بحثا عن النسيان
*،
نَحن لا نُقيم العزاءاتِ ليُربت على أكتافِنا ،
نَحنُ نُقيم العزاءاتِ لِنُقر بخساراتنا ،
وَ نبكيها ، وَ نبكيها ، وَنبكيها ..
وَ نحيا ..!
،.
أنتَ رحلت ، وَ أنا تُركت ،
أنت ضحكت ، و أنا بكيت ،
أنت هنئت ، و أنا شقيت ،
أنت مضيت في طرقات الحياة ، و أنا وقفتُ أمام هول رحيلك بلا حراك ،
وَ لأنني لا أجيدُ التملُق ولا الانحناء لمطالبة حقٍ لي لا يصح حرماني منه ،
لم أطالب بالنسيان باللباقة المرجوة فحرمتُ منه و من حقي ،
وَ بقيت بعدك أتخبط و أتعثر مرةً تتلوها الأخرى ، و لم يعبأ لألم سقطاتي أحد ،
ادعيتُ بدايةً بأنني لم أكترث ،
و بأنني كنتُ واقعةً وَ سرعان ما سأقف مجدداً ،
وَ ذهبتُ لطرق باب النسيان مراراً و تكرارً و لكنّه لم يقبل بي يوماً ،
كَان يصيح لي كل مرةٍ بأنني لم أظهر رغبتي بالنسيان وَ كأننى عطشى لا تُجيد طلب الماء ،
وَ لكن .. لا عدل في ذلك أبداً ، لا عدل في أن أُرغم على رغبة النسيان حتّى استحقه ،
و إن كان النسيانُ معقوداً على الرغبة لَما نسينا يوماً ، وَ من يرجو نسيان الحبيب صدقاً لا ادعاءً ؟
لا أحد ..!
،.
أدركتُ بعد مضي الوقت أن الأبواب ستُقفل ،
و أن الطرقات ستضيق بي و إن اتسعت ،
و أن ذِكرك ما عَاد يُحييني ،
و أن الشقاء بات مُرتبطاً باسمك و بِرسائلك ، و بِابتسامتك ،
وَ أن تشبثي بك يعني تمسُّكي بآخر دمعةٍ سقطت لأُلحقها بأختٍ لها ،
و أدركتُ أن لنفسي عليّ حقاً ، وَ أنا انتهكته محاولةً الحفاظ عليك ،
فخسرتُك ، وَ خسِرتُني ، وَ خسِرتُنا ..!
،.
أنساك .. نعم يجدر بي أن أنساك ،
فنسيانُك هو الحل الأمثل لشقائي ،
وَ لكن ، كيف أنساك ؟ كيف أُثبت رغبتي الحقة بالنسيان فلا ينهرني ؟
كيف أنسى حلماً يتّمني لأدفع ثمن الحلم به ؟
كيف أنسى شمساً أنارت لي الأرض ، ثم اختارت قرباً يحرقني ، وَ بعداً يضللني ؟
كيف أنسى حبيباً عزيزاً قريباً ، رحل و أخلف وعده ؟
سـ أنساك أنا بأمثل الطُرق ،
سأكرم آخر لحظاتِ ذكرك أمام الملأ ، وَ سـ أنسى ،
سأقيم لِحبنا عزاءً ،
سـأؤدي فيه كل حقٍ بالبكاء ،
و سأُقيم المآدب على بعضٍ من رسائلك نتلذذ بها حدّ الشبعِ ،
سأتدثر بأغلفة الهدايا ، وَ أتعطر بِعطرك و سأشتّمه لآخر مرة ،
سأحياك مُراً و حلواً ، و سأحيا القصة من بدايتها ،
سأضحك و سأبكي ، سأنكفئ و أتلوى ألماً ،
وَ من ثّم سـ أزرع على وجنتي الرسائل قبلة أودعها بها ،
و سـَ تُدفن ..!
*،
قد أنساكَ هذه المرةَ صدقاً ،
وَ قد تكون آخر الأحرف في طريقها إليك ، وَ قد لا تكون ..
جُلّ ما أعلم هو أنني ما عدتُ أبتغي ذكرك ،
أود أن أحيا و أن أمضي ، و إن كان النسيان مجرى النهر الوحيد المعين على الوصول
سـ أنسى ..!
+ هلّا حضرتَ عزائنا ؟