جمعيات العمل الخيري بإمكانها أن ترفع الحظر الدعائي المضاد والتشهير بقيم العمل "الجمعياتي
البحث عن الإسلام في الإنترنت شدني للدين الجديد.. والقرآن هزني من أعماقي
المسلمات الروسيات الجديدات نبتة خيرية دفعت عجلة الخير في بلادنا
أبرز الصعوبات التبرع للخير الذي يكاد يكون معدوما لدينا في الجمعية
أجرت الحوار: رشيدة أحمد- موسكو
تعتبر جمعية "غولوبوشكا"؛ وتعني باللغة العربية "حمامة"، من أشهر الجمعيات الخيرية المسلمة في موسكو. وهي جمعية تعنى بشؤون المرأة المسلمة بشكل خاص، وكل ما يتعلق بهموم الأسرة المسلمة. وتشمل رعاية الأطفال وتربيتهم على القيم الإسلامية. وتقدم الجمعية العديد من الخدمات الإنسانية انطلاقا من موقعها على الشبكة الدولية للمعلومات " الإنترنت"، وتسهر على نشاط هذه الجمعية سيدة روسية الأصل من أصل مسيحي، اعتنقت الإسلام منذ سبع سنوات، وتزوجت من رجل عربي مسلم. "مداد" زار الجمعية، والتقى مع رئيستها " غالينا إيغوريفنا"، وكان الحوار التالي:
هنا روسيا يصدح فيها ا لإسلام
**"غالينا إيغوريفنا" (رئيسة جمعية حمامة) دخلت الإسلام، وكان هذا التحول في حياتك سبب نشاطك الخيري اليوم، فهل تتحدثين لـ (مداد) عن تجربتك الرائعة؟
أنا في الأصل مواطنة روسية، أستاذة في علم اللغة، كانت ديانتي المسيحية التي نشأت عليها منذ الطفولة، فالأسرة مسيحية أبا عن جد.
ذات يوم وجدتني أتدبر في أفكار حول الإسلام، وبدأ انشغالي بالمسألة بدافع روحي كبير. تعرفت على الإسلام بشكل فردي، ولم أتلقَّ تعريفا أو توضيحا من أحد حول قيم الدين الحنيف، بل كانت الإنترنت والكتب الدينية المكتوبة باللغة الروسية دليلي الوحيد. وقد أشرقت العديد من المعاني في قلبي، ثم تعقلتها بمجرد تصفحي لكتاب الله القرآن الكريم. كان شعور بداخلي يهتز لعظمة معانيه، وكأني أدركه منذ تشكلي في رحم هذا الكون. وكانت رغبتي كبيرة في التعرف يوما بعد يوم على قيم هذا الدين العظيم. لقد تمكنت من معرفة أغلب المعاني، والتجأت للتفاسير، وصرت أقتني الكتب التي تساعدني على الفهم الأعمق للشريعة الإسلامية، وفي النهاية اهتدى قلبي وعقلي إلى اعتناق دين عظيم، هو دين الله، دين الفطرة، دين الرحمة والمحبة، فانفكت عقدة اللسان، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله.
محبو الخير يجتمعون على الخير في روسيا
وكان ذلك منذ سبع سنوات. كانت الحادثة صعبة على الأهل، واعتبرها بعضهم فكرة غريبة، ولكن الله أعانني بقوة؛ فكانت حجتي في إسلامي قوية، واستطعت أن أقنعهم بقراري، وتوفقت. وقد كتب لي الله لاحقا الزواج من رجل مسلم من أصل عربي. كان دخولي للإسلام بابا مهما للتفرغ الطوعي لكل عمل خير، ومن هنا انطلقت فكرة مشروعي الذي سأحدثكم عنه اليوم.
**تحظى جمعية حمامة باهتمام كبير من قبل المعنيين بالعمل الإسلامي. فكيف تشكلت فكرة تأسيسها لديك؟ وما هي أهدافها؟
كان ـ ولا يزال ـ العمل الجمعياتي الإسلامي يعاني صعوبات وعراقيل عديدة من قبل الدولة الروسية في الماضي، كما هو في الحاضر. وعلى الرغم من صدور قانون تأسيس الجمعيات المشجع على تأسيس الجمعيات الربحية وغير الربحية، إلا أن تمتع المسلمين بهذا القانون ما زال محتشما؛ وذلك لعدة أسباب، أهمها هو عدم وجود التكاتف الحقيقي بين جمهور المسلمين بالشكل الكافي الذي يمكنهم من تنظيم أطر قوية وفاعلة في المجتمع الروسي، وبالتالي عدم رغبتهم في النشاط الجمعياتي، من منطلق عدم الرغبة في إهدار الأموال وتحمل الصعوبات والملاحقات والتضييقات، خاصة وأن المهيمنين على الحياة السياسية والإعلامية لا يقللون ـ فقط ـ من شأن نشاط المسلمين، وإنما لا يترددون في التشهير به، والتضييق عليه، واتهامه بأبشع النعوت، وليس أقلها قسوة تهمة الإرهاب. وكما هو معروف، فحتى الشخصيات التي تختارها الدولة لمهام أو مناصب دينية تمثل المسلمين لا تقوم بالأدوار الحقيقية والفاعلة التي حسبت عليها في واقع الحال، وإنما يختصر عمل هؤلاء ـ عادة ـ على المساهمة في محاصرة عملنا ونشاطنا. وبالتالي، هناك بالإضافة إلى كل العراقيل السياسية يمكن القول إن هناك تواطؤا ضمنيا بين هؤلاء الزعامات الدينية وتوجهات الدولة في التشديد والتضييق ومحاصرة النشاط الإسلامي في جمهوريات روسيا الاتحادية، وخاصة ما يرتبط من قريب أو بعيد بالعمل الجمعياتي والدعائي للإسلام. ولا سيما جمعيات العمل الخيري، التي بإمكانها أن ترص الصفوف، وأن ترفع الحظر الدعائي المضاد والتشهير بقيم العمل الجمعياتي الخيري.
نمد لهم يد العون
يمكن القول أنه في إطار هذه الأجواء والإحساس بالغبن تبلورت الفكرة والإحساس بضرورة تقديم أي عمل يمكن أن يرفد العمل الجمعياتي الإسلامي. من هنا كانت فكرة تأسيس جمعية إسلامية تعنى بشؤون المرأة المسلمة ملحة.
لقد اهتديت إلى هذه الفكرة ـ باختصار ـ انطلاقا من صعوبة الوضع المادي من جهة، واستعمالي الجيد للشبكة الدولية للمعلومات – الإنترنت-، فجاءت فكرة تأسيس جمعية "حمامة" منذ خمس سنوات، وقد احتفلت الجمعية بمرور خمس سنوات على تأسيسها منذ فترة غير بعيدة. بدأت الجمعية في البداية على شكل موقع إخباري يعنى بشؤون المرأة المسلمة، وكيفية التفاعل مع واقعها اليومي وحياتها الاجتماعية، ومشاركتها همومها ومشاكلها وشواغلها. وتطور شكل نشاط الجمعية، بالإضافة إلى نشاطه كموقع إلكتروني، إلى "مركز ثقافي يعنى بقضايا المرأة المسلمة"، ويهتم بقضايا الطفل والمرأة والشؤون العامة.
وأيضا حتى المركز أديره بمجهود شخصي، ويأخذ من وقتي على حساب عملي الأصلي في التعليم، وعلى حساب أسرتي، ولكني أقوم بكل ذلك بكامل القناعة والرضا. أما أهداف الجمعية الأساسية، فهي تتعلق بالنهوض بواقع المرأة المسلمة كالدعوة للإسلام، والاهتمام بالطفل المسلم، ورعاية الأيتام والعجزة والمرضى والفقراء والمحتاجين، وتقريب المسافات بين العائلات المسلمة في روسيا، والبحث عن التضامن. أما أهدافه، فهي اجتماعية وثقافية، وتصب في إطار العمل الخيري؛ لأن غاية نشاطنا غير ربحي؛ فرأس مالنا الإنسان المسلم وكيفية تنميته.
المسلمات الجديدات نبتة خيرية
**هل بإمكانك أن تعرفي بالنشاطات التي قمتم بها منذ نشأة الجمعية، والإنجازات التي قمتم بها لصالح المجتمع الإسلامي في روسيا؟
أجمل ما نفخر بإنجازه على الدوام، ويأتي في مقدمة أعمالنا، وهو توفيق من الله، أن دخلت العديد من النساء في الدين الإسلامي، واعتنقنه بفضل الله، ثم بفضل جهودنا في شرح قيم الإسلام ومعانيه السمحاء، في مجتمع تسوده القيم التحررية والفوضى البشرية والضياع الإنساني بكل حرماته الجسدية والنفسية. نعم، أفخر، وأشكر الله، وأصلي له، أن يَمُنَّ علينا باهتداء المزيد من الأخوات لاعتناق الإسلام. فهو الدين الذي كرم المرأة، وحررها من نير العبودية والاستعباد والتسليع. أحد صحابة الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورضي عن أصحابه جميعا ـ يقول: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". نعم. ويقول ـ أيضا ـ:"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
متمكسون بدينهم في كل الظروف
** هذا الكلام يقوله الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، ويسعدني أن تكوني قد توصلت ـ أيضا ـ إلى معرفة هذه المعاني؟؟
لقد سمعت عن هذه المعاني، ورأيتها بقلبي، فما بالك بما أنزله الله وأورده الرسول الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ؟ الجنة في الإسلام تحت أقدام الأمهات، فكيف تجهل النساء غير المسلمات قيمة هذا التكريم؟! تدمع عيني كلما تأملت في معاني هذا التكريم، وأعجب من الدعوات العالية لتحرر المرأة، ومطالبتها بالمساواة! الأصل أن يطلب الرجال من الله أن يرفعهم منزلة جنة الأمهات الصالحات. إن دخول أي أخت إلى الإسلام يشعرني بالسعادة؛ إنه أجمل وأعظم عمل أن تدعى المرأة إلى الإسلام؛ فهو انتصار على العبودية والجهل، وانتصار للكرامة. والأم مدرسة، والمدرسة هي البيت، كما أن القيم تبدأ دائما من البيت، والأم ـ كما في الإسلام ـ مدرسة البشرية. إن جمعيتنا ـ بكل تواضع ـ ساهمت في دخول 70% من النساء الروسيات اللاتي دخلن في الدين الإسلامي. كما تم تركيزنا على النشاطات الرياضية والثقافية لصالح المرأة، كذلك تعليم اللغتين العربية والإنجليزية. ونعمل كذلك على تصميم الملابس الإسلامية، حيث نعمل جادين على توفير طلبات المرأة المسلمة لكل الأعمار، وبأسعار معقولة. كذلك تمكنا من أن نفتح لكل عضو من أعضاء الجمعية صفحة خاصة به على الموقع الإلكتروني لها، حيث بإمكانه الكتابة في هذه الصفحة كل ما يريده من أفكار وخواطر ومواضيع وأمنيات. كما تمكنا من فتح خط هاتفي على ذمة النساء المسلمات اللاتي يرغبن في طلب المساعدة والمشورة.
وللأسف، توقف هذا الخط؛ بسبب الأعباء المالية. كما تمكنا من تقديم عدة خدمات لصالح الطفل المسلم، من حيث النشاطات والمخيمات وتقديم اللعب والهدايا بانتظام، وخاصة في الأعياد والمناسبات الدينية. وقد قررنا يوم الثاني من شهر حزيران من كل سنة يوما لحماية الطفل. نحن نساعد ـ أيضا ـ بيوت الأطفال، وننشط في اتجاه تعليمهم طرق التضامن، ونرسخ فيهم قيم التكافل الاجتماعي والإنساني.
كذلك سجلت الجمعية منذ تأسيسها إقبالا كبيرا بين أعضائها على التضامن والتطوع لكل عمل خيري يدعم توجهها، ويفتح الطريق والأبواب لتوسعها واتساع دائرة اهتماماتها.
هناك مكسب آخر، ويتمثل بالإذاعة الداخلية التي تعمل يوميا لمدة أربع ساعات من خلال الإنترنت، وأنا شخصيا أنشطها؛ أتلقى المكالمات، وأدير الحوارات، وأتناقش في قضايا الإخوة والأخوات من المسلمين. بالإضافة إلى ذلك تمكنا من تأسيس صحيفة للجمعية، ولكنها توقفت؛ بسبب عدم توفر الدعم المالي.
مسملو روسيا يحتاجون لمد يد العون
**كما هو معروف، يواجه عملكم العديد من الصعوبات، فهل بإمكانك ذكر البعض منها؟
لقد تمنيت أن يتمكن جهدنا من تجاوز العديد من العراقيل والصعوبات، على أن الواقع يفرض علينا نفسه بقسوة من خلال العائق المادي، وهو المشكل الكبير الذي يحد من نشاطنا، بل يقزمه ويحجمه بكل قسوة. فالتبرع يكاد يكون معدوما، وإن كل الاعتماد على الإمكانيات الخاصة. أما الإشكال الثاني، فيتمثل بالرقابة المشددة على تحركنا، وهذه الرقابة تطال الأنشطة جميعها، بدءا من تحرك الأعضاء ميدانيا وعبر الإنترنت، إلى رقابة المكالمات الهاتفية. إن العمل الخيري في جملته هو عمل إنساني غير ربحي، ويساعد المجتمع المدني على تجاوز أزماته ومشاكله، ومن المفروض أن تقدم الجهات الرسمية الشكر على ذلك المجهود.. ولكني أنسى أننا نعيش في مجتمع لا يعير ذلك العمل أي أهمية، بل لا يعترف به، ولا يرغب فيه، ويعده عبئا ثقيلا وغير محمود.
أشكركم من الأعماق على هذه اللفتة الكريمة من مركز (مداد)، ويسعدنا التعاون معكم في أي برنامج يعنى بالعمل الإسلامي في جمهوريات روسيا الاتحادية يخص شؤون المرأة والطفل، وخاصة في موسكو. وفقكم الله.
منقول .