نقلاً عن
مجله المعرفه - العدد 176 نوفمبر 2009
أعرضه بعون الله كاملاً نظراً لأهميته
بالتوفيق للجميع
انتبه عزيزي المعلم
ليس ذكاءً واحدًا ... بل ذكاءات متعددة
لم يكتب لنظرية أن تكون مألوفة وشائعة بالشكل الذي أصبحت عليه نظرية الذكاءات المتعددة
التي أصبح صاحبها ( جاردنر ) HowardGardner من ألمع علماء النفس المعاصرين
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا
ما سر شيوع هذه النظرية وانتشارها
دون غيرها من نظريات الذكاء؟؟!
يرجع الفضل في شيوع نظرية الذكاءات المتعددة ليس لكونها نظرية علمية
بل جاءت من الدعم والجهود الكبيرة المبذولة في الدوائر التربوية
التي تحاول تطبيق تلك النظرية في ميدان التربية والتعليم.
حيث أوضح ( جاردنر ) أن نظرية الذكاءات أصبحت تمثل
الإطار النظري والبناء الفلسفي للتربية
و إعداد المناهج و طرق التدريس و التقييم
في عديد من المدارس
لدرجة أنه توجد مدارس قائمة على
فلسفة نظرية الذكاءات المتعددة
وبات يطلق عليها مدارس الذكاءات المتعددة MISchools
في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويذكر أنه أثناء استعراض ( جاردنر )
للمصادر المختلفة لدراسة الملكات الإنسانية
كان يفكر في أفضل طريق يمكن الكتابة بها على اكتشافاته.
فقد فكر في استخدام مصطلحات مثل
Abilities, Gifts, Talents,
Capacities, Skills, Potentials
ولكنه أدرك أن كل كلمة من هذه الكلمات لها عيوبها
وغير ملائمة
وأخـــــــــــــــــــــي رًا
اختار كلمة من علم النفس هي
الذكاء Intelligence
وجمعها على غير قواعد اللغة لتصبح
Intelligences
حيث إن كلمة ذكاء لا تجمع لأنها لا تعد.
يعرف الآن بــــ « أبو الذكاءات المتعددة » FatherofmultipleIntelligences.
مفهوم الذكاء والذكاءات المتعددة
يرى ( جاردنر ) أن هناك براهين مقنعة
تثبت أن لدى الإنسان عدة كفاءات ذهنية مستقلة نسبيًا يسميها «الذكاءات الإنسانية».
أما الطبيعة الدقيقة لكل كفاءة ذهنية منها وحجمها فليست أمرًا محددًا بدقة
وكذلك الأمر فيما يتعلق بعدد الذكاءات الموجودة بالضبط
كما يرى أنه من الصعب أن نتجاهل وجود عدة ذكاءات مستقلة عن بعضها البعض نسبيًا
وأن بوسع الفرد وكذا محيطه الثقافي أن يشكلها أو يكيفها جميعًا بطرق متعددة
على أن مفهوم الذكاء لديه يختلف عن المفهوم التقليدي
فهو يعطيه معنى عامًا
إن الذكاء لديه هو القدرة على إيجاد منتوج لائق أو مفيد
أو أنه عبارة عن توفير خدمة للثقافة التي يعيش فيها الفرد.
كما يعد الذكاء مجموعة من المهارات التي تمكن الفرد من حلالمشكلات
التي تصادفه في الحياة.
وبهذا التعريف نجد ( جاردنر ) يبعد الذكاء عن المجال التجريدي والمفاهيمي
ليجعله طريقة فنية في العمل والسلوك اليومي
وهو بذلك يعطيه تعريفًا إجرائيًا يجعل المربين أكثر تبصرًا بأهدافهم وعملهم.
إن الذكاء وفق ( جاردنر ) عبارة عن إمكانية بيولوجية
يجد له تعبيره فيما بعد كنتاج للتفاعل بين العوامل التكوينية والعوامل البيئية
ويختلف الناس في مقدار الذكاء الذي يولدون به
كما يختلفون في طبيعته
كما يختلفون في الكيفية التي ينمون بها ذكاءهم
ذلك أن معظم الناس يسلكون وفق المزج بين أصناف الذكاء، لحل مختلف المشكلات التي تعترضهم في الحياة. وبالتالي يظهر الذكاء بشكل عام لدى معظم الناس
بكيفية تشترك فيها كل الذكاءات الأخرى
و بعد الطفولة المبكرة لا يظهر الذكاء في شكله الخالص.
و معظم الأدوار التي ننجزها في ثقافتنا هي نتاج مزيج من الذكاءات في معظم الأحيان
فلكي تكون عازفًا موسيقيًا بارعًا على الكمان لا يكفي أن يكون لديك ذكاء موسيقي
بل تكون لديك لياقة بدنية أيضًا
والمهندس ينبغي أن يكون لديه بدرجات متفاوتة، كفاءات ذهنية
ذات طابع فضائي ورياضي ومنطقي وجسمي.
موقف نظرية الذكاءات المتعددة
من اختبار ( بينيه ) أو المعامل العقلي
تأسست نظرية الذكاءات المتعددة (MI)
من خلال البحوث والدراسات التي أفضت إلى نقد المفهوم التقليدي للذكاء
الذي يعتمد على اختبار الذكاء أو المعامل العقلي (QI)
الذي وضع في بداية القرن العشرين (1905)
من قبل ( بينيه ) A.Binet وزميله ( سيمون تيودور)
لقياس التخلف الدراسي للتلاميذ بطلب من الحكومة الفرنسية آنئذ
إذ إن هذا الاختبار لمعامل الذكاء لا يقيس في الحقيقة سوى بعض القدرات لدى المتعلمين !
فهو يركز فقط على دراسة المقدرة اللغوية والمقدرة المنطقية-الرياضية
ومن أظهر مقدرة جيدة في هذين الجانبين فإنه يتسم بالذكاء
وبالتالي يستوعب المواد الدراسية ويمكنه ولوج المدارس العليا والجامعات
ولكن الــســـــــــــؤال عن إمكانية نجاحه في الحياة بعد التخرج
فهي مسألة لا يستطيع التنبؤ بها
ثم هل النجاح في الحياة يقتضي فقط الإلمام الواسع باللغة والرياضيات والمنطق؟
وفــــــي هـــــذا الإطـــــار
وجهت بعض الانتقادات
لطريقة المعامل العقلي (QI) المتمثلة
في اختبار( بينيه ) والاختبارات الأخرى
المنبثقة عنه، كاختبار( ستانفورد – بينيه )
واختبارات ( وكسلر) وغيرها
ومــــن هـــذه الانتــقـــــــــادات أن :
الإجابات المختصرة التي يقدمها الشخص المفحوص
عن طريق الاختبارات لا تكفي للحكم على ذكائه.
المعامل العقلي مهما نجح في التنبؤ باستعدادات التلميذ
في استيعاب المواد الدراسية
فهو غير قادر على تقديم تصور متكامل عن مختلف استعداداته العقلية وتحديد ذكائه الحقيقي.
الكفاءة المهنية التي يتمتع بها بعض الناس
لا يمكن إرجاعها فحسب إلى مسألة الذكاء المجرد بالمعنى التقليدي للذكاء
كما لا يمكن لمقاييس الذكاء المعروفة تقييم تلك الكفاءة.
وعـــلــــيه
فإن نظرية الذكاءات المتعددة تنطلق من
مبدأ أشبه ما يكون بمسلّم لديها
وهو أن كل الأطفال البشريين العاديين يولدون ولديهم كفاءات ذهنية متعددة
منها ما هو ضعيف ومنها ما هو قوي.
ومن شأن التربية الفعالة أن تنمي ما لدى المتعلم
من قدرات ضعيفة
وتعمل في نفس الوقت على زيادة وتنمية
ما هو قوي لديه.
إن نظرية الذكاءات المتعددة بعيدة عن
ربط الكفاءات الذهنية بالوراثة الميكانيكية
التي تسلب كل إرادة للتربية
وللوسط الذي يعيش فيه الفرد وينمو.
إنها نظرية تأخذ بنتائج الأبحاث في مجال علم الحياة
التي ما فتئت تبرز كل يوم المرونة الكبيرة
التي يتميز بها الكائن البشري وخاصة في طفولته.
أنواع الذكاءات المتعددة
تتألف نظرية جاردنر في الذكاءات المتعددة
من عدد من أنواع من الذكاءات أهمها
حتى الآن ما يــلـــي:
الذكاء اللغوي:
يتضمن الذكاء اللغوي حساسية الفرد
للغة المنطوقة والمكتوبة
والقدرة على تعلم اللغات واستعمال اللغة
في تحقيق بعض الأهداف
فضلًا عن
إنتاج وتأويل مجموعة من العلامات المساعدة
على نقل معلومات لها دلالة.
وإدراك المعاني الضمنية والقدرة على الإقناع
كما يشتمل هذا الذكاء على
القدرة على استعمال اللغة للتعبير
عما يدور في النفس بشكل بلاغي أو شاعري
وأصحاب هذا الذكاء
يحبون القراءة والكتابة ورواية القصص
(الإنتاجات اللغوية)
كما أن لهم قدرة كبيرة على تذكر الأسماء والأماكن والتواريخ والأشياء قليلة الأهمية.
وعادة ما يكونون من الكتاب والخطباء والشعراء
ويمتلك المعلمون بشكل كبير هذا النوع من الذكاء
وذلك بحكم استعمالهم الدائم للغة
كما يظهر لدى كتاب الإدارة وأصحاب المهن الحرة والفكاهيين والممثلين.
الذكاء المنطقي الرياضي:
وهو القدرة على استخدام الأعداد أو الأرقام بفاعلية
وإدراك العلاقات المنطقية (السبب والنتيجة) والتصنيف والاستنتاج والتعميم واختبار الفروض
وكذلك القدرة على التفكير المنطقى
كما يشتمل الذكاء المنطقي الرياضي على:
القدرة على تحليل المشكلات منطقيًا
وتنفيذ العمليات الرياضية
وتحري القضايا علميًا.
هذا النوع من الذكاء يغطي
مجمل القدرات الذهنيةالتي تتيح للشخص
ملاحظة واستنباط ووضع عديد من الفروض الضرورية
لإيجاد الحلول للمشكلات
وكذا القدرة على التعرف على الرسوم البيانية
والعلاقات التجريدية والتصرف فيها
والمتعلمون المتفوقون في هذا النوع من الذكاء
يتمتعون بموهبة حل المشكلات
كما يطرحون الأسئلة بشكل منطقي
ويمكنهم التفوق في المنطق المرتبط بالعلوم
وبحل المشكلات.
ويمكن ملاحظة هذا الذكاء لدى
العلماء والعاملين في البنوك
والمهتمين بالرياضات والمبرمجين والمحامين والمحاسبين.
الذكاء البصري المكاني:
إنه القدرة على خلق تمثلات مرئية للعالم في الفضاء
وتكييفها ذهنيًا وبطريقة ملموسة
كما يمكن صاحبه من إدراك الاتجاه
والتعرف على الأماكن وإبراز التفاصيل
وإدراك المجال وتكوين تمثل عنه.
إن المتعلمين الذين يتجلى لديهم هذا الذكاء
يحتاجون لصورة ذهنية أو صورة ملموسة
لفهم المعلومات الجديدة
كما يحتاجون إلى معالجة الخرائط الجغرافية
واللوحات والجداول
وتعجبهم ألعاب المتاهات والمركبات.
كما أنهم متفوقون في الرسم والتفكير فيه وابتكاره.
ويوجد هذا الذكاء عند
المختصين في فنون الخط وواضعي الخرائط والتصاميم والمهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين
ويمكن اعتبار ( ميكيلانج ) و( بيكاسو) نماذج
من الشخصيات التي تجسد قمم هذا الذكاء.
الذكاء الجسمي-الحركي:
يستلزم الذكاء الجسمي الحركي إمكانية استخدام
كامل الجسم أو أجزاء منه !
لحل المشكلات والقدرة على استخدام القدرات العقلية !!
لتنسيق حركات الجسم
والقيام ببعض الأعمال والتعبير عن الأفكار والأحاسيس.
كما يتضمن هذ الذكاء
مهارات جسمية معينة
كالتنسيق والتوازن والبراعة اليدوية أو العقلية
والقوة والمرونة والسرعة
ويرى ( جاردنر) أن النشاط العقلي والطبيعي
له علاقة بهذا النوع من الذكاء.
والتلاميذ المتفوقون في هذا النوع من الذكاء
يتفوقون في الأنشطة البدنية
والتآزر البصري الحركي
وعندهم ميول للحركة ولمس الأشياء بالحركات.
وهذه القدرة عند الممثلين والرياضيين والجراحيين والمقلدين والموسيقيين والراقصين.
الذكاء الموسيقي:
يتضمن الذكاء الموسيقي
القدرة على إدراك الموسيقى وتحليلها
وإنتاجها والتعبير عنها
كما يعني الفهم الحدسي الكلي للموسيقى
أو الفهم التحليلي الرسمي لها
والمتميزون في هذا النوع من الذكاء
يحبون الاستماع إلى الموسيقى
وعندهم إحساس كبير للأصوات المحيطة بهم.
كما يستطيعون القيام بتشخيص دقيق للنغمات الموسيقية وإدراك إيقاعها الزمني والإحساس بالمقامات الموسيقية وجرس الأصوات وإيقاعها
وكذا الانفعال بالآثار العاطفية لهذه العناصر الموسيقية.
نجد هذا الذكاء لدى المغنين وكتاب كلمات الأغاني
أو الراقصين والملحنين
وأساتذة الموسيقى والنقاد الفنيين.
الذكاء الاجتماعي:
يهتم هذا النوع من الذكاء
بالقدرة على فهم نوايا ودوافع ورغبات الآخرين
والتأثير عليهم
وإدراك الحالات المزاجية لهم
ومقاصدهم ودوافعهم ومشاعرهم
والحساسية للتعبيرات الوجهية والإيماءات
والتمييز بين المؤشرات المختلفة
التي تعد هاديات للعلاقات الاجتماعية بصورة عملية
فضلًا عن العمل بفاعلية مع الآخرين.
ويحتاج المربون ومندوبوا المبيعات والتجار
ورجال الدين والقادة السياسيون والمستشارون
والأطباء إلى شكل متطور من هذه الذكاءات
والمتعلمون الذين لديهم هذا الذكاء
يجدون ضالتهم في العمل الجماعي.
الذكاء الشخصي (الذاتي):
يتمحور هذا النوع من الذكاء حول
تأمل الشخص لذاته وفهمه لها وحب العمل بمفرده
ويتضمن قدرة الفرد على فهم
انفعالاته ونواياه وأهدافه
والقدرة على التوافق مع النفس وفقًا للإمكانات
والتوافق مع الآخرين
وتقدير الذات وتأنيبها وقت الحاجة
ويتطلب ذلك أن يكون لدى الفرد
صورة دقيقة عن نفسه (جوانب القوة والقصور)
والوعي بحالاته المزاجية وقدرته على الضبط
والفهم والاحترام الذاتي
والمتعلمون المتفوقون في هذا الذكاء
يتمتعون بإحساس قوي بالأنا
ولهم ثقة كبيرة بالنفس ويحبذون العمل منفردين
ولهم إحساسات قوية بقدراتهم الذاتية
ومهاراتهم الشخصية
ومن وجهة نظر ( جاردنر)
لابدأن نمتلك نموذجًا عمليًا فعالًا عن أنفسنا
بحيث نكون قادرين على استعمال المعلومات في حياتنا.
الذكاء الطبيعي:
يتضمن هذا الذكاء القدرة على فهم الكائنات الطبيعية
من نباتات وحيوانات
ويتضمن أيضًا الحساسية
تجاه الظواهر الطبيعية الأخرى
(مثلًا: تشكيلات السحب والجبال)
والأشخاص المتميزون بهذا الصنف من الذكاء
تغريهم الكائنات الحية وملاحظتها
وتصنيف الأشياء الطبيعية من نباتات وحيوانات
ويحبون الوجود في الطبيعة.
ولعل ( شارل داروين ) و( ليني )
و( جان روستاند) و( كوفيي)
أفضل من يجسد هذا الصنف من الذكاء.
إن كل نوع من أنواع الذكاءات
هذه يتراوح بين بعدين:
أحدهما /
يمثل أقصى قمة من النمو والتطور
والآخر /
يمثل نواته وبدايته.
وتبعًا لذلك
فإن أي ذكاء يوجد بنسب مختلفة لدى الأفراد
تتراوح بين الضعف والقوة.
ويؤكد ( جاردنر) أن هذه الذكاءات
نادرًا ما تعمل بشكل مستقل
فهي متممة لبعضها البعض
وغالبًا ما تعمل في نفس الوقت
عندما يستخدم الفرد مهاراته أو يحل مشكلاته.