نظرات فى خطبة صناديق النذور بريئة
الخطيب احمد الجوهرى والخطبة تدور حول النذور حلالها وحرامها وفى مستهل خطبته تحدث عن أن من صفات المؤمنين بالوفاء بالنذر فقال :
"أما بعد فيا أيها الإخوة! أثنى الله -تبارك وتعالى- على أهل الإيمان فقال: "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا". [الإنسان: 7] فمدحهم لأنهم وفوا بما نذروا يُعلمنا هذا أن الوفاء بالنذر من شيم المؤمنين وخصال الإيمان المتين، ويعلمنا كذلك أن النذر قربى من القربات وعبادة من العبادات التي يتعبد بها لله -تعالى- ولا ينبغي لما كان كذلك أن يصرف لغيره -عز وجل-."
ثم تحدث عن أن بعض الناس حولوا طاعة الله لمعصية من خلال النذر لفلان أو لعلان أو فلانة أو علانة أو مكان ما أو غير هذا فقال :
"لكن نفراً من المسلمين وليسوا بالقلة وإنما هم كثيرون صرفوا هذه العبادة لغير الله -تعالى- فمنهم من راح يبذلها رخيصة سهلة عند قبر أو ضريح أو مشهد سواء لصاحب الضريح أو سدنته وخدمه فحادوا بذلك عن سواء السبيل وفي هذا اللقاء -أيها الإخوة- نتحدث عن هذا الموضوع ونتناوله من جميع جوانبه حتى نحذَر ونُحذِّر مما فعلوا."
وتحدث عن كون النذر واحدة من العبادات فذكر قصة نذر والدة مريم لها فقال :
"أولاً هل النذر عبادة؟
يجب أن نبحث عنه في القرآن الكريم والسنة المطهرة المشرفة حتى نعرفه فتعالوا بنا نطوف سويّاً في آيات القرآن الكريم التي ذكر فيها النذر وما يتصل به عسانا نعرف الجواب السديد والقول الرشيد. فمن هذه الآيات التي تدلنا على ذلك قوله -تعالى- عن سيدة كريمة وزوج رجل صالح كريم وأم أنثى كريمة وجدة نبي كريم عليهم جميعاً السلام من العزيز الكريم، إنها امرأة عمران أم مريم وجدة عيسى ابن مريم وهؤلاء جميعاً هم آل عمران إنها حنة بنت فاقوذ التي قص الله علينا قصتها في القرآن الكريم في سورة سماها باسم هؤلاء الآل آل عمران فقال -تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) [آل عمران/33 - 37] "
فهذه امرأة صالحة تعلم قدر النذر وعظمته وشأن التقرب به إلى الله -تعالى- فنذرت إن رزقها الله بذكر أن تجعله خادماً لبيت الله -تعالى- فلما رزقها الله أنثى جعلتها لبيت الله وكانت تتمنى أن يكون ذكراً ليفيد في الخدمة أكثر وأعظم.
وقولها: إني نذرت لك ما في بطني محرراً؛ محرراً: أي خالصاً لك لا يشغله شيء عنك فهذا الله يخبر عن امرأة صالحة تعرف أن الله -تعالى- يحب النذر ويحب من فعله فتقربت إليه بما يحبه وتلك هي العبادة.
فالعبادة هي: كل ما يحبه الله -تعالى- من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ولما ربى الله هذه الأنثى المباركة التي نذرتها أمها لخدمة بيت المقدس وصار لها شأن عظيم أراد الله -تعالى- أن تكون مصدر آية بل وأن تكون هي كذلك أية من آياته سبحانه فكانت هذه الأنثى هي مريم أم عيسى (ص* كما نعرف جميعا من قصتها وفيها أنها لما خافت قومها وأرادت أن تدافع عن نفسها قال لها الملك يلقنها موقفها وتصرفها: "فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)."
واستخلص الخطيب من الآية كون النذر حكم من أحكام الله التى كانت فى الرسالات السابقة وهى موجودة فى الرسالة الأخيرة فقال :
"ها هو النذر ـ مرة أخرى ـ يأتي ذكره على لسان صالحة من آل عمران فالنذر إذاً عبادة قديمة شرعها الله للتقرب إليه سبحانه.
ومن هذه الآيات التي تدلنا على أن النذر عبادة قوله -تعالى-: "وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار". فالله -تعالى- يخبر بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده، وتوعد من لا يعمل بطاعته بل خالف أمره وكذب خبره وعبد معه غيره، ولاحظ أخي الكريم هذا الارتباط في قوله -تعالى-: "وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر"فالصدقة والنذر كلاهما طاعة يتقرب بها العبد لله فكما أن الصدقة عبادة فالنذر عبادة وكلاهما يتزلف ويتقرب العباد به لربهم جل وعلا."
وتفسيرى للنذر فى الآية هو أنه أى عمل صالح وفى تفسيرها قلت:
وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار"يفسره قوله تعالى بسورة المزمل"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله"وقوله بسورة الطلاق"وإن الله قد أحاط بكل شىء علما "وقوله بسورة الشورى"والظالمون ما لهم من ولى"فالإنفاق أى النذر هو تقديم الخير للنفس كما بسورة المزمل وعلم الله به هو إحاطته بكل شىء كما بسورة الطلاق والأنصار هم الأولياء كما بسورة الشورى ومعنى الآية وما عملتم من عمل أى فعلتم من فعل فإن الله يعرفه وما للكافرين من أولياء،يبين الله للناس أنهم ما أنفقوا من نفقة أى ما نذروا من نذر والمراد ما عملوا من عمل إلا يعلمه الله أى يعرفه الله ،ويبين الله لنا أن الظالمين وهم الكافرين ليس لهم أنصار أى أولياء ينقذونهم من عذاب الله
وتحدث عن الوفاء بالنذر فى آيات الحج فقال :
"والله -تعالى- يخبر أنه يعلم بذلك ويجازي عليه الذين يعملونه، أما الذين يصرفونه لغير الله فيتوعدهم الله -تعالى- على ذلك بأن الله ينصر المؤمنين أما هم فما لهم من أنصار وهذا يدل على أن النذر كالصدقة طاعة، لأنه -تعالى- يجازي عليه، فهذه الآية أيضاً تبين لنا أن النذر عبادة يتقرب بها إلى الله كالصوم والصلاة.
ومن الآيات التي تدلنا على هذا المعنى ـ كذلك أيها الإخوة ـ قوله -عز وجل-: "وليوفوا نذورهم" وذلك أن الله -تعالى- أخبر أن من منافع الحج التي تعود على أهله والقائمين به منافع دنيوية ومنافع أخروية، أما منافع الآخرة فرضوان الله -تعالى- الذي يحصلونه بالطاعات التي يعملونها من الطواف بالبيت وذكر الله -تعالى- والهدى وغيرها من أعمال الحج ومن هذه العبادات الوفاء بالنذر الذي نذروه للبيت قال سبحانه: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) [الحج/27 - 29] "فأخبر الله أن الحج فرصة لوفاء الناذر لهدي أو ذبح أو غيره عند البيت أن يفي بنذره في هذا المكان المبارك وهذا لا يكون عليه من الله -تعالى- هذا الحث الشديد إلا إن كان عبادة من أجلّ العبادات."
وذكر الآية ألخرى التى بدأ بها الخطية فى الوفاء بالنذر فقال :
"ومن هذه الآيات التى تدلنا على أن النذر قربى وعبادة الآية التي قدمناها في صدر الخطبة وهي قوله -تعالى-: " يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " فقد دلت على أن النذر طاعة وعبادة وقربى إلى رب العالمين -سبحانه وتعالى- يمدح أصحابها ويثنى عليهم ويعدهم الجزاء الحسن، فقد وردت هذه الآية في سياق صفات الأبرار في سورة الإنسان قال -تعالى-: "إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) [الإنسان: 5، 7] ". وهذا بلا شك ثناء ومدح وتعظيم لهذه الصفة في ضمن مدحهم وثنائهم وتعظيمهم وهو يدل ـ بلا شك ـ على أنها قربى وعبادة يحبها الله -تعالى- ويرضاها. قال الحافظ ابن حجر: يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْوَفَاء بِهِ قُرْبَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى فَاعِله، لَكِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِنَذْرِ الطَّاعَة، وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد فِي قَوْله -تعالى- (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قَالَ: إِذَا نَذَرُوا فِي طَاعَة اللَّه، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: النَّذْر مِنْ الْعُقُود الْمَأْمُور بِالْوَفَاءِ بِهَا الْمُثْنَى عَلَى فَاعِلهَا."
قطعا النذر هو أى طاعة يفرضها المسلم على نفسه دون أن يفرضها الله عليه فهو شىء زائد على الفرائض وعرف النذر يقول قتادة فقال:
"قال قتادة: كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله أبراراً.
هذا ـ أيها الإخوة ـ من القرآن الكريم، فإذا ما ذهبنا نطوف في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وجدناها هي الأخرى قد دلت على أن النذر طاعة وعبادة لله كذلك ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِه».
والحديث صريح في أن النذر طاعة وما كان طاعة فهو عبادة لله -تعالى- وفي الحديث الذي تقدم معنا في اللقاء السابق عن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- قال:" نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ "قالوا: لا قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ ". قالوا: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم».
فأمره النبي أن يمضي ما نوى من الخير والطاعة لمّا لم يكن ثم مانع، والحديث أخرجه أبو داود وإسناده على شرط الصحيحين.
فإذا ثبت -أيها الإخوة- أن النذر عبادة من العبادات فإنه لا يصرف إلا لله -تعالى- وحده، ويحرم أن يصرف لغيره"
والمستفاد من الكلام ان النذر يكون بعمل طاعة زائدة لله وليس بعمل معصية
وتحدث عمن ينذرون عمل معاصى فقال :
ثانياً: حكم من نذر لغير الله.
أيها الإخوة الكرام! ثبت لنا أن النذر عبادة وطاعة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وهذا بالطبع إذا كان النذر في طاعة وليس في معصية كما سمعنا في حديث عائشة: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" فمن نذر نذر طاعة فليوف به وليفعله ومن نذر نذر معصية فلا يعمل به ولا يأته ولا يفعله. وبعض الناس يفهم خطأ أن النذر كله غير مرغوب فيه في الشرع المطهر فهماً منهم لبعض الأحاديث التي فيها أن النذر لا يأتي بخير وأنه إنما يستخرج به من البخيل
والتحقيق أن النذر نوعان: نذر مجازاة ونذر ابتداء فنذر المجازاة هو أن يقول الشخص شيئاً يلتزم فيه قربة من القربات في مقابل حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، كما نسمع من بعض الناس يقول: إن نجح ابني فعلي لله كذا أذبح خروفًا، أتصدق بمائة جنيه وهكذا أو يقول: إن شفى الله مريضي تصدقت، أو إن عافاني الله من هذه المصيبة سأحج إلى بيته، أو فلله على أن أصوم كذا يوم، فهذا علق النذر على حصول شرط وهذا معنى المجازاة.
وهذا النذر مكروه غير مستحب وترجع كراهته لأمور منها:
أولاً: أنها طاعة مشروطة على الله -تعالى- وهذه سوء معاملة مع الله -جل وعلا-.
ثانياً: أن فيه سوء ظن بالله مع أنه الكريم المنان الذي يعطي بغير حساب.
ثالثاً: أن هذا حال البخيل الذي لا يوقع الطاعة إلا عند الحاجة والاضطرار ولذا روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تنذروا، فإن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل".
وفي مسلم من حديث ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "النَّذْرُ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلاَ يُؤَخِّرُهُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»
وقال بعض أهل العلم: الدخول في النذر ابتداءً غير مرغّب فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، قال: "لا تنذروا" وذلك لأن الإنسان في سَعَة في أمور الطاعة غير الواجبة، إن شاء فعلها وله أجر، وإن شاء تركها ولا حرج عليه، والله لا يحب لنا أن نكلف أنفسنا شيئاً لم يوجبه علينا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وإدخال الإنسان نفسه في نذر غير واجب عليه في الأصل، قد يعجز، وقد يشق عليه، وعلى هذا تُنزَّل الأدلة التي تمدح الذين يوفون بالنذر، قال -تعالى-: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)} هذا مدح لهم، بعد أن ينذروا، ليس مدحاً للدخول في النذر، وإنما هو مدح للوفاء به بعد لزومه، فالإنسان إذا التزم شيئاً لله من الطاعة وجب عليه الوفاء، قال صلى الله عليه وسلم: "اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» ونذر الطاعة دَين في ذمة المسلم؛ يجب عليه الوفاء به، ومن هنا مدحهم الله.
فإذا نذر إنسان هذا النذر وجب عليه الوفاء به كما قال عز من قائل: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم"، ولهذا استحب بعض العلماء أن يقدم الشخص الذي نذر نذر المجازاة يقدم النذر الذي نذره على نفسه قبل أن يحصل الشرط فيكون من باب الصدقة التي يتوسل بها إلى الله أن يقضي حاجته وهذه وسيلة شرعية مقبولة إن شاء الله يرضيه الله -تعالى- بها ولا يسوءه ويسوق محابه إليه هذا نذر المجازاة أو المشارطة وهو كما رأينا مكروه لكن يجب الوفاء به على من أوجبه على نفسه.
وهناك النذر الذي يوجبه العبد على نفسه ابتداء من دون مشارطة أو مجازاة وهو ما يلتزمه الإنسان من غير تعليق على شرط فيقول: لله علي أن أصوم كذا أو أصلي كذا أو أتصدق بكذا وهذا مستحب وطاعة خالصة إن شاء الله من الكراهة ويجب الوفاء به فإن الله -تعالى- أمر بالوفاء بالنذر فيما نذر الإنسان من الطاعات والقربات ومدح الموفين به وهذا دليل على أن النذر والوفاء به عبادة من العبادات لأن الله لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحب أو ترك محرم أو مكروه.
هذا حكم النذر عموماً إذا كان نذر طاعة فإذا كان نذر معصية سواء كانت شركاً أو غيره فلا يوفي بها ولا يأتيها كما قال -صلى الله عليه وسلم- ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه كمن نذر أن يذبح عند قبر ولي أو مشهد نبي أو عند عتبة ضريحه أو نذر أن يضيء القبر بالشموع وغير هذا من النذر الشركي.
وكمن نذر أن يشرب خمراً أو يفطر رمضان أو يصوم العيدين أو غير ذلك من نذور المعصية، فهذا لا يوفى بنذره بل ينصرف عنه، فنذر المعصية لا يجب الوفاء به ولا تستحب بل محرم الوفاء به مطلقا نسأل الله معافاته.
والشاهد -أيها الإخوة- من هذا التقسيم كله أن النذر عبادة لها أحكام في شرع الله -تعالى- فمن صرف هذه العبادة لغيره -عز وجل- فقد أشرك بالله جل في علاه.
فمن النذر ما هو شرك بالله -عز وجل- كأن ينذر لغير الله من الجن أو الأولياء الصالحين أو أصحاب المشاهد والقبور. وهذا عبادة لغير الله -تعالى- فهو شرك وهذا واقع في هذه الأمة بكثرة من حين وجدت الأضرحة وبنيت على القبور وصار كثير من الناس يتجهون إليها، لأنهم قيل لهم:
إن هذه القبور فيها بركة وفيها نفع وفيها دفع ضرر وإنها محرمة فمن نذر للقبر الفلاني أو للشيخ الفلاني فإنه يحصل له مقصوده، إن كان مريضاً يشفى، وإن كانت امرأة تريد الحمل فإنها إذا نذرت للشيخ الفلاني تحمل، وإذا حصل بالناس تأخر مطر أو خير نذروا لهذه القبور نزل المطر إلى غير ذلك من المغريات التي قيلت للناس ألقاها إليهم الشيطان على ألسنة أوليائه المنتفعين من وراء ذلك وما أكثرهم.
وقد يفعل بعض الناس ذلك ويحصل الله لهم مقصودهم ابتلاء وامتحاناً منه -جل وعلا- أو قد يكون هذا قدره فصدف أن حصل فيظن الجهال أن الشيخ أو الولي هو الذي ساقه وهذا جهل بالله وقضائه وقدره -عز وجل-."
وبعد كل هذا الكلام انتهى الكاتب إلى الخلاصة وهى :
فالنذر -أيها الإخوة- النذر لغير الله شرك من وجوه:
"الوجه الأول: أن النذر بالطاعات عبادة لله -تعالى- مدح المؤمنين بها فصرفها لغير الله شرك.
الوجه الثاني: أن النذر لغير الله مبني على اعتقاد أن الضر والنفع في يد هذا المنذور له وليس في يد الله وأنه يعلم حال الناذر وأنه يتصرف في الأمور ويقضي الحاجات ويفك الكربات واعتقاد ذلك فيما سوى الله شرك أكبر فإنه لا يملك ذلك إلا هو -سبحانه وتعالى-.
الوجه الثالث: أن النذر لغير الله يدل بالضرورة على محبة ذلك الغير حبًّا جمًّا يساوي أو يزيد عن حب الله ولأجل هذا انصرف هذا الناذر بنذره عن الله واتجه إلى الذي له نذر من ولي أو جني وهذا شرك في المحبة مع الله.
الوجه الرابع: أن غالب الذين ينذرون لغير الله -تعالى- ينذرون للأموات وهل الميت يملك من أمر نفسه شيئًا فضلًا عن أن يملك نفع غيره أو ضره فيا عقل هذا العاقل الذي يطلب ممن لا يملك ولا يقدر بل ولا يستحق شيئا ويطلب إليه الحوائج والأشياء وهذا شرك أن نطلب من الأموات أو الأحياء ما لا يقدر عليه إلا الله وصدق ربي إذ يقول: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: 31] ".
ويقول جل شأنه: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة: 165]. لهذه الأسباب جميعا -أيها الإخوة- كان النذر لغير الله -تعالى- شرك ينبغي الترفع والابتعاد والاجتناب له نسأل الله أن يقينا الشرك كله دقه وجله علانيته وسره ولابد وقد تحدثنا عن النذر أن نتناول سريعًا بعض الأحكام اللازم للعبد معرفتها عنه "
كما سبق القول كل ما يحكم النذور هو :
طاعة زائدة لله فالنذر المذكور فى قصة آل عمران ليس فرضا على المرأة ولا غيرها وهو :
نذر الطفل لله والمقصود أن يكون خادما لبيت الله
ومن ثم لا نذور فى زيادة صلوات أو صيام أو ... على النفس لأن الله حدد عدد الصلوات وحدد أيام الصوم ومن ثم يعتبر ذلك معصية لله لأنها مخالفة لما حدده الله وإنما النذر يكون فى المال سواء نقود أو أنعام أو اطعام
وتحدث عن بعض أحكام النذور فقال :
ثالثاً بعض الأحكام التي تتعلق بالنذر، فمن هذه الأحكام:
أولاً: نذر العبادة بمكان معين: أيها الإخوة! من كان نذر لله -تعالى- عبادة في مكان معين فقال: لله على أن أصلي كذا وكذا في مكان كذا، أو على لله أن أصوم كذا أو كذا في مكان كذا. ينظر هل للمكان الذي نذر العبادة فيه مزية في الشرع تختص بما قاله كأن يكون قال: لله على أن أصلي بالمسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا مشروع ويتعين عليه ذلك، أما أن يكون مكاناً غير هذا فهذا تلزمه القربى وهي الصلاة والصوم فقط ولا يلزمه المكان، كأن قال: لله -تعالى- علي أن أصلي كذا وكذا في مسجد كذا يقصد مسجدًا غير المساجد الثلاثة هذا يلزمه أداء الصلاة ولكن في أي مكان، لأن المسجد الذي نذره لا يتعين في الشرع وليس له ميزة على غيره من المساجد."
وما أباحه الخطيب محرم فلا يحل تخصيص مكان بصلاة أو بغيرها لأن تلك النذور المكانية من الممكن ان تؤدى لكوارث كاخلاء بعض بلاد المسلمين من الناس وهو ما يسهل عملية احتلالها من قبل الأعداء
ثم قال :
ثانيًا: النذر لشيخ معين: ومن نذر لشيخ معين فإن كان حيّاً وقصد الناذر الصدقة عليه لفقره وحاجته أثناء حياته كان ذلك النذر صحيحاً وهذا من باب الإحسان الذي حبب فيه الإسلام. ولو كان هذا الشيخ ميتاً وقصد الناذر الاستغاثة به وطلب قضاء الحاجات منه فإن هذا نذر شرك لا يجوز الوفاء به.
ثالثاً: كفارة النذر: إذا حنث الناذر أو رجع عن نذره لزمته كفارة يمين بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ولا يبدأ بالصيام كما يفعله كثير من الناس إلا إن عجز عن العتق أوالإطعام أو الكسوة. والدليل على ذلك ما روى الترمذي وغيره من حديث عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كفارة النذر كفارة يمين". وقد قال بعض العلماء هذا الحديث من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشمل كل نذر حتى نذر المعصية وعليه فمن نذر معصية فيجب عليه الامتناع عن فعلها وأن يُكفر كفارة يمين."
يجب ان نفرق بين نذر دون حلف ونذر بحلف وهو القسم على العمل فالمقسوم عليه كفارته تكون كفارة اليمين لكون يمين وأما النذر وهو قطع عهد على النفس فكفارته ككفارة كل الذنوب وهو :
الاستغفار فقط
ثم قال عن نذر الصوم الذى مات الناذر فيه فقال :
"رابعا: من مات وعليه نذر صيام: إذا نذر شخص صياماً ثم مات قبل أن يوفي به وجب على أوليائه أن يصوموا عنه ذلك النذر، وأولياؤه هم أقرب الناس إليه روى ابن ماجة أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "إن أمي توفيت وعليها نذر صيام فتوفيت قبل أن تقضيه فقال ليصم عنها الولي".
وكذا من نذر حجًّا أو صدقة أو نحوهما يصح النيابة عن الغير فيها يجب على الأولياء أن يوفوا به."
وإباحة صوم أقارب الناذر الميت لا ينفعه بشىء لأنه ما ينفعه هو عمله وهو سعيه كما قال سبحانه :
" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"
وأنهى الرجل خطبته بالدعاء للناذرين حراما أن يتوب الله عليهم فقال :
" وأخيراً أتوجه بالدعاء إلى الله أن يتوب على الذين فعلوا ما حذرنا الله منه من النذر و تقديمه للقبور أو للجن أو الشياطين أو حتى للأولياء والصالحين وأن يردهم إلى الحق ردّاً جميلًا.
فهذه النذور يجب أن يعلموا أنها باطلة، لا يجوز لناذرها الوفاء بها فإن وفى بها ونفذها صار مشركاً بالله الشرك الأكبر فيجب عليه أن يتوب توبة نصوحًا فيها الندم الشديد والعزم على عدم العودة الى ذلك وهذا في النذر الواحد فكيف بمن أفنى عمره بالنذور وضيع ماله بالنذور كلما أحس بشيء أو خاف من شيء أو رجا شيئاً راح ينذر للأولياء والصالحين؟"