مودّة ورحمة ..
يسود اعتقادٌ خاطئٌ بين الناس أن الحب يتلاشى بالزواج، ويخبو بريقه، ويتداولون كثيراً هذا المثل فيما بينهم : " إذا دخل الزواج من الباب خرج الحب من النافذة ! " . وتراود بعض النساء مخاوف حول طبيعة الأزواج وتعاملهم، فنجدهن يرسمن في مخيلتهن صورة للزوج بأنه مستبد أو قاس عنيد.. وهذا مفهومٌ قد أوجدته بعض العادات الجاهليّة المقيتة التي قد جبّها الإسلامُ وحاربها لتسود في الأسرة المسلمة المودة والرّحمة، وزوجٌ مؤمنٌ محبٌّ يقودها ويرعاها .
ولو تأملنا حياة قدوتنا ومعلمنا نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم لرأينا من حسن تعامله مع زوجاته وتلطفه عجباً .
بدءاً من خديجة رضي الله عنها التي أحبها وأخلص لها فكان خير الزوج في حياتها وكان عنواناً للوفاء بعد مماتها ، فلا يزال يذكرها بالخير ويدعو لها، ويكرمُ كل من تعرفه وتحبه من أقاربها أو صديقاتها .
حتى إن عائشة رضي الله عنها لتقول : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة.. ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها..
ومن منّا ينسى تلك الإجابة الصادقة الشفافة منه صلى الله عليه وسلم حين سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه : من أحب الناس إليك ؟ قال : عائشة .
فلم يتحرج من ذكر اسمها، ولم يتردد بالبوح بحبها، فأي قلب كان قلبه صلى الله عليه وسلم، وأية مودة سادت في حجرات زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن .
وها هي عائشة رضي الله عنها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إني لأعلم إذا كنت عني راضية و إذا كنت علي غضبى ) قالت : فقلت : ومن أين تعرف ذلك ؟؟ فقال ( أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا و رب محمد ! و إذا كنت غضبى , قلت لا و رب إبراهيم ) قالت : قلت أجل و الله يا رسول الله ! ما أهجر إلا اسمك.
فهاهو يبوح لها بمحبته، بتفهمه، يستدعي مشاعرها لتجيبه بحب .. أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك !
وهاهو عثمان بن عفان رضي الله عنه من صدق مودته لزوجته رقية يتخلف عن غزوة بدر فيمكث لتمريضها والعناية بها .
وهاهو أبو سلمة رضي الله عنه يعاني سكرات الموت فتأتيه زوجته تقول له : بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة، ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة.
فيقول لها : أتطيعينني؟
وتجيب المرأة البارة المطيعة : ما استأذنتك إلا وأنا أريد أن أطيعك!
فيقول لها : فإذا مت فتزوجي، ثم قال: "اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يؤذيها ولا يخزيها".
ما أغلى هذا الدعاء، من قلب زوج محب حان على زوجته، فرغم كل ما يعانيه، إلا أنه يتمنى لها ألا تؤذى أو تعاني بعد وفاته .
فأي حب هذا كان في ذلك الزمان المضيء ، وأي محبة شعّت في قلوب هؤلاء الأزواج على زوجاتهم ، وأي سمو في المشاعر قد يُكتب عنه ؟!
فليفتشوا في أعظم قصص الحب العالمية التي نقشها التاريخ ، والتي يتحدث بها الناس بإعجاب في مجالسهم، وتتوق قلوبهم لأن يعيشوها ، وليقارنوها بقصص هؤلاء العظماء، سيلحظون الفرق الشاسع .
ولن يجدوا حباً أغلى ولا أعمق ولا أبقى من حب باركه الله لأنه كان في الدنيا طاعة، وسيكون في الجنة نعيماً وسعادة لا تنقطع بإذن الله .