اللعبة اليونانية بقلم د . نبيل فاروق ( صفحات من تاريخ الجاسوسية )
اللعبة اليونانية
(صفحات من تاريخ الجاسوسية )
د . نبيل فاروق
منسق ديكور باع شعب مصر للصهاينة بمائة دولار في الشهر
"الموساد" لعب مع "نيقولا اليوناني" لعبة "الاغراء" ..
أعطاه الضابط 10 آلاف ليرة و لما نفدت الليرات سلم نفسه بسهولة !
انهمك ( نيقولا جورج كويس) منسق الديكور اليوناني الجنسية المصري المولد , في اعداد و تنسيق جناح ( مصر ) في معرض ( ميلانو ) الدولي , عام 1959 م , و تحركت أصابعه الماهرة الخبيرة لتضع اللمسات الفنية الأخيرة علي عمله , الذي بدا أنيقا مبهرا , خلب لب العاملين معه و أثار حسد و غيرة أصحاب الأجنحة الأخري , و تراجع (نيقولا) ليلقي نظرة شامله علي عمله , و هو يبتسم في ثقة و زهو , عندما سمع تصفيقا حارا أنيقا يأتي من خلفه , مع صوت يقول بالايطالية :
رائع .. عمل رائع بحق ..
التفت (نيقولا) الي صاحب الصوت , الذي بدا له ايطاليا , من قمة رأسه حتي أخمص قدميه , و هو يواصل في حرارة :
- أنت موهوب بحق يا (نيقولا)
سأله (نيقولا) في دهشة , و هو يتأمله في حذر :
هل تعرفني ؟
مد الرجل يده يصافحه , قائلا :
- بالطبع .. من ذا الذي يجهل أبرع منسق ديكور .. أنا (ايميليو فرانشيسكو) .. مهندس ديكور , و أعلم أنك أيضا منسق ديكو , في شركة ملابس الأهرام .. أليس كذلك ؟
أكملا حديثهما في كافيتريا المعرض , و أخبره (ايميليو) أنه يحتاج الي من يمثله في (القاهرة) , و حدد له موعدا في المساء التالي , ليلتقي بمدير الشركة , التي يعمل بها ...
و عاد (نيقولا) الي عمله و هو يبتسم في سعادة , و انتظر بفارغ الصبر , حتي جاء اليوم التالي , و أسرع الي محلحلواني في قلب (ميلانو) , حيث التقي مرة أخري ب(اميليو) , و الذي اصطحب معه هذه المرة مديره المزعوم , و قدمه اليه باسم (أرمان جالوب) , و أكد له أنه معجب أيضا بعمله , و تبادل الثلاثة أطراف الحديث , و ألقي (أرمان) علي (نيقولا) عدة أسئلة , حول (القاهرة) , و أحوالها , و علاقته بها , ثم انتهي الحديث , و انتهي اللقاء , دون أن يحصل (نيقولا) علي العمل الذي وعده به (اميليو) , أو حتي يشير اليه (ارمان) .....
و طوال فترة المعرض , كان (نيقولا)بالغ التوتر , يبحث دون جدوي عن (اميليو) أو (أرمان), دون أن يجد لهما أثرا , أو يعثر علي عنوان أحدهما ..
ثم اتصل به (اميليو) فجأة , و قال :
- أنت حسن الحظ يا صاح .. لقد استعلم (أرمان) عنك , و علم أنك بارع و نشيط , ولك اتصالات واسعة, و هو ينتظرك في (روما) لتوقيع عقد العمل .
قال (نيقولا) في حذر :
- و ماذا عن النفقات ؟
ضحك (ايميليو) و قال :
- اطمئن .. يأرسل اليك عشرة آلاف ليرة ايطالية , و ستجد حجرة محجوزة باسمك في (روما) , في فندق (ديانا) .. و هناك سيتصل بك (أرمان) .
و عندما انتهت المحادثة , كان (نيقولا) يكاد يطير من فرط السعادة , في حين كان (ايميليو) يسأل (ارمان) , الذي يجلس الي جوار مكتبه ..
- ما رأيك ؟ .. أتظنه يفيدنا كثيرا ؟
أوما (أرمان) برأسه ايجابا , و قال :
- بالتأكيد ....
أومأ (أرمان) برأسه ايجابا , و قال :
- بالتأكيد .. لقد درسوا أمره جيدا في (تل أبيب) ..
هذا لأن ( اميليو) و (أرمان) لم يكونا ايطاليين . علي الرغم من هيئتهما و لغتهما ... كانا - في الواقع - ضابطي مخابرات ...
و اسرائيليين ...
انتهي المعرض , و سافر (نيقولا) الي (ميلانو) , ووجد بالفعل حجرة محجوزة باسمه , في فندق (ديانا) , و أرسل اليه (ايميليو) العشرة آلاف ليرة الايطالية فبيل سفره بالفعل , و لكن ... لم يظهر (أرمان) أبدا ...
لقد انتظر (نيقولا) عدة أيام , دون أن يظهر (أرمان) أو يتصل , و مبلغ العشرة آلاف ليرة يتبخر و ينكمش , و أعصاب (نيقولا) تتوتر و تلتهب .
ثم حدث الاتصال ..
لم يكن الذي اتصل هو (أرمان) , و انما شخص آخر قدم نفسه باسم (سميث بترز), و قال انه صديق (أرمان), و انه سيلتقي ب (نيقولا) في الصباح التالي, في قهوة قريبة من الفندق .
و التقي (نيقولا), مع (سميث) الذي بدا له أنيقا , قويا , يختلف عن (ايميليو) و (أرمان) , بشاربه الأشيب , ووجهه العريض , و تحدثا لمدة ساعة كاملة , أكد (سميث ) بعدها أنه سيلتقي به مرة ثانية , لحسم الأمر , و توقيع العقد ..
و في هذه المره نفدت نقود (نيقولا) و هوي قلبه بين قدميه , و انهارت أعصابه, و هو بضرب أخماسا في أسداس , و يتسائل كيف يحصل علي طعامه و شرابه ..
بل كيف يعود الي (القاهرة) ..
و تأزمت الأمور , و بلغت حدها الأقصي ,
ظهر (سميث) فجأة, و اتصل هاتفيا , و قال انه سيحضر لزيارة (نيقولا) في حجرته بالفندق ..
و تنفس (نيقولا) الصعداء , و انتظر حضور (سميث) في لهفة , و لم يكد يلتقي به في حجرته , حتي هتف بكل العصبية الكامنة في أعماقه :
- أين كنت يا رجل ؟ كاد القلق يقتلني .
ازاحه (سميث ) من أمامه في غطرسة , و اتخذ لنفسه مقعدا بجوار فراش (نيقولا) , و هو يرفع عينيه الي هذا الأخير , و يقول ببطء :
- نريدك أن تعمل معنا .
قال (نيقولا) في حيرة :
- و أنا وافقت و أنتظر توقيع العقد .
اعتدل (سميث), و تطلع الي عيني(نيقولا) مباشرة , و هو يقول :
- و لكنك لم تعلم من نحن .. اننا في (الموساد) ... المخابرات الاسرائيلية ..
شحب وجه (نيقولا) و ردد الاسم في ذعر ,و هو يلقي جسده علي طرف فراشه , في حين تابع (سميث):
-دعنا نتعامل بواقعية يا رجل .. صحيح انك مصري المولد , و لكنك لست مصريا و لن تشعر بالانتماء الي (مصر) أبدا .
غمغم (نيقولا) في توتر بالغ :
- لست هذه هي القضية , و لكن ..
قاطعه (سميث) و هو يقول :
- ستحصل علي مائة دولار شهريا , مقابل عدد من المعلومات العشكرية , و السياسية , و الاقتصادية عن (مصر) و سنحيطك برعايتنا و اهتمامنا , علي نحو يجعلك آمنا تماما , و من المستحيل أن يكشف المصريون أمرك .
و لم يتردد (نيقولا) طويلا هذه المرة , أمام اغراء النقود ..
و هوي ...
تـــــــمـــــــــت