السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة والأسوة الطيبة، وهديه صلى الله عليه وسلم خير هدي،
فكيف كان هديه صلى الله عليه وسلم فى الممازحة ؟
لقد كان صلى الله عليه وسلم يربي بالضحكة، ويهذب بالابتسامة، ويُقوّم بالمزحة، ويدعو بالطرفة، فلضحكاته
منافع، ولابتساماته مقاصد، ومن ممازحته عِبر، ولطُرَفه حِكَم وعظات.
فهذا علي رضي الله عنه حين دب خلاف بينه وبين فاطمة -رضي الله عنهما- يصالحه النبي صلى الله عليه وسلم
بالمزاح، يحكي لنا سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت،
فقال: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يقل (وقت القيلولة) عندي، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب". فكان أبو تراب أحب الألفاظ إلى علي رضي الله عنه .
وهذا أسيد بن حضير يمازحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُحدِّث القوم ويضحكهم فيطعنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأصبعه في خاصرته، فقال: أوجعتني، فقال: أصبرني. قال: اصطبر، قال: إن عليك قميصا
وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه. قال: إنما أردت
هذا يا رسول الله".
وعن عبد الحميد بن صيفي من ولد صهيب عن أبيه عن جده صهيب قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالهجرة وهو يأكل تمرا، فأقبلت آكل من التمر وبعيني رمد فقال: أتأكل التمر وبك رمد؟ فقلت: إنما آكل على
شقي الصحيح ليس به رمد، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ولما علم عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف من المزاح، ولا يغضب منه، بدأ
رسول الله بالمزاح، يقول عوف: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قُبة من أُدمٍ،
فسلمت، فردّ وقال: "ادخل". فقلت: أكلِّي يا رسول الله؟ قال: "كلك"، فدخلت. وإنما مزح عوف بن مالك بقوله:
أكلِّي يا رسول الله؟ لأن القبة كانت صغيرة.
وكما رأيناه صلى الله عليه وسلم يمازح الرجال رأيناه يمازح النساء، وهذا من باب اهتمامه ورفقه بهن صلى الله
عليه وسلم . انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يلاطف عائشة -رضي الله عنها- ويمازحها، وهو يسابقها مرتين
فتسبقه في الأولى ويسبقها في الثانية، فيقول لها: هذه بتلك، والحديث عن عائشة قالت: خرجت مع النبي
صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي:
تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت؛ خرجت معه في
بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك
وهو يقول: هذه بتلك ".
ومن مداعبته صلى الله عليه وسلم مع النساء، ما حكت عائشة -رضي الله عنها- أن نبي الله صلى الله عليه
وسلم أتته عجوز من الأنصار، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال نبي الله صلى الله عليه
وسلم : إن الجنة لا يدخلها عجوز، فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع إلى عائشة فقالت
عائشة: لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : إن ذلك كذلك؛ إن الله إذا
أدخلهن الجنة حوّلهن أبكارا".
وتأتيه أخرى فتقول: يا رسول الله، إن زوجي يدعوك، فيقول: ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض؟ قالت: والله ما بعينه
بياض، فقال صلى الله عليه وسلم : بلى إن بعينه بياضا، فقالت: لا والله، فقال: ما من أحد إلا بعينه بياض".
وما كانت مداعبته صلى الله عليه وسلم ولا مزاحه للكبار دون الصغار، إنما هو للصغير كما هو للكبير، وللنساء كما
هو للرجال. يقول أنس رضي الله عنه : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى إن كان ليقول لأخ
لي صغير: يا أبا عمير، ما فعل النغير". ويداعب أنسا رضي الله عنه ويقول له: "يا ذا الأذنين".
ويُخرج لسانه للحسن والحسين صغارا مداعبا إياهما رضي الله عنهما، ويطأ ظهره لولديه الحسن والحسين ليركبا،
ويدخل عليه أحد أصحابه فيقول: "نعم المركب ركبتما، فيقول: ونعم الفارسان هما".
والذي يظهر من هذا كله: أن المزاح ليس محرما شرعا، ولا ممنوعا عُرْفا، وكذلك الضحك؛ إنما الممنوع الإكثار
الذي تضيع معه الحقوق، ويُخرج به من الصدق إلى الكذب، ولله در أنس حين وصف النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: "كان رسول الله من أفكه الناس".
ولذا قال صلى الله عليه وسلم : "لا تكثر من الضحك" فقد منع من الإكثار، ولم يمنع أصل الضحك؛ بل هو في
حديث أبي ذر المتقدم قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا"، فهو صلى الله عليه وسلم لم يمنع
الضحك، إنما دعا إلى التقليل منه.
وفي رواية عند الترمذي في العلل: عن عائشة أنها سئلت كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في
بيته؟ فقالت: كان ألين الناس وأكرم الناس، كان رجلا من رجالكم، إلا أنه كان ضحّاكًا بسّامًا". ويقول أبو أمامة: "كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضحك الناس، وأطيبهم نفسا".
بيد أن هذا لم يكن هو الحال الدائم أو الصفة الملازمة، وهذا ما يؤكده حديث جابر حيث قال: "كان لا ينبعث في
الضحك". وكان لا ينبعث في الضحك أي لا يسترسل فيه.