الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
إليك أنت.. نعم أنت وحدك يا من ترجو ما عند الله تعالى من الرضا والنعيم المقيم، وتخاف ما أعد الله تعالى للعصاة والكافرين من النكال والهون والجحيم.
إليك إليك يا من قد ذاق قلبُه حلاوة الإيمان وتنعم بها يوماً ما من الدهر ويا من كان يتلذذ بالمتاعب والمكاره ابتغاء رضا ربه وجنة عرضها السماوات والأرض.
إليك يا من كان ديدنه الذكر، وراحة باله الفكر، وجنته في الدنيا ترديد آيات الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار.
إليك يا من كان مرغماً للشيطان، لا يستطيع أن يُحصل منك أدنى اللمم فضلاً عما هو أعظم من ذلك.
مالي أرى الفتور قد اعتراك، والإعراض قد ارتسم على تصرفاتك، والوهن قد دبّ إلى عزيمتك التي طالما كانت مشرأبة إلى المعالي معرضة عن السفاسف.
مالي أرى الشهوات قد استعبدتك والنزوات قد تملكتك فصرت محجماً عن الخيرات، مسارعاً إلى الشهوات معرضاً عن سُبُل الرحمات.
أتراك قد اكتشفت أن التزامك واستقامتك وطاعتك لربك كانت خطأً فاخترت الطريق الآخر - طريق الغواية والمعصية والانتكاس - لتصل إلى جنة الفردوس؟!
أم تراك قد استبعدت الطريق واستبطأت النصر فسرت في ركاب الساهين اللاهين عبدة أهوائهم الذين لا همّ لهم سوى أنفسهم غير آبهين بدين الله ولا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أم تراك قد أعجبك طريق الضلالة والنكسة الذي سلكه المرتدون بعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وسلكه بعدهم من ختم الله على قلوبهم وكره انبعاثهم فثبطهم.
أم تراك قد نسيت الموت وسكراته، والقبر وظلماته، ويوم القيامة وروعاته، والصراط وزلاته، وعذاب جهنم ولوعاته وحسراته. أعيذك بالله تعالى من ذلك كله. وأعيذك بالله أيضاً من أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ )
فالسعيد من وعظ بغيره لا من اتعظ به غيره.
استسمحك العذر - يا رعاك الله - لقسوة كلماتي معك ولكنه الحب الذي أكنّه لك في صدري، وخوفي عليك من سوء الخاتمة - هما اللذان أحرقا قلبي وفطرا كبدي كلما رأيتك بهذا الوضع المزري الذي يسر العدو -
عدوك الأول: الشيطان وأعوانه من أعداء الله تعالى ويحزن الحبيب والصديق.
فهل من عودة إلى الله قبل الموت،
هل من أوبة أيها المبارك إلى روضة الطاعة وحياض التوبة والإستقامة والندم حيث الراحة وتعقبها الرحمة.
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
فأبشر ياعبدالله، فإن لك رباً واسع المغفرة باسطاً يدية بالرحمة بالليل والنهار.
واسأل الله تعالى الهدايه من قلبك بصدق، فهذا حبيبك المعصوم صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الهداية ويقول: { اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى }،
وكان يرشد إلى ذلك، كما أرشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أن يدعو ( اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي) وكان يستعيذ بالله من الضلالة بعد الهدى.
قم في ظلام الليل وانطرح بين يدي الرؤوف الرحيم واسأله المغفرة والرحمة، والعون والتسديد.
اعترف بذنبك، وابك على خطيئتك وتقصيرك، واسأل المولى أن لا يخزيك يوم الفزع الأكبر، وأن يبيض وجهك أذا اسودت وجوه العصاة والكافرين.
ابدأ صفحة جديدة بيضاء مع الله تعالى بالطاعة والإنابة الحقة
( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )
واصرف وجهك عن قرناء السوء، ورفقة الرخاء الذين لا يأبهون بك أفي نعيم صرت أم في جحيم، بل فوق ذلك هم يسألون الله تعالى أن يزيد قرناءهم عذاباً فوق عذابهم (قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ )
انفض عنك غبار القعود والحق بركب النجاة السائر إلى الله تعالى.
بعض الأسباب المعينة على الثبات والإستقامة بإذن الله تعالى:
1. ـ الدعاء الصادق ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)
2. ـ البحث عن صحبة طيبة صالحة تعين على طاعة الله.
3. ـ البعد عن كل صحبة سوء ولو كانوا من الأقارب.
4. ـ الإعتناء بكتاب الله تعالى تلاوةً وحفظاً وتعليماً لمعانيه وأحكامه فهو دواء القلوب العليلة.
5. ـ المحافظة على الفرائض وما يتبعها من النوافل.
6. ـ طلب العلم الشرعي وحضور مجالس الذكر والعلم.
7. ـ الخوف من الذنوب وتبعتها إذ هي سبب سوء الخاتمة.
8. ـ قراءة الكتب النافعة والدوريات العلمية والدعوية الطيبة بدلاً من بعض الصحف والمجلات الهابطة.
9. ـ غض البصر: ففيه راحة القلب وحلاوة الإيمان.
10. ـ تذكر عداوة الشيطان لك في كل لحظة وأنه يريد إغواءك لتكون من حزبه الهالكين الخاسرين نعوذ بالله منه.
وأخيراً... فهذا كلمات قاسية، ولكنها صادقة، جاد بها قلبي قبل قلمي شفقة عليك يا أخي ... وخوفاً عليك من نار وقودها الناس والحجارة علها أن توافق قلباً منشرحاً وسمعاً متفتحاً فتصل إلى بغيتها.
مما راق لقلبى العليل