حكايات وأسرار »الرجل الغامض«.. أقدم وزير دفاع في العالم
لماذا انقلب طنطاوي علي مبارك.. وسر العداء مع سليمان وعزمي والشريف؟! ماذا كان يقصد بحديثه للجيش الثاني الميداني عن »الوزراء الخونة«؟! وقف ضد التوريث وتمليك سيناء للأجانب.. وألقي بملف بيع بنك
تقرىر ىكتبه محمد البهنساوى الأخبار : 20 - 08 - 2012
المشير حسين طنطاوى المشير حسين طنطاوي... اسم لن ينساه التاريخ المصري لعقود طويلة... انه الرجل الذي ساقه القدر ليتولي قيادة القوات المسلحة في واحدة من أهم وأخطر مراحل التاريخ المصري... عاصر ترسيخ أركان حكم مبارك علي أنقاض وأسس ومعالم الدولة المصرية... كان يعتبره الكثيرون أحد أقوي رجال نظام مبارك..لكن شاءت الأقدار أيضا أن يكون هو بعينه المشير طنطاوي الأداة الرئيسية والمهمة التي حمت ثورة الشعب علي هذا النظام... ساند ثورة الشعب وكان أحد الأسباب القوية التي عجلت بنهاية مبارك ودفعته دفعا الي التنحي... ليقود بعدها طنطاوي البلاد فيما عرف بالمرحلة الانتقالية ما بين ثورة 25 يناير والتي شهدت تداعيات وتطورات أعتقد أنه لم يحسب لها طنطاوي ومجلسه العسكري حسابا... فكان هتاف بعض القوي ضده لكنه أوفي بوعده وسلم البلاد الي الرئيس محمد مرسي المنتخب بارادة الشعب الحرة... ويؤكد الكثيرون انه قبل منصب وزير الدفاع في الوزارة الاخيرة بصفة استثنائية حتي يتم وضع الدستور الجديد وانتخاب البرلمان وبعدها يكون قراره حول النهاية..لكن الرئيس محمد مرسي لم يمهله حتي الوصول للحظة التي يقف أمامها طنطاوي حائرا بين أن تكون لحظة النهاية او الاستمرار... وكان قرار احالته للتقاعد لينهي مرسي تاريخا طويلا للمشير طنطاوي وجاءت النهاية مغلفة بقلادة النيل التي منحها مرسي لطنطاوي
وفي هذا التقرير... ومن خلال معايشتنا للقوات المسلحة ومواقف طنطاوي الكثيرة خلال السنوات الماضية وحتي لحظة النهاية نحاول كشف بعض جوانب مهمة لشخصية المشير قبل أن يتواري عن الأنظار تماما كطبيعته التي ترفض الظهور حتي وهو علي قمة المسئولية
»الرجل الغامض«... هكذا كان وصف المشير طنطاوي طوال تواجده علي قمة هرم القوات المسلحة لما يزيد عن 20 عاما... فالكثير من المحيطين به حتي ولو زعموا أنهم يعرفونه جيدا فهذا زعم غير صحيح... فلا احد كان يتوقع رد فعل المشير علي قرار أو تصرف ما... كما أنه لم يحاول مطلقا تبرير أو شرح أسباب قرارات كثيرة أصدرها قد تبدو مبهمة... وما ساعد علي ترسيخ وصفه بالرجل الغامض أنه كان قليل الكلام والظهور الاعلامي... هذا الانزواء الاعلامي ربما كان يرجع لاسباب عديدة اولا الانضباط العسكري الشديد الذي كان يميز طنطاوي..والذي يتطلب أن يصبح الصمت هي السمة الرئيسية للقائد العسكري الناجح... وثانيا أن طنطاوي كان من الذكاء بحيث أدرك ان حسني مبارك لا يحب مطلقا الظهور الاعلامي لمن حوله... وان أسباب الاطاحة بشخصيات مهمة وناجحة حول مبارك كان بسبب حضورها الاعلامي القوي وفي مقدمة هؤلاء بالطبع المشير الراحل عبد الحليم أبو غزالة... وعمرو موسي ود.كمال الجنزوري وغيرهم كثيرين... وأذكر أننا كمحررين عسكريين قليلا ما كنا نلتقي المشير طنطاوي في مؤتمر صحفي واذا ما عقد مؤتمرا كان يطلب تأجيل نشره وندرك علي الفور أن التأجيل لمراجعة الرئيس مبارك في فعاليات المؤتمر وأخذ موافقته علي نشره..وعندما كان يسافر مبارك في مأمورية خارج مصر كان يستحيل أن تجد اخباراً او موضوعات للمشير بالصحف او التليفزيون حتي يعود مبارك... ليتحول هذا الحرص علي الغموض والانزواء الاعلامي الي جزء من شخصية المشير
البداية المزرعة الصينية
وإذا تحدثنا عن بدايات طنطاوي نجد ان اسمه محمد حسين طنطاوي سليمان ولد في 31 أكتوبر عام 1935 لأب مصري نوبي متزوج وله ولدان..حصل علي بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1956 ثم حصل علي دورة أركان حرب من كلية القيادة والأركان عام 1971 وحصل علي دورة من كلية الحرب العليا عام 1982. شارك في حرب يونيو 1967 والاستنزاف وفي نصر أكتوبر عام 1973.. كان قائدا لوحدة مقاتلة بسلاح المشاة. وبعد الحرب حصل علي نوط الشجاعة العسكري شغل طنطاوي الغالبية العظمي من المراكز القيادية داخل القوات المسلحة حتي عينه مبارك قائدا للجيش الثاني الميداني عام 1987 ثم قائدا لقوات الحرس الجمهوري عام 1988 ثم قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربي في 20 مايو 1991 برتبة فريق.. وفي 1 أكتوبر 1993 أصدر مبارك قرارا جمهوريا آخر بترقيته إلي رتبة المشير. حصل علي الكثير من الأوسمة والنياشين من مصر والدول العربية والصديقة خاصة 3 ميداليات حرب تحرير الكويت من مصر والسعودية والكويت والمعروف أن طنطاوي في حرب الخليج الاولي كان له دور محوري في وضع خطط حرب تحرير الكويت والتي حرص خلالها ان يقلل من الخسائر في الأرواح في الجانبين خاصة القوات المصرية وذلك من خلال رئاسته لهيئة عمليات القوات المسلحة وقتها وقد كانت تلك المشاركة أحد الأسباب القوية في وصول طنطاوي لمنصب وزير الدفاع
وسمعة طنطاوي العسكرية المتميزة كانت بدايتها بالمعركة المهمة خلال حرب اكتوبر وكان وقتها برتبة المقدم و خاض المعركة المعروفة بمعركة المزرعة الصينية إحدي أهم المعارك التي كان لها تأثير كبير سواء من الناحية التكتيكية علي أرض المعركة، أو من الناحية النفسية في حرب أكتوبروخلقت المعركة فكراً عسكرياً جديداً يجري تدريسه إلي الآن في جميع الكليات والمعاهد العسكرية العليا، وكتب عنها المحللون العسكريون ومن بينهم محللون إسرائيليون..
وأسفرت هذه المعركة عن فكر جديد لقائد الكتيبة 16 من الفرقة 16 مشاة وهو المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي، كما أبرزت معركة المزرعة الصينية مواقف بطولية عديدة لأفراد الكتيبة 18 مشاة بقيادة المقدم أحمد إسماعيل عطية، وهي الكتيبة التي كان لها دور كبير في تحقيق النصر بهذه المعركة..وكانت الكتيبة عبرت القناة في وقت قياسي واحتلت رأس كوبري ونجحت في عزل النقطة الحصينة في الدفيرسوار.. وخططت اسرائيل لاحتلال رأس الكوبري الذي تسيطر عليه الكتيبة لاختراقه والوصول الي غرب القناة... وركزت القوات الإسرائيلية كل وسائل النيران من قوات جوية وصاروخية ومدفعية باتجاه تلك المنطقة وخاصة في مقر تمركز الكتيبتين 16 و 18 لتدميرهما
وبدأت معركة المزرعة الصينية يوم 15 أكتوبر ورغم تركيز ضربات العدو لم يصب سوي 3 جنود فقط، وكان ذلك بسبب خطة التمويه والخداع التي اتبعتها الكتيبة...وحشد العدو قوات ودبابات واسلحة كثيفة لابادة الكتيبتين الا أن ذكاء قائد الكتيبة 16 ودهائه ساعد في الصبر علي تحركات العدو ليلا لتدمير الكتيبة وانتظر حتي تجمعت القوي وباشارة ضوئية منه منتصف الليل تم مهاجمة قوات العدو من كل جانب وتكبيدها خسائر فادحة ولاذ من تمكن منهم بالفرار... وقد وصف الخبراء هذه المعركة بأنها أكبر معركة في التاريخ الحديث من حيث حجم المدرعات المشتركة بها، كما كان لها أكبر الأثر في نصر أكتوبر المجيد، وإعطاء العدو الإسرائيلي درساً لم ولن ينساه
الخصخصة والتوريث
ورغم أن المشير حسين طنطاوي كان من المقربين للرئيس حسني مبارك طوال توليه رئاسة الجمهورية... الا أن هذا القرب لم يكن معناه انحناء الجيش أمام رغبات مبارك ونجله وحاشيته... لكنه قرب يحمل معني عسكري ايضا فمبارك وقتها كان رأس النظام وكان لابد من علاقة قوية بين الطرفين هدفها الأساسي مصلحة القوات المسلحة... فلم نسمع طوال حكم مبارك عن تورط الجيش في وقائع تزييف لارادة الشعب أو مشاركة في فساد أو تدمير البلد... و المفأجاة أن طنطاوي كانت له مواقف كان يعتبرها البعض أما انتحارية وغير محسوبة... أو بالاتفاق وموافقة مبارك لشدة تلك المواقف في مواجهة محاولة الهيمنة علي البلاد وبيعها... فقد كان طنطاوي من أشد المعارضين للخصخصة بشكلها الذي تمت به في معظمها... ولعله لم يعد سرا الان ما فعله المشير طنطاوي حين كان مجلس وزراء احمد نظيف يناقش بيع بنك القاهرة وسط معارضة شديدة من عدة قوي في مقابل مباركة من الوريث وشلته... ورفض طنطاوي وبشدة في اجتماع مجلس الوزراء بيع البنك مؤكدا أن رأيه هو الأهم لأنه مسئول عن أمن الوطن القومي وحاول محمود محي الدين وزير الاستثمار وقتها ومهندس عملية البيع إقناع المشير بالبيع قائلا "هناك فارق بين الاحتلال والاحلال وما نفعله احلال لادارة البنك" وإذا بطنطاوي يثور ثورة عارمة علي محي الدين ويقذف في وجهه ملف اوراق الاجتماع وهاجمه بضراوة وتحدا لمجلس الوزراء لو خالفوا رأيه... وبالفعل أذعن المجلس بدون تردد لموقف المشير.. ناهيك عن وقف القوات المسلحة بقرار من المشير بيع ملايين الأمتار في كافة مناطق الجمهورية لرجال الأعمال أنصار النظام... وهو من وقف في وجه تمليك الاراضي للأجانب بسيناء وكان يري أن الجيش حررها بدماء أبنائه ولا يمكن لشرذمة قليلة ان تتاجر فيها وتتخلي عنها..بل واوقف طنطاوي محاولات عديدة لأصدقاء جمال مبارك الاستيلاء علي ملايين الامتار في القاهرة الكبري...
و طنطاوي لم يكن الشخصية المحببة لسوزان وجمال وعلاء مبارك ولم يكن الشخصية اللينة والسهلة أمام الكثير من مخططاتهم خاصة الخطة الشيطانية الكبري لتوريث جمال مبارك الحكم... وقد يتساءل البعض عن سر ابقاء مبارك علي طنطاوي رغم معارضته للتوريث... وكان هذا يرجع لعدة أسباب لعل أهمها كما قلت الانضباط العسكري الشديد لطنطاوي واحترامه للقائد الأعلي مما أوهم مبارك أنه سيبارك اي قرار يتخذه... بجانب ذكاء طنطاوي ونجاحه في فصل علاقته بمبارك الي حد ما عن علاقته بباقي العائلة... اما السبب الاخر لبقاء طنطاوي أن مبارك كان يدرك جيدا مكانته داخل القوات المسلحة وحب القادة له بجانب نجاحه في الحفاظ علي الجيش قويا... وكان المخطط الخلاص من طنطاوي بالطبع لكن في الحلقة قبل النهائية مباشرة لمسلسل توريث جمال... لكن قبل ذلك كان يعد الخلاص من طنطاوي مجازفة غير محسوبة... ثم أن مبارك كان يراهن علي أنه سيورث جمال حكم مصر في حياته ووقتها سوف يحسب له طنطاوي والجيش حساب باعتباره أحد القادة التاريخيين للقوات المسلحة ويباركون التوريث
ولعل مبارك كان يراهن أيضا علي العلاقة المتوترة كثيرا بين المشير طنطاوي وعدد من أركان نظام المخلوع... فمثلا ما لا يعرفه الكثيرون أن العلاقة بين طنطاوي وعمر سليمان كان بها قدر غير قليل من العدائية وعدم التوافق بالاضافة الي الصدام شبه المستمر الذي كان يميز علاقة طنطاوي بزكريا عزمي رئيس الديوان السابق بل وصفوت الشريف كان المشير يتعمد توجيه الكلمات الشديدة لصفوت الشريف... وربما يتساءل البعض لماذا كان يسمح مبارك بهذا التنافر بين رجاله... وهم بذلك لا يعلمون طبيعة شخصية المخلوع التي يعلمها الكثيرون من عشقه للتناحر والتنافر بين رجاله وخلق الخصومات الشديدة بينهم معتقدا أن ذلك يثبت أركان حكمه ويمرر توريثه لنجله
الخطاب اللغز
الي هنا كان الاقتراب من نقطة الغليان التي تسبق الانفجار... مبارك يخطط للتوريث وفي ذهنه ضربة النهاية لطنطاوي قبل خطوة واحدة من جلوس جمال علي كرسي الرئاسة... وطنطاوي تتجمع كل الخيوط لديه في موقف يشغل باله كثيرا... فكل القريبين من طنطاوي والمتعاملين معه يدركون جيدا انه لا يسعي لسلطة ربما هذا كان نقطة الامان لمبارك... لكنه فاته في نفس الوقت أن طنطاوي قائد فذ ومن طراز فريد... ربما لا يسعي لسلطة لكنه لن يسمح أبدا أن يتم التوريث في عهده ويكتب في التاريخ أنه وزير الدفاع الذي سلم البلاد للوريث ورجاله لكن كيف الخلاص ووضع نهاية سعيدة للجيش والشعب في مسلسل التوريث الردئ... وهذا الوضع لخصه تقرير سري ومهم لوزارة الخارجية الامريكية في عام 2009 رفعته الي البيت الأبيض أكد التقرير في تحليله النهائي أن المؤسسة العسكرية لن توافق علي مخطط توريث الحكم لنجل مبارك الذي يحظي بسخط شعبي تاريخي ، لكن في نفس الوقت فإن موقف المؤسسة العسكرية من مستقبل مصر لا يمكن التكهن به ، خصوصاً وأن قيادة القوات المسلحة محافظة وتعتبر نفسها مسئولة عن استقرار البلاد في وقت لا توجد قيادة عسكرية يمكن القول أنها ستكون ذات موقف ورؤية فيما يتعلق بمصير حكم مصر
وقبل أن نصل لنقطة النهاية التي عجلت بها ورسمت خيوطها ثورة 25 يناير بطريقة لم يكن يحلم بها أشد المتفائلين بالجيش وفي مقدمتهم المشير طنطاوي نفسه... قبل أن نصل لهذا اليوم... نشير الي خطاب كان وقتها ملفت للنظر لكن لم يرتق الي مرتبة اللغز... لكن الان بالنسبة لي ولكل من سمع الخطاب اعتقد أنه يمثل بالفعل لغزا كبيرا... كان هذا الخطاب تحديدا يوم 11 يناير 2011 اي قبل اندلاع الثورة بحوالي اسبوعين... وكان المشير يومها في الجيش الثاني الميداني وألقي كلمة ارتجالية لم تكن مخططة... وكانت التعليمات بعدها انها ليست للنشر ... قال طنطاوي مخاطبا رجال الجيش ما نصه " البلد دي عايزاكوا وبقوة لازم تساندوها وتقفوا بجوارها في اي لحظة تطلبكوا فيها... بس لازم تعرفوا أننا مش هنسمح ان تكون البلد دي زي ايران او باكستان ودم اولادها في رقبتنا" ثم انتقل للحديث عن اوضاع البلد وقال وسط كلامه.. »لعلمكوا أنا عارف ان فيه حاجات كتير في البلد غلط وخلينا نقول بصراحة أن فيه وزراء خاينين للبلد دي... والخيانة دي انواع مش لازم يتجسس عليها عشان يبقي خاين لكن فيه كتير بيخون تراب البلد لكن مش هيعدوا بخيانتهم دي واحنا علينا دور لمواجهة هؤلاء«.
الي الان لا ندري هل كان الخطاب بتلك الكيفية محض الصدفة البحتة أم كان له مغزي الاجابة فقط لدي المشير طنطاوي... المهم اندلعت الثورة وكأنها فرصة علي طبق من فضة بل من ذهب للجيش للخلاص من التوريث الذي كان يمثل عقدة وعقبة كبري في مسيرة الوطن يصعب حلها... وكان البيان الأول للجيش يوم 28 يناير بعد ان نزلت القوات المسلحة للشارع والذي كشف بما لايدع مجالا لاي شك ان الجيش اتخذ قراره وانحاز للشعب ليرسما معا طريق النهاية لمبارك.. وكان هذا الخطاب بمثابة الصدمة الكبري لمبارك نفسه... والذي وجد نفسه في مأزق لم يكن يتوقعه فهاهو يسير في اتجاه تهدئة المتظاهرين لحين الخلاص من ثورتهم في مهدها... الا ان الجيش يعلن انحيازه للشعب وتفهمه للمطالب المشروعة في لهجة تحريضية علي استمرار التظاهر وصولا للثورة... وربما ما لا يعلمه الكثيرون حول ظهور مبارك في اليوم الثاني لبيان القوات المسلحة في غرفة العمليات الرئيسية... فقد سعي مبارك لاحراج الجيش والايحاء بأنه لازال تحت سيطرته فاجأ الجميع بزيارته التي لم تكن متوقعة للمركز وكان سيتم رفضها لو اخطرهم بها... ووقتها الصور تكشف جلوس طنطاوي منزويا بعيدا عن مبارك الذي بدا منغمسا في الحديث مع الفريق سامي عنان والوزير عمر سليمان.. وكان المخطط من قبل طنطاوي عدم بث صور تلك الزيارة أو إذاعتها الا أن زكريا عزمي أعد العدة وسرب افلام الزيارة للتليفزيون خلسة وخلال تواجد مبارك في غرفة العمليات... ولم يجد طنطاوي بدأ من النزول الي التحرير في نفس اليوم ولقاء المتظاهرين وتبادل الحديث الودي والباسم معهم وتكرار تاكيداته لهم أنه لامساس بمواطن او اطلاق النار علي متظاهر والانحياز التام للشعب ومطالبه المشروعة وتغطية تلك الزيارة اعلاميا.. ثم سارت باقي الايام كما نعرفها .
طنطاوي والثوار
بعد الثورة والامساك بدفة سفينة الوطن والوصول بها الي بر الامان وهنا تبدا السلبيات التي قد تكون غير مقصودة لكنها تعكس في رأي الكثيرين سوء تقدير وقلة خبرة بالطبع في ادارة شئون البلاد السياسية... فطنطاوي والمجلس العسكري عند تلك اللحظة التاريخية التي تولوا فيها ادارة شئون البلاد أدركوا أنهم يصنعون مجدا أولا للمجلس العسكري وثانيا شخصي لكل عضو بالمجلس... لذلك لم يفكروا الا في استكمال المسيرة بانفسهم وانهاء المرحلة الانتقالية وتسليم البلاد لسلطة مدنية منتخبة... لكن بالطبع كان في ذهنهم التجربة التركية بحيث يتم ادارة البلاد بعد ذلك ويكون هناك دور للقوات المسلحة في مراقبة تلك الادارة متأكدين أن الشعب والقوي السياسية سيقدرون للمجلس وقوفه ودعمه للثورة... لكنهم لم يكونوا مدركين أن أمواج بحر السياسة متلاطمة وعاتية وتقذف بعيدا من يقف في وجهها... وكانت هناك بعض الاخطاء وليست الخطايا في إدارة المرحلة الانتقالية... وهي الاستحواذ علي كل السلطات... ومحاولة الخلق السريعة لاجهزة الدولة الوليدة بعد الثورة ربما في نشوة ما تحقق اعتقدوا أنه سيكون لهم السيطرة علي تلك المؤسسات... وربما كانت الخطيئة الكبري عدم نجاحهم في التواصل المثمر مع الثوار والقوي الثورية والشباب مفجر الثورة... وكانوا أقرب للاحزاب والقوي السياسية وفي مقدمتهم القوي الاسلامية في بداية المرحلة الانتقالية... واصطدم فكر المجلس العسكري بفكر الثوار من البداية... فالثوار يؤمنون أنهم قاموا بتلك الثورة ليهدموا النظام البائد بكل أركانه لبناء نظام جديد يحقق اهداف الثورة... اما المجلس العسكري تحت قيادة المشير فكانت نظرتهم للأمر أمنية... كانوا يرون أن سقوط رأس النظام يكفي الثورة أما هدم النظام فيضر باستقرار البلد وأمنه القومي ومستقبله السياسي ومن هنا كان الصدام... بجانب التشدد في التعامل مع بعض أشكال التظاهر وايقاع ضحايا مما نال بعض الشئ من علاقة الجيش بالقوي الثورية مبكرا وفشلت كل محاولات التقارب... ناهيك عن البطء في محاكمات رموز النظام المخلوع ومعهم قيادات الأمن والحزب الوطني المتهمين بقتل المتظاهرين
المشير والرئيس .. النهاية والقلادة
وسارت الامور كما تابعنا جميعا بكل تطوراتها... الي اعلان فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة... وما صاحبها من أمور كانت متوقعة من البعض الرافض للرئيس الجديد والبعض الاخر الرافض لاي ظهور للعسكري علي الساحة السياسية وضرورة العودة للثكنات... وطبيعتنا كبشر كانت تحتم وجود صراع بين الرئيس والسلطة الجديدة التي تسعي لممارسة مهامها كرئيس للجمهورية... وبين سلطة ظلت في مقدمة المشهد لشهور ومن الصعب عليها الانسحاب المفاجئ من هذا المشهد الذي تعتقد انها السبب في خلقه بتلك الصورة الجديدة علي البلاد... كان الصراع خفيا وغير معلنا... وبدأت الاقاويل والشائعات... ما بين محرض للمجلس العسكري علي الرئيس الجديد... ومن يردد شائعات عن قصد ان المجلس سينقلب علي الرئيس الجديد ان عاجلا أو اجلا... وأمام هذا المشهد الذي يتجه للتعقيد... كان قرار مرسي بفك طلاسم هذا المشهد نهائيا بقراراته المدوية باحالة المشير والفريق الي التقاعد... مع منح المشير طنطاوي قلادة النيل كآخر مشهد للمشير في الحياة السياسية بعد تاريخ طويل وحافل... لكن هل سيظل مشهد القلادة هي الاطلالة الاخيرة للمشير ليتفرغ للراحة وحياته الخاصة... أم مسلسل المفاجآت بمصر والذي بدا بعد الثورة وحتي الان يجهز حلقة جديدة من حلقاته للرجل الغامض