لشيخ الاسلام ابن قيمالجوزية
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا
أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعثَ الطرف يرتاد الشفاء له
توقَّه ، إنه يرتد بالعطب
ترجو الشفاء بأحداق بها مرضٌ
فهل سمعت ببرءٍ جاء من عطب
ومفنيا نفسه في إثر أقبحهم
وصفاً للطخ جمال فيه مستلب
وواهبا عمره في مثل ذا سفها
لو كنت تعرف قدر العمر لم تهب
وبائعا طيب عيش ماله خطر
بطيف عيش من الآلام منتهب
غبنت والله غبنا فاحشا فلو اسـ
ـترجعت ذا العقد لم تغبن ولم تخب
ووارداً صفو عيشٍ كله كدر
أمامك الورد صفواً ليس بالكذب
وحاطب الليل في الظلماء منتصبا
لكل داهية تدنى من العطب
شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب
وضاع وقتك بين اللهو واللعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها
والضئ في الافق الشرقي لم يغب
وفاز بالوصل من قد فاز وانقشعت
عن أفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت
ورسل ربك قد وافتك في الطلب
ما في الديار وقد سارت ركائب من
تهواه للصب من سكنى ولا أرب
فأفرش الخد ذياك التراب ،وقل
ما قاله صاحب الاشواق في الحقب
ما ربع مية محفوفا يطوف به
غيلان أشهى له من ربعك الخرب
ولا الخدود وإن أدمين من ضرج
أشهى إلى ناظري من خدك الترب
منازلا كان يهواها ويألفها
أيام كان منال الوصل عن كثب
فكلما جليت تلك الربوع له
يهوى إليها هوي الماء في صبب
أحيا له الشوق تذكار المهود بها
فلو دعا القلب للسلوان لم يجب
هذا وكم منزل في الارض يألفه
وما له في سواها الدهر من رغب
ما في الخيام أخو وجد يريحك إن
بثثته بعض شأن الحب فاغترب
وأسر في غمرات الليل مهتديا
بنفحة الطيب لا بالنار والحطب
وعاد كل أخي جبن ومَعجزة
وحارب النفس لا تلقيك في الحرب
وخذ لنفسك نورا تستضيء به
يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب
فالجسر ذو ظلمات ليس يقطعه
إلا بنور ينجي العبد في الكرب