العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 01-19-2010, 07:24 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي المقصود بالعلم؟ -محاضرة-

المقصود بالعلم؟ -محاضرة-




إعداد: جيرفي امبارجا (الكاميرون) وجان مارك فلوري(كندا)

ترجمة: مجدي سعيد
مراجعة: نادية العوضي ووليد الشوبكي

1: مقدمة
أحدَث العلم تحولات عميقة ومذهلة في عالمنا المعاصر. ومن حُسن الطالع أو من سوئه أنه لم يعد ممكنا تحاشي تأثيرات العلم التي تغلغلت في أوجه الحياة شتى. ومن ثمّ، سنسعى في هذا الدرس لاستكشاف ماهية العلم. وسنبدأ بإلقاء نظرة على القواعد والأدوات الأساسية التي جعلت "العلم" أفضل وسيلة لإدراك الواقع والتعرف إلى حقيقة الأشياء (5-2). بعدها سنتعرض لبعض مفكري القرن العشرين الذين نبهوا لحدود ومخاطر العلم (5-3). ثم نختم الدرس بنظرة على جوانب معينة تتعلق بالعلم كما يمارس اليوم (5-4).


بنهاية هذا الدرس نأمل أن:
  1. يزداد فهمك لماهية العلم: ما يندرج وما لا يندرج تحت مظلة العلم.
  2. تعي أسباب أهمية العلم وأوجه قوته، وكذا حدوده ومنتهى إمكانياته.
  3. تتمكن، بمهارة وثقة، من محاورة ممارسي العلم حول عملهم ومدى جودته.
يتبع ان شاء الله
*****
***







آخر مواضيعي 0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
0 اللهم فرج هم كل مهموم
0 أتركنى أسكن عينيك
0 ﻣﺎﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
رد مع اقتباس
قديم 01-19-2010, 07:25 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: المقصود بالعلم؟ -محاضرة-

2 :سبل عديدة للمعرفة
2 - 1 : معنى أن نعرف
في هذا الجزء من الدرس سنتعرف على طريقة إنتاج المعرفة العلمية، وكذا كيف نميز بين العلم وغيره من طرق الحصول على المعرفة. وإذ نصل لهذه النقطة، منطقي أن يتساءل المرء: كيف نمسك بهذا الشيء المسمّى العلم؟ أين يبدأ وأين ينتهي؟

يبدأ العلم من لحظة: "أود أن أعرف"

أن يرغب المرء في أن يعرف، فهذا أمر بديهي، لدرجة أن محاولة تعريف ذلك قد تبدو غريبة. والحق أن توضيح المقصود بـ "أن نعرف" قد يكون أمراً معقدا للغاية، إذ أن هاتين الكلمتين قد تحويان بين دفتيهما مدى واسعا من المعاني.

فلو استعرضنا مثلا قائمة بمرادفات ذلك الفعل البسيط، لوجدنا أن "يعرف" قد يكافئ في دلالته، وحسب السياق، أفعالا أخرى مثل "يفهم"، "يحصّل"، "يقرأ"، "يرى"، "يدرك"، "يشعر"، "يقيم"، "يتعرف"، "يعتبر"، "يحلل"، "يمارس"، و"يتقن". ولفعل "يعرف" عباءة رحبة من الدلالات. فأن "تعرف" شخصاً يعني أنك التقيته (شخصيا أو من خلال إنجازاته)، ومن ثم تستطيع أن تتعرف على هذا الشخص من وسط الجموع، وأن تدرك وجوده. ولكن لكي تعرف شخصاً حقاً وصدقاً، فيجب أن تعرفه عن قرب، إلى الحد الذي يمكنك من التنبؤ بسلوكه وردود أفعاله، وكذلك أن تتمكن من شرح دوافع ذلك السلوك وتلك الأفعال لآخرين.

أما أن تعرف شيئاً، أو واقعة، أو ظاهرة، فيعني ذلك أن تستطيع وصفها بصرياً وعملياً، وأن تشرح كيف تتفاعل مع الأشياء حولها، وكيف تؤثر في محيطها وتتأثر به.

بيد أنه عند الحديث عن العلم، يكتسب الفعل "يعرف" أبعادا جديدة. فهنا "يعرف" يعني أن يشغّل المرء غريزة حب الاستطلاع أو الفضول المنتِج الإيجابي؛ أن يلاحظ وأن يجمع معلومات وافية، ثم يربط بينها حتى يتعرف على، ويميز، ويصف الأوجه المختلفة للـ "حقيقة"، كأقرب ما يكون للصواب. والحقيقة المقصودة هنا قد تكون شيئا أو أمرا في عالم الواقع أو مفترضا؛ طبيعيا أو مصنوعا، مجردا أو متجسدا، في العالم المحسوس أو عالم ما وراء الحواس.

وبإعمال فضيلة حب الاستطلاع تَنتج المعرفة.

وفي أغلب الأحوال تمكننا المعرفة من استخدام المنطق، ثم في المحصلة تساعدنا على تشييد رؤانا على أسس من المنطق والعقلانية.
هل أنت عقلاني؟

العقلانية نتاج استخدام العقل والمنطق. وتستمد اللفظة الإنجليزية (rationality) جذرها من نظيرتها اللاتينية (ratio)، وتعني الحساب المنطقي. وكذا الأمر بالعربية؛ فالعقلانية مشتقة من جذر "عقل"، وتعني بالأساس إعمال العقل كبديل عن الاستسلام للهوا أو العاطفة أو عقول الآخرين. وليس المنطق كالحدس، أو الشعور، أو رد الفعل التلقائي، أو العواطف، أو الاعتقاد. فالمنطق يبدأ معتمدا على البديهة، ثم يتطور مع تنامي قدرة المرء على العد والقياس والترتيب والتنظيم والتصنيف والشرح والمحاججة.

فالخطاب العقلاني إذاً مترابط، وأخضعت أوجهه المختلفة للنقاش والتفكر. كما أنه يقوم على نوع من "الحساب المنطقي" الذي يختلف عن الرأي الشخصي. وتنطبق تلك الخصائص على الخطاب العقلاني عامة، مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة.

أما اللاعقلانية فتعني رفض الانصياع للمنطق. والشخص اللاعقلاني لا يتبع المنطق، ويعمل بما يخالفه، وتكون قراراته غالبا غير مترابطة. ويحوي العالَم اللاعقلاني عالَم المجهول والخرافة والروحانيات والأشياء غير الممكنة، بما فيها تلك التي تنافي المنطق.
أين تبدأ المعتقدات؟

مع استكشافنا لمعنى "أن نعرف" نقترب مع معنى المعرفة في أوجهها المختلفة.

الآن نتقدم خطوة للأمام لاستكشاف معنى المعرفة الموضوعية (المتجردة)، والمقصود بها أن نحلل الظواهر كما هي، محتفظين بتحيزاتنا وآرائنا جانبا. وتلك طريقة مستنيرة للمعرفة والتقييم، وتجلب معها نوعا من السلطة: سلطة أن تقبل وترفض، تتبنى وتدحض، وأن تحتفظ بقدر من المسافة لترى الأشياء والظواهر أوضح وأدق— بل وربما في النهاية، سلطة تغيير ترتيب الأشياء والظواهر. ويصحب المعرفة دوما واجب المزيد من إعمال العقل وإلقاء الأسئلة ومناهضة فجوات الجهل لدينا. فالإلمام بمعرفة عن شيء يعني أنك قادر على استخدام المنطق في ملاحظته وتحليله.

وتختلف المعرفة عن المعتقدات. فالمعتقدات تشرح طريقة سير العالم من حولنا بأن تخلع عليه قدرات وصفات ومشاعر وعواطف؛ ومن ثم فإنها تقول بوجود خصائص أصيلة في الأشياء. مثلا، يمثل الرقم 13 للبعض نذير سوء. وتعتبر بعض الثقافات قوس قزح إشارة على حظ عاثر قريب، إذ تظن أن القوس سيف الرب. وفي ثقافات أخرى ينبئ قوس قزح بأماكن إخفاء الكنوز، ومن ثم فإنه فأل حسن.

وتتطلب المعتقدات قبولا والتزاما فوريا؛ إذ أنها تمد جذورا شديدة العمق في دواخلنا. فالمعتقد الديني يمثل في الأغلب محاولة شخصية، وحميمية، لاكتشاف الحقيقة (بمعناها الكبير). ومن ثم، تتطلب المعتقدات أن يؤخذ منظورها للحقيقة (شرحها للتاريخ والعالم الطبيعي من حولنا) بغير تبديل. أي أن المعرفة الدينية تتطلب قبول الوقائع والمقولات التي ربما يتعسر أو يستحيل إقامة الدليل على صحتها أو خطئها. فوجود الله، مثلا، ليس مما يبحثه العلم؛ وإنما هذا مجال المتعتقدات، حيث ليس ثمة سبيل عملي لإثبات أو نفي وجوده. فالديانات العظيمة التي شكلت وتشكل وجدان وتاريخ البشر عبر القرون – مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية والهندوسية – هي المختصة ببحث مثل تلك الموضوعات، وليس العلم.



يتبع ان شاء الله
*****






آخر مواضيعي 0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
0 اللهم فرج هم كل مهموم
0 أتركنى أسكن عينيك
0 ﻣﺎﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
رد مع اقتباس
قديم 01-19-2010, 07:25 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: المقصود بالعلم؟ -محاضرة-

2 - 2 : المعرفة الشائعة أو اليومية

ما المعرفة الشائعة؟ وكيف تختلف عن المعرفة العلمية؟

نحتاج لكي "نعرف" أن نطرح الأسئلة، وأن نفكر بطريقة نقدية (فلا نأخذ الأمور على علاتها)، وأن تختبر الوقائع، والأشياء والأفكار.

لكن ثمة درجات متفاوتة من الأسئلة. ففي حياتنا اليومية، تزودنا الأشياء التي نتفاعل معها بخبرات فورية وملموسة. فحواسنا الأولية – من بصر ولمس وشم وتذوق وسمع – تمدنا تلقائياً، وبغير تفكير، بإجابات مباشرة ومفهومة ومتوقعة عن الواقع. تلك الإجابات، في الأغلب، انعكاس للثقافة والتقاليد الراسخة لدى كل جماعة بشرية.

يطلق البعض على هذا النوع من الخبرة المعرفة الشائعة ، الحسية، الأولية، أو الفورية. فالتفسيرات التي تأتينا من تلك المعرفة مؤسسة على فرضيات فضفاضة، تأتي في الأغلب من الموروث الشفاهي. وغالبا، يتناقل هذا الموروث بغير تمحيص، ويتألف من تعميمات تبسيطية ومتعجلة. كما تنبني تلك المعرفة غالبا على ملاحظات بسيطة: فنقول مثلا بأن الشمس تشرق وتغرب؛ أو أننا نرى أن السماء سامقة بغير عمد. ومن ثم، فالمعرفة الشائعة تقف عند ملاحظة الأشياء والظواهر، ولا تسعى أو تأمل في تغييرها.

كيف ننشئ معارفنا الشائعة

تتكون معارفنا الشائعة من خلال ما نصادِف طوال حياتنا. وينتقل قسط كبير من تلك المعرفة من جيل للذي يلحقه بغير تطوير.

وتنشأ المعرفة الشائعة من خلال تعاملاتنا اليومية مع بيئتنا، ومن الطريقة التي تُعرّف بها كل ثقافة الوجود أو الكون. ويتشارك في عملية الإنشاء هذه أسرنا، وأقاربنا، وأصدقائنا، وجيراننا، والقبيلة أو الجماعة التي ننتمي إليها. هذا المجتمع الإنساني، الأثير لدينا، يُكوّن وينقل للأجيال التالية أفراحه وأتراحه، آلامه وأحلامه للمستقبل، نظرته للحاضر وعبرته من الماضي والتقاليد الموروثة. بيد أن هذه المعرفة قد تنطوي على الخرافة.

ففي المعرفة الشائعة، خاصة تلك التي نستقبلها بحواسنا، نخلع على الطبيعة خصالا كتلك التي يتصف بها البشر (كالمشاعر والفضائل والنوايا وردود الفعل). ورغم محدودية المعرفة الشائعة التي تأتينا مع عائلاتنا أو مجتمعاتنا الصغيرة، فإن الحياة ربما تصبح مستحيلة بدونها. ففي غياب تلك المعرفة سنضطر للتفكير مجددا، ودون توقف، لفهم كل كبيرة وصغيرة تصادفنا، مما قد يلقي بنا في دوامة لا نهاية لها من التردد، والتعثر، والقرارت المتأخرة.

وليست المعرفة الشائعة أمرا يخص ثقافة أو حضارة دون أخرى. وإنما لكل ثقافة وحضارة نسختها من المعرفة الشائعة. فالمعرفة الشائعة نقطة انطلاق كل منا في حياته اليومية وفي تفاعلاته مع أقرانه. بل إن العلماء أنفسهم يبدؤون مسيرهم صغارا معتمدين على المعرفة الشائعة، قبل أن يتجاوزوها في مرحلة لاحقة.

استخدام المعرفة الشائعة

استخدام المعرفة الشائعة، أو رؤية الآخرين وهم يستخدمونها، أمر يحدث يوميا. لترى ذلك بنفسك، كل ما عليك فعله هو أن تذكر لصديق بعض المستجدات العلمية عن أحد الموضوعات الشائعة. مثلا: يوجد على بعض الطرق الألمانية السريعة لافتات تطلب خفض السرعة؛ وتظهر الدراسات أن ذلك يؤدي لتدفق أيسر لحركة السير.

وغالبا ما سيكون رد الفعل الأول لصديقك أن يعترض على صحة هذه المعلومات الجديدة، ويدافع عما يعتقد أنه الحقيقة (أن إبطاء السرعة يؤدي إلى إبطاء حركة السير عامة). ونشاهد هنا كيف اعتمد رد الفعل الأولي على المعرفة الشائعة وليس على التمحيص المتأني.



يتبع ان شاء الله
*****






آخر مواضيعي 0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
0 اللهم فرج هم كل مهموم
0 أتركنى أسكن عينيك
0 ﻣﺎﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
رد مع اقتباس
قديم 01-19-2010, 07:26 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: المقصود بالعلم؟ -محاضرة-

حول المعرفة المتعمقة

تبدأ المعرفة المتعمقة أو المنهجية بأن يقرر المرء التحرر من السطوة الآنية الزائدة لعينيه، وأذنيه، وفمه، وأنفه، وجلده؛ بمعنى أن نكف عن الاستجابة العمياء للمعرفة التبسيطية التي تمدنا بها هذه الحواس.

ويستطيع المرء عندئد أن يقرر استخدام مَلَكَة الملاحظة لديه بطريقة أكثر منهجية؛ مثلا، بإيلاء انتباه أكثر للتفاصيل العادية، أو بالسعي لاستكشاف أبعاد جديدة للأشياء والظواهر اليومية من خلال تعميق معرفته بتفاصيلها. والمقصود أن نتجاوز ظاهر الأشياء وننفذ عبر غلالة التكرارية والاعتيادية التي تحيطها.

وتتطلب المعرفة المنهجية أن نتخذ دروبا غير تلك التي خبرناها وألفناها. ومن خصائص المعرفة المنهجية أنها ليست نهائية؛ فإجاباتها دوما قابلة لإعادة النظر. كما أن تلك الإجابات لا تتأتّى سريعا، وإنما بالتعمق والبحث. وفي رحلة المعرفة المنهجية، الأشياء – وكذا توصيفاتها – في حالة تطور مستمر، وهو ما يناقض الركود الذي تتسم به المعرفة الشائعة.

ومن خصائص المعرفة المنهجية أيضا أنها تحتاج دوما لإثبات وسند. ومن ثم فإنها تولد النقاشات (والجدل)، وتثير الأسئلة، وترفض أن تأخذ الفرضيات على علاّتها. إنها تحثنا على أن نعيد النظر الآن فيما كان مقبولا بالأمس؛ وتدفعنا لأن نخطو بذات الثقة في المجالات والنقاشات غير المطروقة كما في تلك التي اعتدناها وعرفناها. فالمعرفة المنهجية سعي دائب للمعرفة لا تقف أمامه المحظورات.

المعرفة المنهجية بناء من صنع البشر: بناء لا يكتمل أبدا، فيقبل دوما أن يضاف إليه وأن ينزع منه

فعلى النقيض من المعرفة اليومية، والتي نلتقطها كل يوم من محيطنا، تقوم المعرفة المنهجية على المؤسسات المتخصصة، وتقود لقيام المزيد منها. وتحتاج المعرفة المنهجية التزاماً شخصياً، قد يصل لحد تقديم التضحيات. كما أنها تتطلب تعلماً نظاميا تدريجيا، في المدارس والمعاهد ومؤسسات التدريب، كما لابد أن يدعمها البحث. وتلتزم عملية التعلم هنا بمنهاج دراسي يؤكد على أهمية أن يصحب المحتوى التعليمي تمسك بالموضوعية وانصياع للحقائق وصبر ونكران للذات.

وفي بعض الأحيان، تستغلق لغة المعرفة المنهجية على غير العاملين في مجال معين (كالطب مثلا)، فتبدو وكأنها شيفرة تخالف ما اعتاد عامة الناس في الحديث. وفي الغالب تنتج المعرفة المنهجية مدى واسعا من "الملحقات" التي لا تكتمل حلقة المعرفة إلا بها، مثل المراجع، والدبلومات، وشهادات الإنجاز والتفوق، والمكافآت ومناهج التقييم.

كيف نتعرف على المعرفة المنهجية؟

تهدف المعرفة المنهجية إلى تصور، وإنشاء، واستكشاف ما لا نعرف. ومن ثم فإنها لا يمكن أن تستند إلى التقليد، ولا تطيق الرتابة. وإنما تنظر بعين ناقدة، وتَفحص، وتلقي الأسئلة، ثم تعيد التحقق باستمرار من أساليبها وأدواتها، وكذا من سبل تحصيل المعلومات عبر حواس البصر واللمس والشعور. أما أداتها الأساسية فالمنطق، الذي يرفض ويدحض السطحية والتبسيطية. وباستخدام هذه الأداة، تختبر المعرفة المنهجية بشكل دائم المقاربات التي تستخدمها في تحليل الظواهر وإنشاء التصورات عن المجهول. ومن ثم فإن للمعرفة المنهجية المتعمقة منهاجها الخاص.

والمعرفة المنهجية مظلة واسعة، تضمن في كنَفِها المفكرين والفنانين والحرفيين، ومؤلفي الأعمال الفكرية والأدبية والعلماء.

وربما يثار السؤال هنا: أثمة أوجه للشبه بين العالم والفنان والكاتب: مثلا، بين آينشتين، وموتزارت، وشكسبير؟ ربما تكون الإجابة "لا" – إلا لو أعدت النظر.

ففي مؤلفات كل من هؤلاء الثلاثة الكبار قدرة عميقة على ملاحظة العالم من حولنا وتأمله ووصفه. وقد رفض ثلاثتهم أن يشاهدوا العالم أو يقاربوه من منظور الاعتيادية المريح الذي فضله آخرون وسابقون. وإنما حاول كل منهم بلوغ مستويات جديدة من المعرفة في مجاله.

ولكن أمِن المنطق أن نضع أنماطهم المعرفية في سلة واحدة؟ في الواقع ثمة اختلافات بين أساليب تحصيل وإنتاج كل منهم للـ "معرفة". والحق أن للمعرفة العلمية خصائصها المميزة.



يتبع ان شاء الله
*****






آخر مواضيعي 0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
0 اللهم فرج هم كل مهموم
0 أتركنى أسكن عينيك
0 ﻣﺎﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
رد مع اقتباس
قديم 01-19-2010, 07:27 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: المقصود بالعلم؟ -محاضرة-

مقدمة إلى المعرفة العلمية

العلم، مثل الفن، شكل من أشكال المعرفة المنهجية. ولكن فروقا جوهرية تميز بين الاثنين:

إذ تعتمد منهجية المعرفة في الفن على تفضيلات الأفراد (الفنانين) في تعريفهم لما هو جميل؛ أو إن شئت، تعريفهم للجماليات والعواطف بوجه عام. فالفنانون الكبار والمؤلفون أصحاب الأعمال الفكرية الخالدة ينفذون خلف الانطباعات الأولى والسطحية بالسعي خلف الجوهر الكامن للأشياء. وهم قد يفعلون ذلك عبر عوالم خيالية مصطنعة، في قصة أو فيلم أو لوحة أو مقطوعة موسيقية، بغية توصيل ذلك الجوهر لعامة البشر ممن غشيت أبصارهم الاعتيادية، أوحال بينها وبين التعمق في النظر حُجب الانطباعات الأولى. ولأن الفن ينطوي على نسخته الخاصة من المعرفة المنهجية، فليس بمقدور الأفراد الذين يفتقدون الخبرة الكافية أن يقدروا عملاً فنياً حق قدره. وإنما يقتصر ذلك على هؤلاء الذين يستطيعون التعرف على تفرد الأسلوب لدى الفنان، وما يشمله ذلك من فهم للرمزية في العمل الفني، ومكان إنتاجه، وزمانه، ثم في المحصلة يتمكنون من الوصول لرسالة أو جوهر ذلك العمل. والأعمال التي تنتجها المخيلة البشرية فحسب (من أدب وسينما وموسيقى وغيرها) غير موضوعية لأنها ترتبط بمؤلفيها وتعتمد عليهم.

أما في العلم، فالمنهجية شيء آخر. فإذا كان الفن يركز على مسألة "الذائقة" (أي قدرة الأفراد على فهم وتقدير ما تنتج قرائح المبدعين)، فإن العلم يركز على إنتاج وصف صادق للعالم من حولنا. ولتحصيل ذلك، فالمنهجية في العلم تعني التعمق في الملاحظة، وقياس الأدلة والظواهر ومقارنتها ببعضها البعض، واتخاذ عنصر الوقت كعامل مؤثر في الظواهر، واستخدام المحاججة والمنطق، وتنحية التحيزات والتفضيلات الشخصية جانبا.

كيف نعرف العلم حين نراه؟

تهدف المعرفة العلمية إلى فهم الطبيعة والكون الذي نعيش فيه من خلال النظر والبحث في مكونات معروفة ومحددة وموضوعية. ولهذا النمط من المعرفة قواعده.

فمثلا، يقدم العلماء أطروحاتهم المبنية على تبريرات منطقية. ومن الأساليب الشائعة والمثالية في هذا الصدد أسلوب البرهنة (demonstration). فليس ثمة برهان أفضل على اتساق الأدلة والفرضيات من عرض ما يدل على ذلك. والبرهنة في العلم قد تعني أشياءا عملية مثل التجارب في المختبر، حيث توضح الظاهرة في تطورها بين السبب والنتيجة. والبرهنة تبين النتائج بما لا يدع مجالا للتشكك. ومن ثم فإنها تمهد الطريق لاستخلاص التعميمات، مما قد يؤدي بدوره لإمكانية التنبؤ بمستقبل الظاهرة محل البحث. هكذا يعمل العلم الحديث. وهو ما يخالف ما كان في العلوم القديمة التي كانت، بقربها من الدين، تستخدمه كمرجعية لا يمكن تفنيدها، وكانت تركز في مسعاها على الـ "لماذا" (أي أسباب تغير ظاهرة ما) وليس الـ "كيف" (أي السعي لفهم وتحليل كنه أو جوهر الظاهرة).

العلم التجريبي الحديث

يبدأ العلم الحديث بـ "التشكك المنظم" (وهو المصطلح الذي سكه عالم الاجتماع الأمريكي روبرت ك. ميرتون).

وقد بزغ العلم الحديث في القرن السابع عشر – خلال ما صار يُعرف بحقبة التنوير. والعلم الحديث مبني على مفهوم الحقائق التي تُرى بالعين. ويقوم العلم على المقارنة بين ما نظنها حقائق من ناحية، والواقع على الأرض من ناحية أخرى، وذلك عبر إجراء التجارب. ولهذا يحتاج العلم لمختبرات وأدوات لدراسة كل شيء، من أصغر جزيء على الأرض إلى أكبر جُرم في الفضاء. ويعتمد العلم على طرائق صارمة وأدوات موثوقة لجمع الشواهد الكافية لتوكيد أو نفي الفرضية محل البحث.

بيد أن "التشكك المنظم" في العلم لا يقف عند الفرضيات والنظريات، وإنما يطال كذلك الطرائق المستخدمة في جمع المعلومات. فالعلماء في دأب موصول للتحقق، ليس فقط من صحة فرضياتهم ونظرياتهم، وإنما أيضا للتحقق من الأدلة والمعلومات التي أكدت أو أطاحت بإحدى الفرضيات.

وفي أحسن الأحوال، يتسم العلم التجريبي بالاستقلالية عن الشخص الذي يقوم بالملاحظة أو يجري التجربة. فلُبّ العلم التجريبي أنه موضوعي وغير شخصي، ويتسق مع الواقع كما نراه بأعيننا. كما أنه يتسق مع المعرفة التي أنتجها علماء آخرون وأكدها غيرهم.

وفي أحسن الأحوال أيضا، يمنحنا العلم نتائج منطقية، واضحة، لا يلتبسها أي غموض. ويمكن إثبات صلاحية تلك النتائج أو دحضها باستخدام المحاججة والمنطق [وسنتعرف على ذلك بإمعان في الجزء القادم بتناول مفهوم كارل بوبر حول "الخَطَئِيّة" أو "إثبات خطإ النظريات العلمية" (falsification)].

ثم إن النتائج العلمية تحتاج – لتستحق هذا المسمى – أن تتحمل الاختبارات المتعمقة والشاملة التي يجريها باحثون آخرون. فأحد أركان العلم الحديث أن يتمكن الباحثون من الوصول لذات النتائج لو اتبعوا ذات الخطوات التي استخدمها الباحث الذي أجرى التجربة أول مرة. وهذا، في مجموعه، يسمى العقلانية العلمية.

ويستطيع العلم الحديث استخراج الحقائق من المعطيات والمشاهدات التي تم التحقق منها باستخدام الطرائق التجريبية. ومن أهم خصائص التجارب أنها تلخص لنا الظواهر المعقدة في معلومات رياضية. فمثلا، لو أننا لاحظنا أن عدد الأسماك في بحيرة ما يتناقص، نستطيع أن نصف تلك الظاهرة بمعلومات رياضية: كم عدد السمكات الصغيرة في لتر مكعب من الماء؟ وكم كان عددها قبل أسبوع وبعد أسبوع؟ ما وزن السمكات في لتر مكعب من الماء، قبل وبعد أسبوع، مثلا؟ ما متوسط ما تنتج تلك البحيرة بالكيلو جرام خلال الشهر الماضي؟ وخلال هذا الشهر؟ ما مقدار الملوثات في اللتر المكعب من ماء البحيرة؟ وكيف يقف هذا الرقم أمام نظيره من الشهر الماضي أو العام الماضي؟ وهكذا دواليك. ويختلف ذلك بالطبع عن التوجه غير العلمي الذي يأخذ الظواهر ككل هلامي لا يستطيع المرء أن يفعل شيئا حياله.

والخلاصة أنه بينما ركز العلم القديم على محاولة شرح الـ "لماذا" (أي أسباب تغير ظاهرة ما) يركز العلم الحديث على الـ "كيف" (أي السعي لفهم وتحليل كنه أو جوهر الظاهرة، وعلاقة أصل الظاهرة بالتغير الحادث فيها).



يتبع ان شاء الله
*****






آخر مواضيعي 0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
0 اللهم فرج هم كل مهموم
0 أتركنى أسكن عينيك
0 ﻣﺎﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
رد مع اقتباس
قديم 01-19-2010, 07:28 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: المقصود بالعلم؟ -محاضرة-

قبل أن نناقش الطريقة العلمية، نلقي أولا نظرة على الطرق المتاحة الأخرى لفهم العالم من حولنا.

أثمة شيء غير العلم يساعدنا على فهم العالم؟

تاقَ البشر دوما لفهم الطبيعة من حولهم وكذا لتفسير السلوك البشري. ومن بين المقاربات العديدة التي استخدمت، كان الدين الأوفر حظا بتوفيره بعض الإجابات. إذ اعتبره كثيرون طريقة لبلوغ الحقيقة. ويقول رجال الدين إن لديهم إجابات لأسئلة مثل: من نحن؟ أين نحن؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ ما الغرض من الحياة على الأرض؟ وغيرها. ولاتزال الأديان الكبرى حتى اليوم يقدم كل منها رؤاه للكون، من المنشإ حتى المنتهى. ومن ثم فإن الصحافي الذي يكتب حول العلم يجب أن يحترم الأديان، باعتبارها تقع ضمن نطاق اهتمامات الأفراد كل على حدة. ويجب على الصحافي أيضا، لدى الحديث عن العلم، أن يتأكد من نأي مقالته أو مادته الإعلامية عن السياق الديني ونقاشاته.

وأحيانا يتناقض الدين والعلم. فهناك حالات معروفة لعلماء أُدينوا لأنهم قالوا بحقائق تعارض ما قال به الدين. مثلا، أدانت الكنيسة الكاثوليكية كوبرنيكوس وجاليليو لأنهم قالوا بأن الأرض كروية وأنها ليست في مركز الكون.

ومن بين المقاربات التي استخدمت لفهم العالم أيضا مفهوم "المرجعية اليونانية". والمقصود بذلك أنه إذا أدلى مفكر إغريقي مرموق ومشهور برأي في الأزمان الغابرة، فإن ذلك الرأي يظل صالحا للأخذ به أبد الدهر. ومن أمثلة ذلك الهالة التي تُخلع على مؤلفات الفلاسفة الكبار مثل أفلاطون، وأرسطوطاليس، وفيثاغورس، أو النُّسّاك البارزين مثل هِرمس االيوناني، الملقب بثالث الثلاثة الكبار.

ولدينا كذلك في مجتمعاتنا هذه الأيام السحرة، والمعالجون، والدراويش، والذين يقدمون بدورهم رؤاهم حول العالم من حولنا. ولدى الكثير منهم معرفة ما بمحيطهم، قد تكون معرفة عملية مباشرة، أو استبطانية غير حسية (mystical). وفي المقابل هناك من يتبع الخرافات والتهويمات، بينما يطور آخرون أنظمة موازية للمعرفة، كما الحال في القبائل البدائية في أفريقيا وآسيا. وكل هذه أنظمة معرفية ليست "علمية" وفق التعريف الحديث، ولكنها بصورة ما حفظت بقاء قبائل أو تجمعات بشرية لمئات السنين.

أركان العلم

يشيد العلم الحديث المعرفةَ على الأركان التالية:

  • الملاحظة
  • التجربة
  • التفسير
  • التعميم والتنبؤ
  1. الملاحظة المتعمقة والمقصود بالملاحظة اتباع الخطوات التالية:
    • الملاحظة الدقيقة للحقائق
    • أن ينحّي المرء آراءه الشخصية جانبا
    • أن يهجر المرء التخمينات والمعارف المسبقة
    • أن لا يقحم المرء معتقداته وتحيزاته وتصوراته وعواطفه أثناء قيامه بالملاحظة.
    • أن ينحي المرء جانبا ما يعد آراءا مرجعية لا خلاف عليها
    • أن يسأل المرء نفسه الأسئلة المنطقية (مثلا: "لماذا السماء زرقاء؟" وليس "ماذا لو كانت السماء حمراء؟"، فالأول سؤال يستطيع العلم أن يجيب عليه، بينما الثاني سؤال يصلح للأدب والفن أكثر منه للعلم).
    • أن يبادر المرء بالتفكير في فرضيات لتحليل الظواهر.
  2. التأكد من الحقائق عبر التجريب *يتم اختبار الحقائق عن طريق التجارب، وذلك باستخدام الطرق والأدوات المناسبة. والهدف هنا التحقق من دقة الملاحظات والحقائق، وتبيان العلاقات بين تلك الملاحظات والحقائق. ويتطلب ذلك:
    • أن تكون الملاحظات قد تكررت، بمعنى أن يُجمع أفراد مختلفون، في مواقف مختلفة، على نفس المشاهدات المتعلقة بإحدى الظواهر.
    • أن تضيء نتائج التجارب أفقا جديدا لفهم العالم من حولنا، ودون الخضوع لآراء مشهورة أو مرجعية.
    • أن تُجلي التجارب علاقات لا لبس فيها من السبب للنتيجة
    • أن تتسق النتائج بوضوح مع الواقع
    • أن توفر النتائج براهين مباشرة على صحة الفرضيات، خالية كل تصور أو تخيل.
  3. التفسير الدقيق عندما يقدم العلماء تفسيراتهم حول إحدى الظواهر، فإنهم يفعلون ذلك أيضا:
    • يشرحون كل ما بدا من تناقض سابق في المشاهدات.
    • يوضحون الصلة بين المشاهدات الجديدة وسابقاتها.
    • يفسرون العلاقة السببية بين كل عامل أو عنصر والنتيجة المترتبة عليه.
    • يتوثقون من خلو نظريتهم من الغموض أو عدم الاتساق أو التناقض.
  4. التعميم والتنبؤ القائمان على المنطق عندما يكتشف عالم عددا كافيا من الحقائق (التي يمكن التثبّت من وجودها وصدق توصيفها)، فإنه يستطيع حينئذ أن ينتقل إلى ما يُعرف في اللغة الأكاديمية بالتعميم أو الاستقراء. إذاً، عند هذه المرحلة يقوم العالم بالآتي:
    • يعمم الملاحظات (فمثلا، باتخاذ مثال الإنتاج السمكي المتناقص في بحيرة، لو اكتشف الباحث زيادة نسبة أكسيد النيتروز في ماء البحيرة، وثبت أن ذلك أدى إلى تناقص أعداد الأسماك فيها، فإننا نستطيع عندئذ أن نعمم، أو نقترح فرضية قابلة للتتطبيق في أماكن أخرى، وهي أن زيادة نسبة أكسيد النيتروز عامة له أثر سالب على محتوى البحيرات من السمك).
    • يقر بأن الحقائق المبيَّنة تصف الواقع بدقة.
    • يضع القوانين والنظريات القادرة على تفسير وتحليل الظواهر المماثلة.
    • ويتنبأ بالمسار المستقبلي للحقائق التي اكتشفها، كما لمستقبل العلاقات بين تلك الحقائق.

العلم الصلب والعلم المرن

نستطيع تطبيق الطريقة السابقة في شتى مناحي العلوم: في العلوم الطبيعية (العلوم الصلبة)، وكذلك في الإنسانيات أو العلوم الاجتماعية (العلوم المرنة) مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، والتاريخ، والجغرافيا، وعلم الأديان، والاقتصاد، بل وحتى في الطب.

بيد أن بعضا من الخطوات التي تتطلبها الطريقة العلمية قد تؤدي لصعوبات لو طُبقت في مجال العلوم المرنة، خاصة وأن الأخيرة تركز على دراسة سلوك الإنسان. فمثلا، ليس ممكنا (ولا أخلاقيا) التجريب على البشر كما نجرب على النباتات والمعادن. ويصدق الأمر أيضا على العلوم التي تدرِس المجتمع ككيان أو وحدة واحدة، إذ لن يكون مفيدا استخدام الملاحظات على أحد المجتمعات لإصدار التعميمات والتنبؤات حول سلوك مجتمعات البشر كافة.

وفي العموم، تظل المبادئ الأساسية للطريقة العلمية صالحة لكل العلوم، مع بعض التحويرات والأدوات التي تختص بها العلوم المرنة. ومن ثم، فلا مهرب من "الطريقة العلمية" لمجالات الدراسة التي ترغب أن تتصف بالـ "علمية".

خارج نطاق العلم

يحتاج المرء لكي يصير عالما إلى تعلم صارم وطويل. وكذلك يحتاج إلى المران على الطريقة العلمية، وعلى اللغة الخاصة بالفرع الذي يختاره من العلوم. وقد جعلت هذه المتطلبات – غير اليسيرة أو المتوفرة للجميع – العلم مقصورا على تلك الفئة المحدودة القادرة على خوض غمار ذلك العالم، والمسلّحة بشغف استثنائي بالطبيعة والكون من حولنا.

وقد صار العلم معرفة خلابة وصعبة المنال في آن؛ فهي معرفة تتخطى كل أشكال المعرفة الأخرى، إذ أنها تنفُذ أقرب للحقيقة، ومن ثم فإنها قادرة على التأثير عليها وإحداث تحولات بها. ولهذا السبب يلعب العلم ذلك الدور المحوري في تشكيل عالمنا المعاصر. ومن أمثلة ذلك التحولات الهائلة التي أطلقتها المعرفة العلمية في مجالات الطب والاتصالات و الإسكان والطاقة والزراعة والحرب، بل والحياة نفسها.

فعالمنا المعاصر، في وجه هام من أوجهه، تجسيد لمعرفتنا العلمية. ولكنه عالم مهدد في ذات الوقت بما يمكن أن تقود إليه تلك المعرفة.

فالعلم الحديث، رغم كل التقدم الحاصل، لا يستطيع الإجابة على كل أسئلتنا ومشكلاتنا. فالعلم في المحصلة النهائية ليس عصى سحرية – وإن بدت بعض نتائجه كالسحر أحيانا. ورغم تكتم بعض العلماء بشدة على تجاربهم تحاشيا لذيوع أفكارهم ونتائجهم قبل تسجيلها في براءات اختراع أو نشرها في الدوريات العلمية، فإن الطرائق العلمية ليست سراً.

وإذ يُجري العلماء تجاربهم فإنهم لايعتمدون على الأفكار والمسلمات المتوارثة. فهم لو فعلوا ذلك سيطيحون بفرص الإضافة للمُتراكم المعرفي الإنساني الذي تحتاجه الأجيال القادمة لتبني عليه وتستفيد منه، كما استفاد أبناء الأجيال المعاصرة مما أضاف السابقون.

ورغم أن العلم يتغلغل في مساريب حياتنا كلها، ويناطح بإنجازاته ما كان البشر يظنون غير ممكن إلا بالمعجزات و"الكرامات"، فإن العلم ليس دينا، كما أن العلماء ليسوا كهنة من أي نوع.

كذلك، قد يظن البعض أن العلم – بمختبراته وأدواته وبنيته التحتية المكلفة – مقصور بالضرورة على بعض الدول دون غيرها. لكن الواقع أن العلماء ينحدرون من كل عرق وجنس وفئة عمرية ودين ولون ومستوى اقتصادي.

ثم إن العلم، في سعيه للحقيقة، لا يقدم ضمانة ولا وعدا بأن نتائجه ستكون الكلمة الفصل. فالعلم ليس كالتعاليم المقدسة. وإنما العلماء في بحث دائب متصل من أجل الحقيقة؛ وهم أبدا غير راضين عما بلغوه، مهما بدا أنهم أكثر دنواً منها. وحتى عندما ينشر عالم نتائج أبحاثه في إحدى الدوريات العلمية، فليس النشر أكثر من دعوة للآخرين لاختبار دقة تلك النتائج، ولحث النقاش (والجدل) حولها.

وشأنه شأن الأنشطة الإنسانية الأخرى، للعلم أيضا أوجه قصور؛ إذ لا يخلو من الأخطاء، بل والتدليس، أحيانا. وتنشر وسائل الإعلام بين الحين والحين أنباء سطو باحثين على تجارب زملائهم، أو "فبركة" نتائج تجارب. فليس عالم العلم مثاليا؛ وإنما له نصيبه من المنافسات والطموحات والأوهام والحيل القذرة، خاصة حين تشتد المنافسة لإحراز قصب السبق في كشف أو اختراع. ولكن القوة الفريدة للعلم – تلك التي تميزه حقا عن الأوجه الأخرى للنشاط الإنساني – تنبع من قدرته على تعقب الأخطاء وتصحيحها بالمزيد من التجريب. فهذا ركن أساس في الطريقة العلمية.

ولعل السؤال الذي يتقافز في رؤوسكم الآن هو: وكيف يمكن للصحافي أن يلج هذا العالم الذي يخلو إلا ممن صدق عزمهم من الباحثين وطال مرانهم؟


يتبع ان شاء الله
*****







آخر مواضيعي 0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
0 اللهم فرج هم كل مهموم
0 أتركنى أسكن عينيك
0 ﻣﺎﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator