الدولة العبيدية الفاطمية في مصر
محاولات العبيديين الفاطميين لفتح مصر
الحقيقة أنه رغم الجهد الكبير الذي بذله خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية لتحقيق الاستقرار لهم في بلاد المغرب إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك فكلما أخمدت ثورة ظهرت أخرى.
ولذا كانت عيون العبيديين ( الفاطميين ) على مصر وقد حاول فتحها عبيد الله المهدي مرارًا منذ سنة 301هـ حيث وجه إليها جيشًا بقيادته، وحال النيل دون تقدمه شرقًا والوصول إلى الفسطاط، فعاد إلى الإسكندرية ولكن الجيش انهزم على يد جيش الخليفة العباسي المقتدر بعد معارك دارت بينهم في برقة، وعاد الجيش إلى المغرب.
وفى سنة 306 وجه عبيد الله جيشا بقيادة ابنه أبى القاسم فاستولى على الإسكندرية ثم سار إلى الجيزة، وتوغل العبيديون (الفاطميون) في بلاد الوجه القبلي لكن مؤنس الخادم استطاع أن يقهر هذه الحملة وأحرق سفن العبيديين (الفاطميين)..
وفى سنة 321 أرسل جيشًا بقيادة جيش حبش بن أحمد المغربي ولكن هزم في سنة 322 على يد محمد بن طغج الإخشيدي كانت هاتان الحملتان بالتنسيق مع ابن طاهر الجنابي أمير القرامطة ببلاد البحرين.
وفى سنة 323 أرسل أبو القاسم الخليفة الثاني العبيدي (الفاطمي) جيوشه إلى مصر فدخلت الإسكندرية بسهولة ووجدت مناصرة من بعض زعماء المصريين مما يدل على انتشار الدعوة العبيدية الشيعية (الفاطمية) بمصر، ولكن العبيديين (الفاطميين) هُزِموا على يد الإخشيديين. وبقيت العلاقات بعد ذلك بين حكام مصر والعبيديين (الفاطميين) يشوبها التربص والحيل.
في سنة 334 هـ حرص كافور الذي كان وقتذاك يحكم مصر (وكان يقوم بالوصاية على أنوجور بن الإخشيد) على تحسين العلاقة مع الخليفة العباسي وكذلك مع الخليفة العبيدي ( الفاطمي)، فكان يهادي صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء، وفي هذه الآونة وجه الخليفة العبيدي ( الفاطمي) المعز اهتمامه لتوسيع دائرة الدعوة العبيدية (الفاطمية) في مصر، حتى استطاعوا أن يأخذوا البيعة للمعز من رجال بلاد كافور وكبار موظفي دولته، كما أنه عمل على إنشاء الطرق وحفر الآبار في الطريق إلى مصر سنة 356 هـ.
قيام الدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر
وفى سنة 357 مات كافور فاضطربت الأحوال بمصر وتردت الحالة الاقتصادية بها، وحل الوباء والقحط بالبلاد من جراء انخفاض النيل، وعجزت الحكومة عن دفع رواتب الجند، مما حمل كثيرًا من أولي الرأي بمصر على الكتابة إلى المعز لدين الله يطلبون منه القدوم إلى مصر..
وفى 14من ربيع ثاني سنة 358 هـ سار جوهر الصقلي على رأس جيش للعبيديين (الفاطميين) قوامه مائة ألف فارس، فدخل الإسكندرية بغير مقاومة ولما وردت إلى الفسطاط أخبار وصول جوهر إلى الإسكندرية، رأي الوزير المصري جعفر بن الفرات ومن معه أن يفاوضوا جوهر على شروط التسليم وطلب الأمان على أرواح المصريين، فالتقوا به عند تروجة (إحدى قري مركز أبي المطامير بمحافظة البحيرة) في 18من رجب سنة 358 فأمّنهم جوهر على أموالهم وأنه ما جاء إلا للإصلاح كما نص في كتاب الأمان، على أن يظل المصريون على مذهبهم السني ولا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي..
بيد أن طائفة كبيرة من الجند المصريين رفضوا هذا العقد، ودخلوا في معركة حربية مع جوهر الصقلي ولكنهم استسلموا في النهاية وطلبوا إعادة الأمان.
بناء القاهرة والجامع الأزهر
وبدأ عهد جديد لمصر في ظل الحكم العبيدي (الفاطمي) ووضع الأساس لبناء مدينة المنصورية (القاهرة) في 17 شعبان سنة 358 شمالي الفسطاط وأسس القصر الذي سينزل به المعز وعرف باسم القصر الشرقي الكبير.
ظلت القاهرة تعرف بالمنصورية أربع سنوات، ثم سماها المعز القاهرة تفاؤلا بأنها ستقهر الدولة العباسية، وجعل جوهر بسور القاهرة أربعة أبواب؛ باب النصر، باب الفتوح، باب زويلة، وباب القوس، ثم بدأ بناء الجامع الأزهر سنة 359 وتم بناؤه في سنتين، وذلك ليكون خاصا بشعائر المذهب العبيدي الفاطمي، خشية إثارة المصريين إذا ظهرت هذه الشعائر في مساجدهم.. وأقيمت الصلاة في الجامع الأزهر لأول مرة 7من رمضان سنة 361هـ، وتحولت الدعوة على المنابر إلى الخليفة المعز، وضرب السكة باسم الخليفة العبيدي الشيعي ( الفاطمي) بدلاً من اسم الخليفة العباسي، كذلك منع جوهر الناس من لبس السواد شعار العباسيين، وزيد في الخطبة على عادة الشيعة.. (اللهم صل على محمد النبي المصطفى، وعلى على المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا، اللهم صل على الأئمة الراشدين، آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين).
د. راغب السرجانى