عندما يتجمَّل القبيح
* حينما يريد الإنسان الوصول لشيء غير مشروع دون أن يتعرض
للانتقاد أو اللوم...فانه يلجأ للحيلة ..لتجميل القبيح وعمل مكياج
للفعل المكروه ليكون مقبولاً لدى الناس..من هذا المكياج ألاَّ يسمي
الأشياء بأسمائها الحقيقية..بل يختار لها اسماً له صداه الطيِّب وله بريقه
هروباً من المواجهة وتحمّل المسئولية...
= فنراه مثلا يسمِّي الخداع ذكاء,, ويسمِّي النفاق مجاملة..,ويسمي الوقاحة
صراحة ..ويسمِّي التهوُّرشجاعة,, ويسمي الغش في التجارة شطارة..ويسمي
البجاحة جرأة,,..إلى غير ذلك من الأسماء الجميلة التي تخفي عورة سلوكه..
= حتى المشاعر والعواطف الإنسانية لم تسلم أيضا من عمل نيولوك
صناعي لها..حتى اختلطت الأمور..وأصبحت لا تدري أين الحقيقة..
وأين الزَّيف؟؟ بعد أن انطفأت الإشراقات الوجدانية..وصدأت القلوب
وأكلت البارومة الأحاسيس الصادقة..وتوحَّشت المصالح..
وصارت هي المحرك الأول لسلوك كثير من الناس.
** فلا يوجد إنسان يجهل أن الرشوة جريمة ..حتى الراشي والمرتشي يعرفان
ذلك.. ولكن هروباً من بشاعة الإسم..وخداعا للنفس ابتكر الإنسان لها ماكياجا
يجملها ويحسنها فأطلق عليها::هدية/حلاوة/إكرامية/شاي /هبة..وهكذا ..تزينت
الجريمة ,,وتمكيجت,, لتخفي بشاعتها وتستر قبحها ليرتكبها الإنسان وهو مطمئن
النفس هادئ البال ..وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.
** وكل إنسان يعرف.. أن إثارة الغرائز وزغللة عيون الشباب عن طريق كشف البطون
ورجرجة الصدور والأرداف عمل مشين وترفضه الفطرة السليمة..ولكن شاشات الفضائيات
لم تعجز عن ابتكار مكياج لتجميل القبيح فغلفوها بغلاف الفن..والفن اسم جميل يتقبله
الجميع باعتباره من وسائل التثقيف الجماعي الذي يوجه السلوك العام للأفضل ويرسخ
القيم في النفوس.. ولكنْ ..أين الفن من هذا السلوك المشين ؟؟؟
** حتى الصداقة والحب والأخوة.. أصابها ما أصابها..فهناك صنف من الناس لهم قدرة
عجيبة أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.. ويظهروا الحب لمحدثهم بأسلوب ناعم
رشيق وصولاً لمصلحة ما...فإذا ما تحققت المصلحة.. أو فقد (المحبوب)موقعه.. أواحتاج لعون مَنْ سبق وأعانهم ..كانوا أول من يقفز من السفينة.
** والجميع يعرف أن الغش التجاري سلوك مذموم.. ولهذا تم عمل مكياج جميل لهذا
السلوك القبيح ..عن طريق الدعاية الصاخبة والتغليف الجميل..فإذا اصطاد هذا المكياج زبونا واشترى.. ووجد السلعة مضروبة وقتها فقط.. سيدرك انه سقط ضحية لمكياج جميل لسلوك قبيح.
** إن الجميل لا يحتاج للتجميل.. فنحن لا نعطِّر الورود لأن عطرها من داخلها..
وضمير الإنسان.. هو عطره وشذاه...والضمير الحي لا يحتاج للتجميل فهو جميل بذاته
ومهما أطعموا الأشواك عطراً **** فعيني لن ترى في الشوك فُلاَّ
سعيد حسين القاضي