التزام لا يخرج الرجل منه حتى آخر أيام حياته.
وهذا ما يجعله في حالة كدح دائم خارج المنزل، بينما يلزم هو بتوفير أجواء الراحة والاستقرار لزوجته وعياله.
وفي المحصلة النهائية لهذا الاختصاص بقيمومة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية، ينتج تكليف الزم به الرجل بينما التشريف للمرأة.
ثم ان تطور النظم الإدارية في تاريخ الحضارات، أكد ضرورة التنظيم الإداري لأية مؤسسة يراد لها النجاح، وفي حالة عدم وجود هذا التنظيم تفشل هذه المؤسسة، والتنظيم يشمل اللوائح الإدارية مع تحديد الصلاحيات والمسؤوليات للرتب الإدارية، ومن أهم الرتب رتبة القيادة الإدارية. ومن دون شك ان الاسلام حين فرض هذا الدور على الرجل لا المرأة لانه أراد النجاح لمؤسسة الأسرة. وهذا لايعني ان المرأة ليست قادرة على هذا الدور بشكل مطلق، بل ان الاسلام لم يرد إلزامها بذلك لانه سيكون على حساب الوظيفة الأصل التي خلقت من اجلها، وهي الأمومة وتنشئة الأجيال.
اختراق قانون القيمومة
يحدث اختراق قانون القيمومة في العلاقات الزوجية، إما من الزوجة أو من الزوج أو منهما معا.
أما من الزوجة فحين ترى نفسها أقوى من شخصية زوجها، فتتجاوز ما ينبغي للزوج ان يقرر فيه فيما يتصل بقضايا الأسرة، ولربما اعتبرت المرأة ذلك حقا طبيعيا لها، ولقد رأيت بعض النماذج من هذا النوع حيث تقرر المرأة حتى ما يفترض في الرجل تقريره كحق شرعي له مثل تزويج ابنته. ولا شك ان تجاوز الزوجة لهذا القانون يعد اختراقا صريحا لقوانين التقوى في العلاقات الزوجية. من هنا ينبغي للمرأة المسلمة ان تسترضي زوجها في التداخل بين صلاحياته وتقريراتها.
أما الزوج فيخترق هذا القانون حين لا يقوم بمسؤليتة في العلاقة الزوجية ويترك الحبل على الغارب معتبرا نفسه معفيا من أية مسؤولية، ولعل من أهم مسؤوليات القيمومة في العلاقة الزوجية التصدي لقضاء الاحتياجات المعاشية للأسرة.
ويحدث الاختراق من الزوج أيضا حين يتعسف في إدارة العلاقة الزوجية فيلجأ للعقاب الصارم على كل صغيرة وكبيرة، مستغلا ما منحه الله سبحانه وتعالى من قيمومة على هذه المرأة، ولقد درج البعض في الماضي والحاضر على اللجوء للتنبيه الجسدي (الضرب) لفرض الهيمة واثبات الرجولة.
من هنا نرى التحذير الشديد من قبل الشرع المقدس للذين يمارسون هذا الأسلوب.
جاء في المستدرك، في حديث الحولاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، انه قال:
(و أي رجل لطم امرأته لطمة، أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم، وأي رجل منكم وضع يده على شعر امرأة مسلمة سمر كفه بمسامير من نار).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (ما زال جبرائيل يوصيني في أمر النساء حتى ظننت انه سيحرم طلاقهن).
وعن الغوالي، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (أيما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث أقامه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق فيفضحه ينظر إليه الأولون
والآخرون).
ويحدث خرق قانون القيمومة من الزوجين معا حين يصران على مواصلة الحياة الزوجية دون الاعتناء بهذا القانون الإلهي تحت تأثير الثقافة الوافدة، في النظرة للعلاقة الزوجية بحيث يحق لأي من الزوجين ان يفعل ما يرغب دون التزام بالطرف الآخر. وللأسف ان شيئا من نمط هذه العلاقة ساد في بعض أو ساط المسلمين.
وقبل التحدث عن المعالجات التي يطرحها الاسلام حين حدوث الاختراق لهذا القانون، لابد من القول ان هنالك جملة من القوانين الفرعية التي تندرج تحته،كعدم خروج المرأة من البيت إلا بأذن الزوج، وعدم الصوم المستحب أو التصدق من ماله إلا بأذنه، وعدم استقبال أو الانفتاح في العلاقة مع أي رجل أجنبي إلا تحت معرفته.
بل حتى عدم زيارة أهلها إلا بأذنه. مع ان بعض فقهائنا حدد الطاعة فيما اثر على حق الاستمتاع فقط، لكن الأحاديث والروايات تشمل ما ذكر.
فقد جاء في الحديث عن أبى جعفر(عليه السلام) قال: (جاءت امرأة الى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يارسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: ان تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدق من بيته إلا بأذنه، ولا تصوم تطوعا إلا بأذنه، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بأذنه، وان خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماوات وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع).
وفي حديث آخر (...ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وعليها ان تتطيب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها وتتزين بأحسن زينتها وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها).
إما حقوق المرأة ضمن هذا القانون، فالنفقة عليها من كسوة واسكان واطعام، والصفح عنها ان تجاوزت حدها.
ورد عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: (جاءت امرأة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألته عن حق الزوج على المرأة؟ فخبرها،ثم قالت فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري ويطعمها من الجوع، واذا أذنبت غفر لها، فقالت فليس عليه شيء غير هذا؟ قال(صلى الله عليه وآله): لا، قالت لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ارجعي فرجعت، فقال لها: ان الله عز وجل يقول: (وان يستعففن خير لهن).
علاج التجاوز
نظرا لان القرآن الكريم في الآية المباركة ثبت قيمومة الرجل في العلاقة الزوجية، نجده يقدم فيها كيفية معالجة الرجل لخرق المرأة لهذا القانون، ولربما في ذلك إلماحا ان هذا القانون يتجاوز عادة من قبل المرأة حين تترفع عليه و هو ما سمي بالنشوز، وهو يعني الارتفاع.
يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله و اللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا)[سورة النساء الآية 34].
يؤكد الفقهاء والمفسرون ان معالجة النشوز يجب ان تتدرج من الموعظة أولا، فان أجدت اقتصر عليها، وإلا توسل بالهجران في المضجع، إما بإعطاء الزوجة الظهر كتعبير عن الانزعاج لتمردها على قانون القيمومة، أو عبر اعتزال مضجع الزوجية، وما لم يجدي ذلك لجأ الى الضرب الخفيف، قيل بالسواك، وهو في مدلوله النفسي اكثر تأثير من تنبيهه الجسدي.
أما في حالة نشوز الزوج فان الفقهاء يقولون ان للزوجة ان تتوسل بوعظه، ان نفع معه، غير ذلك فلا يمكن لها ان تهجره في المضجع ولا التوسل بالضرب معه فلا ينفع في حالة الرجل، بل عليها السعي للإصلاح معه.
يقول تعالى : ( وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ان يصلح بينهما صلحا والصلح خير…).
وفي حالة التجاوز من الطرفين، يوصي القرآن الكريم أهل الزوجين بالتدخل للإصلاح بينهما.
يقول تعالى:
(فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).
المعاملة بالمثل
عدى ما حدد من قوانين خاصة بالرجل أو المرأة في العلاقة الزوجية، ينبغي التعامل مع بعضهما على أساس من المساواة، للزوج ما لزوجته وللزوجة ما لزوجها. فليس من حق الزوج ان يفرض عليها الكتاب الذي تقرأ ولا المرجع الذي تقلد، ولا المسجد الذي تصلي فيه، ولا التخصص الدراسي الذي تتعلمه وما شابه ذلك.يقول تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
م0ن