على بساط القرآن
القرآن هو كتاب الله العظيم، فيه صلاح البشرية وهدايتها، وإخراجها من الظلمات إلى النور، فهو المعجزة العلمية والتشريعية الخالدة، وقد وقفت أمامه قوى الكفر حائرة معترفة بقوته في ذاته، وتربيته النفسية والبدنية لأفراد صنعوا التاريخ.
العزة والتمكين في التمسك بكتاب الله تعالى
أحبتي في الله! الكون كونان: كون منثور وكون مستور، أما الكون المنثور: فهذا الفلك السيار الذي يحيط بنا، ونحن عبارة عن نقطة في محيط واسع من هذا الملكوت التي لا يعلم اتساعه ولا دقائقه ولا أسراره إلا خالقه عز وجل، هذا هو الكون المنثور الذي أمرنا الله أن ننظر فيه، قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا [الأنعام:11]، وهناك آيات للموقنين وللذين يقفون متدبرين لما خلق الله سبحانه وتعالى. وأما الكون الثاني من الكونين اللذين أوجدهما رب العباد عز وجل: فهو الكون المستور، وهو كتاب الله عز وجل، هذا الكون الذي يجمع رب العباد فيه كل ما صغر وما كبر، قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]. وكلما اقترب المسلمون من هذا الكون المستور كان لهم كيان في هذا العالم الذي يحيون ويعيشون فيه، وكلما ابتعدوا عن هذا المنهج تلاوةً وتدبراً وتعبداً وسلوكاً وتطبيقاً عفا عليهم الدهر، وكانوا في هذا المجتمع العالمي غثاءً كغثاء السيل.......
تطبيق الصحابة لكتاب الله عملياً
لقد كان الصحابة يقرءون كتاب الله بتدبر، ثم يعملون بما فيه، وقد جاء بهم الحبيب صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم في هذه الحضانة الإيمانية في بدايتها، وشحذ هممهم، وركب هذه العقلية والنفسية العربية، وأحاطها بإحاطة إيمانية روحانية فذة، فصار كل صحابي نسخة مصحفية تسير على قدمين. فلقد كان المعصوم صلى الله عليه وسلم الأسوة قرآناً يمشي على الأرض، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، كذلك كان صحابته الغر الميامين، فكل واحد منهم يمثل نسخة عملية من المصحف يراها الناس رؤيا العين. يحكى أن أعرابياً جاء وربط ناقته في جدار بستان من بساتين المدينة، ثم نام وغط في نوم عميق، فشعرت الناقة بجوع شديد فقطعت حبلها ودخلت إلى البستان وعاثت فيه فساداً، وحولت البستان إلى خراب من شدة جوعها. فأتى صاحب البستان فأخذ عصاً غليظةً وضرب الناقة حتى أخرجها من بستانه، فوقعت ضربة على رأس الناقة فماتت منها، فاستيقظ الأعرابي على ناقته وقد ماتت، فثار غضبه، فمن الذي سيعيده إلى قبيلته وهو من أرض بعيدة؟ فصارع الأعرابي صاحب البستان، فلكم الأعرابي صاحب البستان لكمة قضى فيها الرجل نحبه. واجتمع أهل صاحب البستان على الرجل ليأخذوه للقصاص، فقال الرجل: لي مطلب، قالوا: ما هو؟ قال: أعود إلى عشيرتي لأعطيهم وصية وأعود إليكم مرة أخرى، فتبسم القوم وقالوا: عجباً لك يا رجل! لا نعرفك ولا نعرف اسمك ولا اسم قبيلتك، ولا من أي بلد أنت، ولا من أي عشيرة، ثم نتركك بعد أن تقتل صاحبنا؟! فسمع أبو هريرة هذا الشجار، فلما علم بالمسألة قال: أنا أضمن الرجل، فسار الرجل ومرت جمعة وجمعتان وشهر والرجل ولم يعد بعد، فذهب أهل القتيل إلى أبي هريرة وقالوا له: يا أبا هريرة ! أتضمن من لا تعرف؟ قال أبو هريرة : كي لا يقال: إن أصحاب المروءة قد ولوا، فإذا بالرجل يظهر على الأفق، قالوا: عجباً ما الذي أعادك؟ قال: حتى لا يقال: إن أصحاب الوفاء قد ولوا، فإني قد عاهدت أن أعود ولابد من الوفاء بالعهد، فقال أهل القتيل: ونحن قد عفونا كي لا يقال: إن أصحاب العفو قد ولوا. فأين أصحاب المروءة في زماننا؟ وأين أصحاب الوفاء في زماننا؟ وأين أصحاب العفو في زمننا؟ فهذه هي أخلاق القرآن وأخلاق المتدبر لكتاب الله عز وجل، إن هناك أناساً قد يقرءون القرآن ليصير حجة عليهم لا حجة لهم، فأنت تحكمك عدة محاور: زمان ومكان وأحداث.
فضل الله علينا في مغفرة ذنوبنا بالصلوات
إن رب العباد عز وجل هو الذي يعلم من خلق، ويعلم ما الذي يصلح عبده وما الذي يفسده، فجعل الله للمسلمين بفضله سبحانه لقاء في عدة ساعات، ليلقى العبد ربه، ولكي ينفض عن نفسه ذنوباً صنعها في وقت قد مضى، فعندما تلقى الله ظهراً فإنه عز وجل يمحو عنك الذنوب التي عملتها صباحاً، فإذا وجدته عصراً نفس القضية، والمغرب كذلك، وصلاة العشاء كذلك، فيغفر لك ما قد سلف فتبيت وليس عليك خطيئة. وهل كل صلواتنا مقبولة؟ فإنه ليس كل مصل بمصل، وقد جاء في الحديث القدسي: (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصراً على معصيتي، ورحم الأرملة والمسكينة وابن السبيل، هذا أكلؤه بعنايتي، وأستحفظه بملائكتي، وهو في عبادي كالفردوس في الجنة). إذاً: المتكبر لا تقبل له صلاة، وانظر إلى المسلم وستعرف كبره من حركة واحدة، خذ بيده لينتظم في الصف فإنه يقاتلك، وهذا هو الكبر.
ازدياد خوف الصحابة بعد تبشيرهم بالجنة
الصحابة الذين بشروا بالجنة عندما تقرأ عن حياتهم في كتب السير تجد أن خوفهم من الله اشتد وازداد بعد أن بشروا بالجنة، وهذا أمر غريب قد لا يفهمه العقل البشري. فهب جدلاً أن رجلاً صاحب مدرسة قال لك: أنا صاحب المدرسة وأنا الذي أعين المدرسين وأنا الذي أوقع على النتيجة النهائية، وابنك في رعايتي وهو ناجح آخر العام إن شاء الله، سواء كتب أم لم يكتب، هل يزداد اطمئنانك أم يزداد خوفك؟ يزداد اطمئنانك. أما أن تزداد خوفاً فهذا هو الأمر الأعجب، وليس المبشر للصحابة هنا هو صاحب المدرسة، وإنما المبشر للصحابة هو الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وعندما يبشر فتبشيره لهم صادق، لكن الصحابة يزدادون خوفاً؛ وذلك لأن العبد كلما ازداد حبه لله ازداد خوفه منه، وكلما ازداد قرباً من الله ازداد خوفاً منه، وكلما ازداد علماً ازداد جهلاً. وما يزال الرجل يتعلم ويتعلم فإن ظن أنه قد علم فقد بدأ يجهل، فكلما ازداد الإنسان علماً ازداد جهلاً، وكلما كبرنا في السن كبرنا في العمر ولا نكبر في العلم، وذلك لأن العلم أرجاؤه متسعة وبالذات في الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه). وتقرأ في كتاب الله عجباً، فهذا عمر يخطب ويقول: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [عبس:31] فيقول رجل أعرابي: ما الأب يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر: أفي المسجد من يجيب؟ فهذه فتيا ليست مهمته، إنما مهمته إمارة المؤمنين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين! الأب: ما تأكله الأنعام، أو ما قرأت بعدها وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس:31-32] فالفاكهة لنا والأب لأنعامنا، فتدمع عين عمر ويقول: كل الناس أفقه منك يا ابن الخطاب ! فهكذا الإنسان كلما اقترب من الله زاد خوفاً منه، وذكر أن ابن عباس ترجمان القرآن حبر الأمة يقول: كلمة فاطر في قوله تعالى: فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى:11] تعلمتها من أعرابي قح، فقيل له: كيف؟ قال: مررت بأعرابيين يحفران بئراً، فكان يدعي كل واحد منهما أنه هو الذي فطره، أي: هو الذي أنشأها وبدعها وكونها، فعلمت معنى كلمة فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1] أي: مبدع السماوات والأرض، وخالق السماوات والأرض، ومنشئ السماوات والأرض. وهكذا الإنسان يظل يتعلم من الصغير ومن الكبير، ويظل يتعلم لا إله إلا الله، والإنسان كلما قرأ في كتاب الله يجد هذا الكون المستور في كتاب الله عز وجل. أعود وأقول: إن الصحابة بعد أن بشروا بالجنة ازداد خوفهم، فالعبد كلما اقترب من رب العباد عز وجل ازداد خوفه منه، وبالرجاء والخوف يعبر الإنسان إن شاء الله إلى بر النجاة. اللهم نجنا من النار، وقربنا من الجنة آمين يا رب العالمين!
سعي الشيطان في تثبيط بني آدم عما يرضي الله سبحانه
أنت أيها المسلم يحكمك زمان ويحكمك مكان، وهناك عدة عقبات حولك، فأنت تأتي لتفتح المصحف وتقرأ، فبعد صفحة أو صفحتين يأتيك الشيطان ويقول: يا فلان! أنت مجهد اليوم فخفف عن نفسك، وأنت تسعى لطلب الرزق، وسيكفر الله لك كل سيئاتك إن شاء الله؛ لأن هناك ذنوباً لا يكفرها إلا السعي على المعيشة. فالمسلمون لا يحفظون إلا أحاديث خاصة تهم المعيشة، مثل حديث: (الطبق يستغفر للاعقه)، وحديث: (إذا جاء العشاء والعشاء فأخروا العِشاء وقدموا العَشاء)، فالمهم أنه يطمئن بطنه، وهذه أحاديث متواترة عنده، فالمسلم عندما يقرأ القرآن يأتيه الشيطان من هذه الزاوية، يقول له: نم واسترح قليلاً، ثم قم قبل الفجر بساعة، واقرأ وأنت يقظ، فالمؤمن اليقظ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذه فرصة لا تعوض، ومن الذي يضمن لي إذا نمت أن أستيقظ مرة أخرى؟ قيل لأحد العلماء: أتحب أن تموت مسلماً عند باب الحجرة، أم شهيداً عند باب الدار؟ قال: أموت مسلماً عند باب الحجرة، فمن يضمن لي عندما أخرج من الحجرة ألا أجد فتنة فأموت على سوء خاتمة؟ أسأل الله أن يختم لنا ولكم بالصالحات. إذاً: يا إخوتاه! الشيطان يشغلنا في صلاتنا وفي قراءتنا لكتاب ربنا وفي جميع عباداتنا، فإذا أردت أن تخرج نفقة يقول لك: يا أخي! عشرة دراهم لا تكفي أحداً، انتظر حتى تصير مائة، انتظر حتى تصير مائتين. أقول: يا أخي! أخرج العشرة؛ لأنك لا تضمن نفسك بعد ذلك، فرب درهم غلب درهمين. ورضي الله عن أبي الدحداح ، ورضي الله عن الصحابة الذين قدموا ما عندهم لله عز وجل، وقد كان أبو بكر يقول: والله يا رسول الله! ما نعطيه لك أحب إلينا من الأموال التي تبقى في بيوتنا. لكن يوجد في هذا الزمن أناس إذا حصل الواحد منهم على الدرهم أو الدينار أو الجنيه يأخذه ويضعه في كيسه ويقول له: لقد تعبت كثيراً يا حبيبي! في تنقلك بين أيدي الناس، فادخل فلن ترى النور مرة أخرى. وهكذا سمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق. فنحن يحكمنا زمان ومكان، فالله عز وجل علم تقصير العباد فجعل الصلوات الخمس متقاربة، ثم جعل بفضله للمسلمين لقاء الجمعة، إذ نحضر إلى المسجد بعد أن نغتسل ونتطيب، ويأتي الخطيب ليخطب خطبة يذكرنا فيها بالله، ونجتمع فيصافح بعضنا بعضاً، وننفض الذنوب، ونخرج وقد شحنت القلوب شحنة طيبة. ثم علم الله تقصير العباد فجعل لهم مناسبة سنوية لقراءة كتاب الله، والأعمال الصالحة، إذ يبدأ المسلم في نفض التراب عن دفتي المصحف، ويكتشف أنه يوجد في بيته مصحف ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهناك من يزور المسجد خمس مرات في اليوم، وهذا هو المطلوب وفي رمضان وغيره. وهناك من يزور المسجد كل جمعة، وهناك من لا نراه في المسجد إلا من رمضان إلى رمضان، وهناك من يأتي إلى المسجد محمولاً على الأعناق لا ليصلي وإنما ليصلى عليه، نسأل الله السلامة. فيا أخي المسلم! الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فهو لك إذا عمرته وغمرته بطاعة الله، وعليك إذا ضيعته في اللهو واللعب، ولذلك فإن المؤمن الصادق يقف في معالم الحياة ويصلح فيها نفسه، فالحياة لها معالم يتوقف معها المسلم. وها قد بقي على رمضان أيام، فلابد لكل واحد منا أن يحاسب نفسه: هل صمت رمضان كله؟ ربما لم أصم، ربما أفطرت يوماً ولم أقضه، قد يكون علي زكوات ولم أخرجها، أو علي صلوات لم أصلها، أو ربما لم أختم المصحف في رمضان، يقول بعض أهل العلم: من لم يختم القرآن في شهر فقد بات مهاجراً لكتاب الله، فإذا كان الشهر العربي يمر عليه دون أن يختم المصحف فمتى يختمه؟ فعلى الأقل مرة في الشهر، أي: جزء في اليوم دائماً. وللأسف الشديد فإن كثيراً من المسلمين لا يدركون أن آيات العبادات في كتاب الله تقريباً مائة آية وعشر آيات من ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية، إذاً: فهناك ستة آلاف ومائة وستة وعشرون آية تقريباً المسلمون غير مهتمين بها. يحكى أن حاتماً الأصم صلى بالمسلمين صلاة العصر، وكان المسجد مليئاً إلى آخره، فسلم يمنة ويسرة فلم يجد في المسجد مصلياً خلفه، فتعجب أين ذهب الناس؟ فوجد ضوضاء خارج المسجد فخرج، فقال: خيراً، قالوا: أما تشعر بما نحن فيه؟! انكسرت سارية من سواري المسجد فخشينا أن يسقط السقف علينا فهربنا، فقال: لقد كنت في الصلاة. وذكرني أحد الإخوة أنه حدث في مصر في عام اثنين وتسعين زلزال أثناء صلاة العصر، وكان هناك رجل ملتزم يصلي ركعتين، قال: ركعت فشعرت أن الأرض تهتز وشعرت بضوضاء، فوجدت نفسي راكعاً خارج المسجد لا أدري من الذي أخرجني؟ فهذا الرجل أثناء الزلزال خرج من المسجد في وضع الركوع ولم يتحرك، فكيف بزلزلة يوم القيامة؟! نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، لذلك فإن المسألة تعود إلى ضعف اليقين داخل القلوب. سئل حاتم عن خشوعه في صلاته، فقال: إن جاء وقت الصلاة أسبغت وضوئي، وجلست في المكان الذي سأصلي فيه؛ حتى تجتمع جوارحي. وانظر إلى صلاة الظهر أثناء الدوام، وانظر إلى عدم الخشوع فيها، فقد انشغلنا بأعمال الدنيا، يقول حاتم الأصم: جلست في المكان الذي سوف أصلي فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم فأكبر، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بخشوع، وأسجد سجوداً بتواضع، واضعاً الجنة عن يميني، والنار عن يساري، والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي، وملك الموت ورائي؛ كي أظنها آخر صلاة لي، وأتبع ذلك بالإخلاص في النية، ثم لا أدري أقبلت أم لم تقبل! وشتان بين حاتم وهذا الرجل الذي ذهب إلى أبي حنيفة قال: يا أبا حنيفة ! بعت داراً لي وحفظت ثمن الدار في مكان ونسيته فلا أدري أين هو؟ فضحك أبو حنيفة إذ إن مهمة الفقيه ليست البحث عن مال الناس، قال: اذهب فقم لله الليلة عسى رب العباد أن يذكرك، فجاء الرجل في صلاة الصبح مبتهجاً، فقال له أبو حنيفة: وجدت مالك؟ قال: نعم، قال: ما الذي حدث؟ قال: دخلت في أول ركعة فتذكرت مكان المال، فخرجت قبل أن أنسى فلما وجدته نمت. قال أبو حنيفة : كنت أوقن أن الشيطان لن يدعك تتعبد لله الليلة. فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فهي أمامه، ومن كان يريد الآخرة فالله عنده ثواب الدنيا والآخرة. ولا يمكن أن يصلي الرجل الصلوات الخمس بالنوافل ويقرأ القرآن، ولكنه لا يكلم زوجته شهراً وشهرين ولا أريد أن أتطاول وأقول: وربما سنة أو سنتين، فتراه يقطب جبينه في وجه زوجته وأولاده. يروى عن عمر أنه جاءه رجل يريد أن يوليه، فقال عمر لخادمه: إذا جاء هذا فأدخله، فدخل الرجل فرأى عمر على يديه ورجليه، وأطفال عمر يركبون على ظهره ويدور بهم في البيت، فوقف الرجل في حالة من الذهول، فقال عمر : ما لك؟ قال: هكذا تصنع مع أبنائك يا أمير المؤمنين! قال: نعم، وماذا تصنع أنت؟ قال: إن دخلت فر الواقف، واستيقظ النائم، ووقف الجالس. قال: إذا لم تكن رحيماً بأبنائك فكيف تكون شفيقاً ورحيماً بأبناء المسلمين؟! لا حاجة لنا في ولايتك. فالإنسان الذي يريد أن يتولى أمر المسلمين يجب أن يكون رقيق القلب رحيماً.