فهذه الدنيا التي ينغمس فيها كثير من النّاس ويضيعون من أجلها الآخرة لينالوا بعض متاعها ويتمتعوا ببعض ملذاتها
الشيخ فرحات سعيد المنجي
وشهواتها، ماهي والله الا سراب خادع ،فعلى المسلم ان يعلم جيداً أن الدنيا أيّام محدودة، وآجال مضروبة، وأعمال محسوبة، بل وأنها قصيرة جدا حتى وإن طالت في عين المخدوعين بزخرفها، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [فاطر:5]، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح".، فهذا الحديث العظيم أصل في قصر الأمل في هذه الحياة، وكأن الإنسان فيها على جناح سفر فهو يتأهب للرحيل.
ويقول الدكتور صبرى عبد الرؤوف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر : من يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، ومن ترك لنفسه هواها، وسعى لها في تحقيق أهدافها دون مؤاخذة ولا محاسبة، دامت حسراته وقادته إلى الخزي سيئاته.
فعلى المسلم الذى يريد ان يخف حسابه غدا بين يدي ربه ان يحاسب نفسه الآن قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» رواه الترمذي .
ويقول المولى جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]. وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
فبهذه الآيات وأشباهها تأكد اولوا الالباب ان الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنّهم سيناقشون الحساب، وتأكدوا انه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلاّ لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، ومطالبة النفس في أنفاسها وحركاتها ومحاسبتها من خطراتها ولحظاتها، وهذه الأيام فرصة جيدة للمسلم الحق ان يحاسب نفسه وان يعود الى مولاه ،قال عمر: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإنّما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا".
وعليه ان يسأل نفسه في نهاية عامنا كيف قضيناه، وعن وقتنا فيه كيف أمضيناه وينظر في كتاب أعماله ليرى ما سطره، فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه، وإن كانت الأخرى تبنا إليه واستغفرناه.، ويجب ان نعلم ان من أكثر محاسبة نفسه ملك زمامها وخف حسابه عند الله.
ويقول الدكتور محمد عبد الرحمن الطنطاوى -استاذ التفسير جامعة الأزهر- انه على المسلم في ختام عامه أن يتوب إليه سبحانه عما بدر منه فيما سبق، وأن يكثر من ذكره فيما بقى، فإن من تاب وأصلح فيما بقى غفر الله له بمنه وفضله ما
مضى وما بقى، ومن أساء فيما بقى أخذه الله بما مضى وما بقى.
فمن ثوابت هذا الدين أن الأعمال بالخواتيم كما ثبت في أحاديث المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم: «وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
ويستحب كثرة الاستغفار وكثرة ذكر العزيز الغفار في أعقاب الطاعات والقربات قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198]، {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 200]. {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء: 103]، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عقب الصلاة: « أستغفر الله ثلاثاً اللهم أنت السلام...».
ومع بداية عام هجرى جديد نأمل ونحن نودع هذا العام أن تعمل الأمة على توديع أوضاعها المأسوية ومعالجة جراحاتها المتعددة في جسدها ، والواجب على أبناء الأمة وقادتها أن يكون لديهم الوعي الكامل والإدراك الشامل بمخاطر أعدائها ومخططاتهم، فاعداء المسلمين يريدون قطع دابر الدين كي تضعف القوى ويُتبع الهوى وتعم البلوى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} [النساء: 89].
هدفهم واحد ألا يعز الإسلام، ولا يقوى اليقين لدينا والدليل على ذلك إنهم يصرون على تمزيق أهل الإسلام حتى يصبحوا وبلدانه قطعاناً في بقاع الأرض،فعلى المسلمين رؤساء ومرؤوسين، أن يعلموا أن معركتهم مع عدوهم هي معركة دين وعقيدة، ومعركة قيم وأخلاق ومبادئ ولعل العام الجديد يكون فرصة جيداً لاتخاذ خطوات صائبة فى صالح أمة الإسلام