أممُ لا تعرف ربها
الشيخ أمين الأنصاري
فقد أغوى الشيطان أُممًا وأضلَّ عقولًا حتى نسوا ربهم فمن هؤلاء الذين لم يعرفوا خالقهم ورازقهم - سبحانه وتعالى - :
قوم ثمود كفروا ربهم :
قال تعالى: " أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ "
[هود : 68].
فرعون لا يدري من ربه :
فقد سأل فرعون موسى عليه السلام عن الله سبحانه فقال :
[ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ ]؟
قال موسى عليه السلام : [ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ]
[طه : 49-50].
قارون ( أغنى رجل في العالم ) لا يعرف مَنْ يرزقه :
فقد قال له علماء قومه :
[ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ][القصص : 77].
فقال لهم:
[ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ]
[القصص : 78].
وكانت النتيجة : قال تعالى :
[ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ]
[القصص : 81].
اليهود والنصارى يتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله :
عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية:[ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ] [التوبة: 31]. فقلت: إنا لسنا نعبدهم، قال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتُحرِّمونه ويحلون ما حرَّم الله فتحلونه؟» فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم»([1]).
ويظنون أن المغفرة بأيديهم :
فإذا أخطأ أحدهم يذهب إلى ما يُسمى عندهم بـ «البابا» ويجلس على كرسي يُسمى بـ «كرسي الاعتراف» ثم يقص عليه أحداث ذنبه وتفاصيل خطيئته طالبًا المغفرة، فيقول له هذا البابا: اذهب فقد ذهبت ذنوبك، 00سبحان الله!! يطلب المغفرة من عبدٍ مثله يخطئ كبقية البشر ويذنب كسائر المذنبين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»([2]).
سبحان الله عما يصفون، فإن العبد الذي يسأل إنسانًا مثله المغفرة يكون قد ارتكب إثمين عظيمين :
أولهما : الشرك بالله؛ لأنه لا يدري أن الله وحده هو الغفار للذنوب، قال تعالى:[ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ] [آل عمران : 135]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».
ثانيهما : أنه قد فضح نفسه لعبد مثله لا يملك له نفعًا ولا ضرًا، ومثل هذا لا يغفر له، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه». رواه البخاري ومسلم.
الشيوعيون ينكرون أن لهذا الكون ربًّا ([3]) :
فلا يؤمنون بأن لهذا الخلق خالقًا ولا للرزق رازقًا ويقولون إن الطبيعة هي المادة الفاعلة والمُوجِدة لهذا الكون، وإن هذا الوجود أزلي ليس له بداية وليس له نهاية، ومن عقائدهم إنكار وجود الله وكل المغيبات، ومن كلامهم الخبيث: «نؤمن بثلاثة: ماركس، ولينين، وستالين، ونكفر بثلاثة: الله، والدين، والملكية الخاصة. عليهم لعنة الله إلى يوم الدين»([4]).
سبحان الله!! يمشون على أرضٍ لا يدرون من بسطها.
وتحت سماءٍ لا يعلمون من رفعها.
ويأكلون زروعًا لا يعرفون من أثمرها.
ويشربون من أنهار لا يعرفون من فجَّرها.
[ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ]
[الأعراف : 179].
الحيوانات تعرف مَنْ خلقها ويرزقها :
الذئب يعرف مَنْ يرزقه :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «بينما راعِ في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منه شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذِّئب فقال: مَنْ لها يوم السَّبع يوم ليس لها راع غيري»([5]) وفي رواية أحمد قال الذئب: «ألا تتقي الله؟ تحول بيني وبين رزق ساقه الله إليَّ»([6]).
البقرة تعلم من خلقها ولماذا خلقها : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلَّمته فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكني خُلِقت للحرث. فقال الناس: سبحان الله».
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «فإني أُومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب»([7]).
هل يكفي بأن تُعَرَّف بأن الله رب لتكون مسلمًا؟
الإجابة على هذا السؤال تكون بما نطق به القرآن الكريم وجاءت به السُّنة المطهرة وإليك بعضه
كفار قريش يعلمون أن الله هو الخالق :
قال تعالى: [ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ] [لقمان : 25].
فمن أقرَّ بالله ربًّا ولم يعبده وحده أو اتخذ معه معبودًا آخر لم ينفعه ذلك الإقرار. إذ أنه أقرَّ بالنعمة ولم يشكر من أنعم بها سبحانه ويعترف بأن الله هو الخالق الرازق... وحده ولكنه لا يعبده وحده. يعترفون بأن الله رب ثم يعبدون غيره!!
يعبدونهم ليقربوهم الى الله : قال تعالى :
[ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ] [الزمر :3].
فتراه قد اتخذ إلهًا غير الله أو يعبد إلهًا معه يحبه كحب الله ويدعوه من دونه ويتوسل إليه ويتوكل عليه وينذر وينحر له (سبحان الله عما يصفون).
إبليس- عليه لعنة الله- يعلم أن الله ربّه وخالقه :
فقال إبليس لله سبحانه: [ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ][الأعراف : 12].
ويعلم أن الحياة والموت بيد الله وحده :
فلما أراد إبليس الإفسَاد في الأرض وإضلال بني آدم إلى يوم القيامة سأل الله أن يُحييه إلى يوم القيامة ولا يميته.
قال تعالى عن إبليس([8]):[ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)][الحجر ].
ومن أجل ذلك من عرف الله ولم يعبده لم تنفعه معرفته تلك، كمن يعلم أن الله هو الإله الحق ولا يعبده ويأبى أن يصلي ولا يريد أن يركع له ويسجد. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([9]).
وقال أيضًا: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر([10])»([11]).
-----------------------------
([1]) رواه الترمذي في «الجامع» رقم (3094)، وأصله عند أحمد في «المسند» (4/257، 378) دون هذا اللفظ.
([2]) حسنه الألباني في مشكاة المصابيح (2341).
([3]) نشأت الشيوعية في القرن السابع عشر بأوروبا وتطَّورت على يد ماركس ولينين وستالين.
([4]) الموسوعة الميسرة (310)، وانظر كتاب «الشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد بن زكريا. ط- مكتبة الرشد.»
([5]) البخاري (3663).
([6]) انظر «دلائل النبوة» للشيخ مقبل بن هادي الوادعي.
([7]) البخاري (3663).
([8]) قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله –عزَّ وجلَّ- أجاب دعاء شر الخلق إبليس- لعنه الله- إذ قال: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر : 36].
([9]) رواه مسلم.
([10]) وكفر تارك الصلاة على خلافٍ بين العلماء، فهل يُخرج من الملة أم هو كفر أصغر؟ وكذلك اختلفوا في سبب تركها: جحودًا أم كسلًا، وكذلك في معنى كلمة «تركها» هل ترك كامل طوال عمره أم هو ترك مؤقت كالذي يترك بعض الفرائض أو يجمع الصلوات؟ فتأمل ذلك جيدًا قبل الحكم على الناس.
([11]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.