عشقتها بجنون!
هذه حكاية على لسان شاب،أرقه السهاد، وأضناه التعب، من طول الانتظار وعمق الاستعداد للقاء...
عندما أقرأ حروف اسمها يلجمني السكوت، وينقلني ذهني إلى حيث لا أدري، وعندما أسمع أخبارها ترتطم دقات قلبي ببعضها، وترتعش أطرافي، وأتحرق شوقا لها،عندما أُفكر بها يتملكني شعور غريب وإحساس مُريب! لو كتبت فيه أسفارا لما عبرت عنه؛ فهو شعور غامض لا يعرفه إلا من تذوق حلاوته، ومن نال شرف تذوق هذه الحلاوة لم يكن منه نسيان ذلك المذاق! وذلك الشعور الرهيب...
حبها حبل يشدني إليها شدا، وتعظيمها يدفعني إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول إليها...
حيرت عقول البشر، وانتشلت النوم من أعينهم فأمسوا خاضعين يطلبونها، وسكنت في قلوبهم فكانت نبضها!
لا أستطيع ولا يستطيع كائن من كان تخيل جمالها الذي فاق التصورات !!
وأبهر الألباب وسحر القلوب وهي لم ترها بعد !!
فداها المُهج والأرواح، مهرها إيمان عطره فواح !!
لماذا أُحبها كل هذا الحب؟
لأن هذا الحب، هو أغلى وأسمى أنواع الحب، التي تأسر قلب المُحب...
عزيزي القارئ
هل تعرفت إليها؟ هل اشتقت إليها؟ هل أنفقت دموع مُقليتك ثمنا لصُحبتها؟
إنها الجنة
عشقتها بجنون
فناولوني كأس المنون!
لأختصر طريق الوصول.
أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة
الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وأختم حديثي بمُختارات من نونية ابن القيم –رحمه الله- في وصف الجنة:
فصل
فيما أعد الله تعالى في الجنة لأوليائه المتمسكين بالكتاب والسنة
يا خاطب الحـور الحسان وطالبا *** لوصـالهن بجنـة الحيـوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـت *** بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها *** جعلـت السعي منك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنها *** فإن رمت الوصال فلا تكن بالواني
أسرع وحدث السير جهدك إنما*** مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدّث بالوصال النفس *** وابـذل مهرها ما دمت ذا إمكان
واجعل صيامك قبل لقياها *** ويوم الوصل يوم الفطر من رمضان
واجعل نعوت جمالها الحادي وسر*** تلقى المخاوف وهي ذات أمان
لا يلهينك منزل لعبت به*** أيدي البِلى من سالف الأزمان
فاقد ترحل عنه كل مسرة*** وتبدلت بالهم والأحزان
سجن يضيق بصاحب الإيمان *** لـكن جنّة المأوى لذي الكفران
سكانها أهل الجهالة والبطالة *** والسفاهة أنجس السكان
وألذهم عيشا فأجلهم بحق *** الله ثم حقائق القرآن
عمرت بهم هذي الديار وأقفرت*** منخم ربوع العلم والإيمان
قد آثروا الدنيا ولذة عيشها الـفاني *** على الجنات والرضوان
صحبوا الأماني وابتلوا بحظوظهم*** ورضوا بكل مذلة وهوان
كدحا وكدا لا يفتر عنهم*** ما فيه من غم ومن أحزان
والله لو شاهدت هاتيك الصدور *** رأيتها كمراجل النيران
ووقودها الشهوات والحسرات والآلام *** لا تخبو مدى الأزمان
أبدانهم أجداث هاتيك النفوس *** اللائي قد قبرت مع الأبدان
أرواحهم في وحشة وجسومهم*** في كدحها لا في رضا الرحمن
هربوا من الرق الذي خلقوا له*** فبلو ربق النفس والشيطان
لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم*** فقد ارتضوا بالذل والحرمان
لو سارت الدنيا جناح بعوضة*** لم يسق منها الرب ذو الكفران
لكنها والله أحقر عنده*** من ذا الجناح القاصر الطيران
ولقد تولت بعد عن أصحابها*** فالسعد منها حل بالدبران
لا يرتجي منها الوفاء لصبها*** أين الوفا من غادر خوان
طبعت على كدر فكيف ينالها***صفو أهذا قط في الإمكان
ياعاشق الدنيا تأهب للذي*** قد ناله العشاق كل زمان
أو ما سمعت بل رأيت مصارع الـ*** ـعشاق من شيب ومن شبان