لا تجعلوا رمضان الكريم شهر خمول وكسل .. ؟؟
في شهر رمضان تسمو النفوس وتعلو معاني الصفاء والنقاء، ويغلب فعل الخير، سعياً إلى التقرب إلى المولى عزّوجلّ، على كل سلوكيات المسلمين، فتراهم أكثر تصدقاً وقراءة للقرآن وحرصاً على أداء الصلاة في ميعادها. بل يحرص المسلم في هذا الشهر على أن تأتي عباداته كما أمرنا الله من دون مغايرة أو مواربة. لذلك، نجده دائم السؤال عن كل ما يدور في خلده حول الصلاة والقيام والزكاة وقراءة القرآن وغير ذلك من المسائل الفقهية. وهذا ما يجيب عنه فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في هذا الموضوع في سؤال وجواب، مؤكداً أنّ "على المسلمين أن يجعلوا من رمضان فرصة لمقاومة الخمول والكسل".
- معنى الصيام:
· ماذا يمثل الصيام لكل الصائمين من المسلمين رمزاً ومعنى؟
- يرمز الصيام إلى معنى الطاعة والإمتثال للأوامر الإلهية وتنفيذها، حتى لو كان الإنسان لا يعرف لماذا يصوم. فما معنى أن يحرم الإنسان نفسه من متعها ولذائذها فترة من الزمان تطول أو تقصر، إلا إذا كان قصده من ذلك هو الطاعة من غير تردد لمن أمره بذلك؟ إنّ الصيام رمز لطاعة الله وتنفيذ أوامره وإجتناب نواهيه الصادرة في قوله افعل ولا تفعل. وهذا معنى العبودية المطلقة لله سبحانه، والعبودية لله اسمى ما يحظى به العبد في دنياه وفي آخرته ليفوز بعز الدنيا ونعيم الآخرة، ولذا يقول الله في الحديث القدسي "عبدي أطعني تكن عبداً ربانياً تقول للشيء كن فيكون".
· وماذا عن الأسلوب الأمثل لقراءة القرآن الكريم في ليالي شهر رمضان المبارك؟
- تلاوة القرآن الكريم مطلوبة شرعاً في رمضان، لما يترتب عليها من الثواب العظيم أولاً وللذكر والإتعاظ والتدبر ثانياً. قال تعالى: (.. ورتل القرآن ترتيلاً) (المزمل/ 4). وقال النبي (ص): "مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها". ولقراءة القرآن حرمات تجب مراعاتها، منها أن يكون القارئ على طهارة، وان يخلل ما بين أسنانه وينظف فمه بالمسواك أو المعجون. وقد ورد في بعض الآثار أن أفواهكم طرق من طرق القرآن فطهروها ونظفوها ما استطعتم، ومنها أن يجلس متفرغاً لقراءته وألا يخلطها بكلام آخر إلا لضرورة، وأن يقرأ على تؤدة وأن يعمل ذهنه وفكره ليعقل ما يقرأ ويفيد منه، وأن يديم نظره في المصحف. أما ما يفعله البعض من قراءة القرآن بصوت عال في الأماكن العامة كوسائل المواصلات، فإنّه لا يتناسب مع حرمة تلاوة القرآن الكريم، حيث تختلط القراءة بضجيج الأصوات ولا يتحقق الإنصات والتدبر، ولكن لا بأس إذا قرأه في سره إذا قدر على التركيز وأمن من انقطاع التلاوة والعودة إليها مرّة بعد أخرى.
- تقوى الله:
· ما هي الأخلاقيات التي يجب أن يتخلق بها المسلم في أيام هذا الشهر الكريم؟
- الغاية من صوم رمضان هي تقوى الله تعالى. وللصوم حكمة وفائد عظيمته روحية وجسمية وخلقية وإجتماعية، فالصوم مطهر للجوارح من فعل المحرمات، مهذب للنفوس بالتورع عن الشبهات، ومربٍّ لخلق الأمانة، كابح لجماح الشهوات، مقوٍّ للإرادة، قامع لفاحش النزوات. وللصوم جمال تتذوقه الأرواح. وللصوم سر تعرفه القلوب، وللصوم نفحات ترفع العبد إلى أعلى الدرجات، وللصوم رقي يأخذ بيد العبد إلى الطريق الرباني. ولكن أي صوم هذا الذي يرفعنا إلى هذه الدرجة، وينفعنا بتلك المنفعة ويورثنا هذه الخشية؟ إنّه الصوم الذي نعرف حدوده ونلتزم بآدابه ونؤدي شروطه.
· يعلم الجميع أنّ الأعمال بالنيات، فماذا عن شروط النية في صوم شهر رمضان؟
- النية ركن في كل عمل من الأعمال الشرعية، كالصوم والصلاة والحج وما إليها، وذلك لقوله (ص): "إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكل أمرئ ما نوى". وتعني النية في الصوم أنّ الشخص يقصد تجديد نيته في هذا الصوم لله تعالى، إمتثالاً لأمره وطمعاً في رحمته وخوفاً من عقابه. ووقت النية هو غروب الشمس إلى ما قبل طلوع الفجر، يعني أن أي وقت من هذه الأوقات يصلح لنية الصيام، فإذا ما طلع الفجر ولم يكن قد نوى الصيام، فإنّ الصيام لا يصح لقوله (ص): "لا صيام لمن يبيت الصيام من الليل".
· هل تفسد مشاهدة الأفلام والمسلسلات الصيام في شهر رمضان، خاصة التي تحتوي منها على مناظر خليعة؟
- شهر رمضان الكريم هو شهر العبادة والقرآن، وإحياء نوازع الخير في الإنسان وتنشيطها. وهو فرصة يجب أن يفيد منها المسلم في شغل وقته بما يفيده في دنياه وآخرته. ولا بأس من الترويح عن النفس بعض الوقت في نهار رمضان، بمشاهدة البرامج الجادة أو الأفلام البريئة الخالية من وسائل الشر وتدمير الأخلاق والقيم. ولكن، لا يليق بالصائم أن يترقب الأفلام المثيرة، ويجلس أمامها ليملأ عينيه من المحارم والآثام.
- أعراض سلبية:
· ما حكم الذين يؤجلون إجازاتهم لشهر رمضان أو يتكاسلون عن أداء مهام عملهم بحجة أنّهم لا يقدرون على العمل وهم صيّام؟
- من المؤسف أنّ بعض الناس تظهر عليهم أعراض سلبية في نهار رمضان، تتناقض مع حكمة الصوم وروحه وأهدافه. ومن هذه الأعراض الكسل الشديد والضعف، والتثاؤب المتواصل والفتور والنوم أو ما يشبه النوم، وبعض هؤلاء لا تكاد تسمعه مما به من التعب والإعياء. وهذا السلوك لا يعبر عن روح رمضان، ولا عن حكمته التي أرادها الإسلام من الصائمين، وهي تقوى الله ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة من الأعمال، وفي مقدمتها: مصالح الناس والعمل الذي ائتمن عليه وكلف به نظير أجر يتقاضاه. وهؤلاء يقلبون حكمة رمضان رأساً على عقب، وكان أجدر بهم أن يجعلوا من رمضان فرصة لمقاومة الخمول والكسل، خاصة أنّ هذا الشهر هو شهر البطولات والإنتصارات في حضارة المسلمين وتاريخهم، فلقد خاض المسلمون موقعة بدر بكل أهوالها وهم صائمون في هذا الشهر. ولقنوا الكفار والمشركين دروساً غيرت وجه التاريخ، وكانت معركة العاشر من رمضان التي عاصرناها ورأيناها رأي العين، برهاناً أخر على أن تطبيق هذا الدين وإستلهام حكمته وأسراره، أكبر وأهم مصادر النصر والعزة والمنعة في حياة هذه الأُمّة.
· هل للمرأة المسلمة في رمضان أحكام وسلوكيات خاصة؟
- المرأة في الإسلام صنو الرجل في الحقوق والواجبات. وسلوكيات المرأة المسلمة في رمضان لا تختلف عن سلوكيات الرجل المسلم، فعليها الإلتزام بما أمرت به الشريعة الإسلامية من الحفاظ على صومها، وعدم إفساده بالغيبة والنميمة والحديث عن الجيران والجارات. وعليها الإكثار من قراءة القرآن والصلاة والإستغفار، وإمساك الجوارح عما يغضب الله تعالى والعفو عند المقدرة، كما يجب على المرأة المسلمة أن تكون سلوكياتها كلها في نطاق قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) (الكهف/ 30). أمّا عن الأحكام، فإنّ الله فرض صيام شهر رمضان على المسلم والمسلمة لقوله تعالى: (.. كُتب عليكُم الصِّيام...) (البقرة/ 183). غير أنّ هناك أعذاراً تبيح الفطر في رمضان منها: المرض والسفر والهرم، حيث يستوي فيها الرجل والمرأة. وقد خُصت المرأة بمزيد من أعذار أخرى كالحيض والنفاس والرضاع.
- إني صائم:
· كيف تكون معاملات المسلم الصائم مع غيره حتى لا يضيع أجر صيامه ..؟؟
- لقد أوضح رسول الله (ص) ما يفعل الصائم في هذه الحالة، فقال (ص): "وإنّ أمرؤ شاتمه أو خاصمه فليقل إني صائم إني صائم"، أي أنّ الصيام يحفظ لسانه ولا يرد على ما سبه أو شتمه، لينأى بنفسه عما يفسد صومه من اللغو والرفث في القول أو القعل. وهذا لا يعني الضعف أو الجبن، كما يفهم بعض الناس، بل يعني القوة على إمتلاك النفس والقدرة على تجاوز السفهاء والإعراض عنهم بعدم معاملتهم بمثل جهلهم وسفاهتهم.
· كيف يكون الإعتكاف صحيحاً في أيام رمضان .. ؟؟
- الإعتكاف سنة عن رسول الله (ص). ويصدق الإعتكاف على القليل من الوقت وعلى الكثير، فهو يتحقق بالمكوث في المسجد مع نية الإعتكاف طال الوقت أم قصر. ويثاب المرء ما بقي في المسجد. ومن تتاح له فرصة للإعتكاف، جاز له شرعاً أن يعتكف إقتداء برسول الله (ص)، ومن لا يتاح له ذلك فليس بمطلوب منه الإعتكاف، ويصل إليه ثواب البقاء في المسجد حتى لو كان إنتظاراً للصلاة.
- فضل العشر الأواخر:
· ماذا على المسلم أن يفعل لإغتنام أفضال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ؟
- فضل العشر الأواخر من رمضان كثير، ويكفي أن فيها ليلة هي خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر. ولعظم فضل العشر الأواخر من رمضان، روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: "كان النبي (ص) إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره". وينبغي للمسلم أن يجدّ ويجتهد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، بكثرة الصلاة وقراءة القرآن والذكر والإستغفار، بقصد التعرض لعفو الله ورحمته ورضوانه. وأيضاً لعله يوافق ليلة القدر فلا يشقى بعدها أبداً، وهي ليلة أخفيت في العشر الأواخر من رمضان ليجتهد طالبوها في هذه الفترة.
· ماذا عن فضل ليلة القدر..؟؟
- ليلة القدر أفضل ليالي السنة وذلك لقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر/ 1-5). فليلة القدر وصفت بأنّها سلام كلها وأمان لكل البشر حتى يطلع الفجر، ويجب على المسلمين أن يتزودوا في تلك الليلة بالعبادة على قدر ما يستطيعون، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنّ النبي (ص) قال: "مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
- زكاة الفطر:
· زكاة الفطر فريضة على كل مسلم ومسلمة، فماذا، عن قواعد هذه الفريضة؟
- يرى بعض الفقهاء أنّ الوقت الذي تصرف فيه زكاة الفطر، هو من غروب ليلة الفطر إلى بعد صلاة العيد. ويرى البعض الآخر أن وقت إخراجها من طلوع فجر يوم العيد، وجمهور الفقهاء على جوازتعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين، ومقدارها صاع من القمح أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو نحو ذلك مما يعتبر قوتاً. وزكاة الفطر تصرف للمصارف الثمانية الذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 60). ويجوز نقل الزكاة إلى من يستحقها من بلد إلى آخر إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها. أمّا إذا لم يستغن بلد المزكي عنها، فإن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله ولا تنقل إلى بلد آخر، ويجوز إخراجها نقداً إذا كان ذلك في مصلحة الفقراء، وإخراجها نقداً فيه توسعة على الفقير وحرِّية له في أن يشتري ما يحتاج إليه، وعلى سبيل المثال قد يكون محتاجاً إلى شراء دواء، وليس محتاجاً إلى قمح أو شعير، فالأنفع والأقرب إلى مقصد الشرع من الزكاة إخراج القيمة نقداً.