يومَ حزَمَ الوطنُ حقائِبَه
بابٌ مُوصَد
.
.
حينَ لا تجدُ ما تكتبُه / تكذِبُه عن الوطنِ فهذا لا يعني أنَكَ زاهدٌ في الكذب
ربما الذين كتبُوا / كذبُوا قبلكَ لم يتركوا لكَ خرمَ إبرةٍ لتقحمَ كذبكَ فيه
.
فرقٌ كبيرٌ بين ممارسةِ الزهدِ من بينِ أشياء كثيرة متاحةٍ للمُمَارسة
وبين ممارستِه على أنّه الخيارُ الوحيدُ المتاح
أحمقٌ قال لكَ : إذا أردتَ أنْ تسبرَ أغوارَ الآخرين وسِّع خياراتِهم
من شِقّ في الباب
.
.
رجلٌ قبلَ السبعينَ بخطوةٍ قالَ لكَ
- وهوَ يحاولُ أنْ لا ينفثَ روحَه مع دخانِ لفافتِه - :
إذا عزمتَ على المسيرِ فابتعْ حذاءً متيناً
واحذرْ أن تنتعلَ قلبكَ كخطةٍ بديلةٍ عن عناءِ السَّفر
أنْ لا تصل أبداً خيرٌ من أن تصلَ مُلوّثاً
.
زوجتُه قالتْ لكَ
- وهي تكنسُ أزهارَ الياسمينةِ التي لا تكفُّ عن التَسَاقط - :
ما حاجتكَ إلى وطنٍ حينَ يكونُ لديكَ أنا ؟!
على عتبةِ الدّار
.
.
كانُوا ثلاثة ورابعُهم / أحمقُهم شربَ الوطنُ من دمِه حتى / حدَّ الإرتواء
ثم أعطاه وساماً من رتبةِ فارِس
والفَرسُ فراشُها بارد
والعجوزُ تضعُ الصّدقة فوقَ الصّدقة مهراً لعُلبةِ الدّواء
وذاتَ شَجنٍ هرعَ الصِّبيةُ كلٌّ إلى حضنِ أبيه
وقفَ الصغيرُ مُسمّراً متسائلا ًكيفَ بإمكانِ وطنٍ كبيرٍ أن يكونَ أضيقَ من حضن ؟!
في الطريق الى الوطن
.
.
حين كنتَ صغيراً سألتهم عن الوطنِ فأخبروكَ أنّه حزم حقائبَه ومضَى ...
سألتهم إلى أين ؟
قالوا لكَ : " هُسْ " الحيطانُ لها آذان
فتساءلتَ كيف يمكنُ للجدرانِ التي تواري سوأتكَ أن تشيَ بكَ
وكنتَ كل يومٍ تأوي إلى فراشكَ وأنتَ تظنّ أنّ الوطنَ ذهبَ إلى منفاه بوشايةِ جدرانِه
.
.
وحينَ كبرتَ علمتَ أنّ الجدرانَ ليسَ لها آذان
وأنّها بعكسِ البشرِ عاجزة عن الوشَاية
وفهمتَ أنّهم أرادوكَ أن تسكت
وأنّ الوطنَ ذهبَ لأنّه اختنقَ بالصمت
.
.
حينَ كبرتَ علمتَ أنّ الوطنَ كانَ يريدُ أن يبقى
ولولا أنّ قومَه أخرجُوه ما خرج
أرادُوه أن يضحكَ حينَ يبتسمُ ابنُ الأمير
وأنْ يبكيَ حينَ يتعثرُ ابنُ الوزير
وأنْ يطربَ حين يعربدُ ابنُ الخفير
وأنْ يلبسَ السّواد حين ينقلعُ الكبير
وأنْ يبايعَ في اليومِ التّالي كبيراً آخر قبل أن يجففَ دموعَه
.
.
حينَ كبرتَ علمتَ أنّهم لم يمسِكُوا بتلابيبِ الوطنِ ويمنعُوه من الرّحيل
لوّحُوا له بمناديلِهم فقط وهو يتوسّد الطريق
ولحظة وصلَ الى آخر نقطةٍ في الوجع
قالوا له : الوطنُ وطنكَ متى أردت الرجوع !
وكانوا يعرفون أنّه لن يرجع
وكان يعرفُ أنّهم لا يريدونه أن يرجع
المعرفة الحقّة عذابٌ حق ! كان وطنهم هم
وطنُ الذين يأمرونكَ بالمعروفِ ويتجاهلون أنّ سكوتهم عن أشياءَ أخرى منكر أكبر !
وينهونك عن المنكرِ ولو أراحوكَ من خطاباتِهم لكانَ معروفاً أكبر !
.
.
يكفلُ الدستورُ حقكَ في الحياةِ ولكن عليكَ أن تموتَ كلّ يومٍ ألفَ مرّة
مُتْ كي تكونَ جديراً بالوطن
.
.
يعترفُ الدستورُ بحقكَ في انتخابِ برلمانٍ يلتئِمُ كلَّ شهرٍ مرّة
ليخبركَ أنّ الطريقَ إلى سدِّ العجزِ يمرّ من وسطِ جيبك
.
.
يعترفُ الدستورُ بحقكَ في المُسَاواة
مُتْ أولاً ! في المقابرِ يُوارى الجميعُ ذات الثرى
.
.
يقرُّ الدستورُ بحقكَ في المغادرةِ متى شئتَ
لا اعترافاً بحريتكَ ، بل لأنّ هناكَ الكثير منكَ
رحيلكَ لنْ يحدثَ فرقاً
فقدَ رحلَ الوطنُ وبقيت الحكومة تسيِّرُ الأمور
لا أحد يلوي ذراعَ الحكومَة ولا حتى الوطن
هل عرفتم لماذا حزمَ الوطنُ حقائبَه ؟
مما تصفحت