السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات)
فضـــل المسارعة إلى العمل الصالح :
للمسارعة إلى العمل الصالح أهمية كبيرة تتمثل فيما يلي :
- قال صلى الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )(1) .
فالعمل في زمن الشباب أعظم أجراً لكثرة الفتن والمغريات ولأن الشاب أقدر على الطاعة لقوته ونشاطه وهو أقل شُغلاً وأكثر فراغاً . وتأملن هذا الحوار الجميل الذي دار بين المصطفى صلى الله عليه وسلم والشاب الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره وقتئذٍ فعن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : كيف أصبحت يا حارث ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا فقال : : انظر ما تقول ؟ فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ فقال : قد عزفت نفسي عن الدنيا وأسهرت لذلك ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها فقال : يا حارث عرفت فالزم ثلاثاً )(2) .
ومَن فاته ذلك فليسعى إلى تحقيقه في ولده وفضل الله واسع.
- جريان ثواب العمل الصالح للإنسان حتى بعد انقطاعه عنه إن كان المانع العذر من مرض أو سفر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا )(3) .
وحين مضى النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك وتخلف عنها من تخلف من المنافقين وبعض فقراء المسلمين الذين لم يجدوا ما يحملهم لهذه الغزوة والحسرة تعصف بقلوبهم والحزن يملؤ نفوسهم أن قعدوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال المصطفى في شأنهم ( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض ) وفي رواية ( إلا شركوكم في الأجر )(4) .
- الظفر بمحبة الله تعالى ففي الحديث القدسي ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني أعطيته ، ولئن استعاذني لأعيذنه )(5).
- محو السيئات بالصالحات ، قال الله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)(6).
وعن معاذ رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أوصني قال (اتق الله حيثما كنت أو أينما كنت قال زدني قال أتبع السيئة الحسنة تمحها قال زدني قال خالق الناس بخلق حسن)(7) .
وقد ورد في الأحاديث أن بعض الأعمال الصالحة مكفرات مثل قوله صلى الله عليه وسلم ( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) (8) .
( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء ، أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء ، أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب )(9) .
( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخُطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط )(10) .
وكذا صيام يوم عاشوراء ويوم عرفة وغير ذلك .
- دفع الكرب ورفع البلاء ، قال صلى الله عليه وسلم (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو ان الخلق كلهم جميعا أرادوا ان ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه وان أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم ان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا )(11).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي أبواي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال: ففرج عنهم، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار فسعيت حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة قال ففرج عنهم الثلثين، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذلك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء فقال يا عبد الله أعطيني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك فقال أتستهزئ بي ؟ قال فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم )(12).
- النجاة من الفتن ، قال صلى الله عليه وسلم ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا )(13)، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون )(14).
- زيادة النعم ، قال الله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )(15) وقال سبحانه (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور)(16).
فبالشكر تحفظ النعم تدوم وتزيد ، والشكر يكون بالقلب والقول والعمل .
فصلاة الضحى مثلاً شكراً على نعمة المفاصل التي تسهل حركة الإنسان بفضل الله تعالى ، قال عليه الصلاة والسلام ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزيء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى )(17) .
وفي حديث آخر (إنه خلق كل إنسان من بنى آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشى يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار )(18).
فكيف بباقي النعم !
- الحياة الطيبة في الدنيا ، قال الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون)(19).