ثقافة الفرجة
تميزت مصر منذ فجر التاريخ و المنطقة العربية بعد ظهور الإسلام بإنهما منطقة تمثل عقل العالم و روحه و معقل ثقافته و فكره ، و لا شك أن دوام الحال من المحال و لكن من المفارقات ان تتحول منطقتنا إلي ساحة كبيرة للمشاهدة/"الفرجة" بعد ان كانت كانت معمل تفريخ للمثقفين و الأدباء و المفكرين و العلماء و الجمهور الذواق الإيجابي المتفتح المثقف سواء القارئ أو المستمع أو المشاهد ، فقد انتشرت ثقافة الفرجة في جميع الدوائر العربية و بين الجماهير العربية قاطبة ، إبتداء من الاغنية أو المقال إلي الإختراعات و النظريات الكبري سواء كان مصدرها محلي أو خارجي ، فقد كان المواطن العربي "السميع" أو المشاهد للسينما له رأي و أمتلك ذوق خاص حاول الفنانون و المنتجون و كل المشاركون في صناعة الغناء و السينما و الفن التجاوب معه و الإستجابه لمطالبه و أذواقه المتغيرة ، أما الأن اصبحت الاغاني و الافلام و الخطاب الاعلامي يفرض فرضاً علي المشاهد الذي لا حول له ولا قوة ، فالعربي/ المصري اعتادت اذنه علي سماع الطرب الأصيل من أفواه عبد الوهاب و عبد المطلب و أم كلثوم و عبد الحليم و الشيخ إمام ومن جاء بعدهم من رواد الأغنية الشبابية مثل عمرو دياب و محمد منير و محمد فؤاد و أنغام و غيرهم ، أصبح الأن هذا الموطن مطلوب منه أن و يسمع أغاني لا أبالغ أدني مبالغة إذا قولت عنها انها "عك مقزز و قلة أدب" ، و ينطبق الحال علي الافلام التي أضحت تكرر السيناريوهات و "الإفيهات" و المشاهد الجنسية بطريقة نمطية منهجية ، و للأسف بعد أن كان المشاهد و السميع يضرب المغني الفاشل بالطماطم و البيض الفاسد إذا قدم فناً رديئا لا يليق بأذن المشاهد و عينه و لا بما دفعه كثمن لتذكره الدخول ، أصبح المواطن العادي مثل المسجون الذي يقبل ما يأتيه من طعام من تعيينات السجن لأن ليس أمامه غيره و ليس له أن يرفض ، و بعيداً عن الفن و الثقافة ، و في مجالات أكثر أهمية و أكثر فساداً نجد في السياسة و الإقتصاد تخضع الجماهير العربية و المصرية لسلسلة نخب فاسدة تكرر فشلها يومياً بإمتياز في إنتهاك حرية و حقوق الشعب و سرقة قوته و جيبه و بيع الوطن الغالي بأبخس الاثمان ،و ما زال الشعب العربي يقف في وضع المتفرج الذي ينحصر دوره في التصفيق و الهتاف أو حتي الإعتراض و الاستهجان ، دون أن يحاول لعب دور البديل المتاح للفساد المزمن الممل الذي نعاني منه في كل ثانية ، و حتي المثقفين و المفكريين و العلماء العرب أنحصر موقفهم من التقديم المذهل الذي يعيشه العالم من حولنا في مواقف التأييد أو الأعتراض أو الحياد أو التحفظ سواء فيما يتعلق بمفاهيم و نظريات مثل الحداثة و ما بعد الحداثة و العولمة و صراع الحضارات و مجتمع المعلومات العالمي و التطور العلمي و التكنولوجي المذهل ، دون أن يكون لديهم مشروع حضاري متكامل أو نظرية جديدة في العلوم الطبيعية أو الإجتماعية في عالم أصبح متاح للجميع فيه المشاركة في الحضارة الإنسانية الكونية.
و في مجال العلاقات الدولية بات العرب و حكامهم مجرد متفرجون سواء فيما يخص قضاياهم "الجوهرية" في فلسطين و السودان و لبنان و العراق و موضوعات التنمية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و البيئة أو قضايا الأمم الأخري التي تمس حاليا أو مستقبلا مصالحهم الجوهرية .. فما هو موقف العرب من صعود الصين و الهند شرقاً و البرازيل غرباً و تركيا شمالاً و جنوب إفريقيا جنوباً ؟، و كيف يري العرب إمكانية الاستفادة و التعلم من و اللعب و التعامل مع هذه الدول و التجمعات الدولية الصاعدة و التعاون إقتصادياً و سياسياً بما يكفل خدمة مصالح المنطقة و شعوبها ، بدلاً من الإعتماد علي الغرب/أمريكا الذي يستغلنا إقتصاديا و يخذلنا في قضايانا سياسياً؟أم أن العرب ما زالوا يشاهدون العالم يتقدم بدهشة فاتحيين أفواههم و عيونهم و جيوبهم لمن يريد بيع "الأونطة" لهم بمليارات الدولارات كما يدفعون الملايين في أغاني و أفلام و ثقافة رديئة فاشلة فاسدة؟!