التبرج سنة إبليسية
إن قصة آدم وحواء مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عَدُوِّ الله إبليسَ على كشف السوءات , وهتك الأستار , وإشاعة الفاحشة , وأن التهتك والتبرج هدف أساسي له , قال الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} (27) سورة الأعراف.
فإبليس إذن هو مؤسس دعوة التبرج والتكشف , وهو زعيم زعماء ما يسمى بتحرير المرأة , وهو إمام كُلِّ مَن أطاعه في معصية الرحمن , خاصة هؤلاء المتبرجات اللائي يؤذين المسلمين , وَيَفْتِنَّ شبابهم , قال صلى الله عليه وسلم : " ما تركتُ بعدي فتنةً هي أَضَرُّ على الرجال من النساء " . [ متفق عليه ] .
التبرج طريقة يهودية
لليهود باع كبير في مجال تحطيم الأمم عن طريق فتنة المرأة , ولقد كان التبرج من أمضى أسلحة مؤسساتهم المنتشرة , وهم أصحاب خبرة قديمة في هذا المجال , حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الدنيا , واتقوا النساء , فإن أول فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء "[مسلم]
وقد حكت كتبهم أن الله سبحانه عاقب بنات صِهْيَوْنَ على تبرجهن , ففي الإصحاح الثالث من سِفر أشعيا: ( إن الله سيعاقب بناتِ صِهْيَوْنَ على تبرجهن , والباهاتِ برنين خلاخيلهن , بأن ينزعَ عنهن زينةَ الخلاخيل , والضفائر , والأهلة , والحِلَقِ , والأساور , والبراقع , والعصائب ) .
ومع تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشبه بالكفار , وسلوك سبلهم خاصة في مجال المرأة , فإن أغلب المسلمين خالفوا هذا التحذير , وتحققت نبؤة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سَنَنَ مَن كان قبلكم شبرًا بشبر , وذراعًا بذراع , حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لتبعتموهم " , قيل: اليهود والنصارى؟ قال: ( فمن؟ ). [متفق عليه]
فما أشبه هؤلاء اللاتي أطعن اليهود والنصارى , وَعَصَيْنَ الله ورسوله بهؤلاء اليهود المغضوب عليهم الذين قابلوا أمر الله بقولهم: (( سمعنا وعصينا )) , وما أبعدَهن عن سبيل المؤمنات اللاتي قلن حين سمعن أمر الله: (( سمعنا وأطعنا )) !
قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء
التبرج جاهلية منتنة
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (33) سورة الأحزاب.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة , وأَمَرَنَا بنبذها , وقد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم في التوراة أنه{ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (157) سورة الأعراف , الأية.
فدعوى الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية , كلامها منتن خبيث , حَرَّمَه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال صلى الله عليه وسلم: " كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قَدَمَيَّ " [ متفق عليه ] سواء في ذلك: تبرج الجاهلية , ودعوى الجاهلية , وحكم الجاهلية , وربا الجاهلية.
التبرج تخلف وانحطاط
إن التكشف والتعري فطرة حيوانية بهيمية , لا يميل إليها الإنسان إلا وهو ينحدر ويرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله وأنعم عليه بفطرة حُبِّ السِّتر والصيانة , وإن رؤية التبرج والتهتك والفضيحة جمالاً ما هي إلا فساد في الفطرة وانتكاس في الذوق , ومؤشر على التخلف والانحطاط .
ولقد ارتبط ترقي الإنسان بترقيه في ستر جسده , فكانت نزعة التستر دوماً وليدة التقدم , وكان ستر المرأة بالحجاب يتناسب مع غريزة الغيرة التي تستمد قوتها من الروح , أما التحرر عن قيود السِّتر فهو غريزة تستمد قوتها من الشهوة التي تغري بالتبرج والاختلاط , وكل من قنع ورضي بالثانية فلابد أن يضحي بالأولى حتى يُسْكِتَ صوت الغيرة في قلبه , مقابل ما يتمتع به من التبرج والاختلاط بالنساء الأجنبيات عنه , ومن هنا كان التبرج علامة على فساد الفطرة , وقلة الحياء , وانعدام الغيرة , وتبلد الإحساس , وموت الشعور:
لِحَدَّ الركبتين تُشَمِّرِينا *** بِرَبِّكِ أيَّ نهرِ تَعْبُرِينا.
كأنَّ الثوبَ ظِلِّ في صباحٍ *** يزيد تَقَلُّصًا حينًا فحينا.
تَظُنِّينَ الرجالَ بلا شعورٍ *** لأنكِ ربما لا تَشْعُرِينا.
التبرج باب شر مستطير
وذلك لأن من يتأمل نصوص الشرع , وعِبَرَ التاريخ يتيقن مفاسد التبرج وأضراره على الدين والدنيا , ولا سيما إذا انضم إليه الاختلاط المستهتر.
فمن هذه العواقب الوخيمة:
تسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة لأجل لفت الأنظار إليهن , مما يُتْلِفُ الأخلاقَ والأموال , ويجعل المرأة كالسلعة المهينة الحقيرة المعروضة لكل من شاء أن ينظر إليها.
ومنها: فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب , خاصة المراهقين , ودفعهم إلى الفواحش المحرمة بأنواعها .
ومنها: تحطيم الروابط الأسرية , وانعدام الثقة بين أفرادها , وتفشي الطلاق .
ومنها: المتاجرة بالمرأة كوسيلة دعاية أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها .
ومنها: الإساءة إلى المرأة نفسِها , باعتبار التبرج قرينةً تشير إلى سوء نيتها , وخبث طويتها , مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء .
ومنها: انتشار الأمراض : قال صلى الله عليه وسلم: " لم تظهر الفاحشة في قومٍ قَطُّ حتى يُعْلِنوا بها إلا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تكن في أسلافهم الذين مَضَوْا " [صحيح]
ومنها: تسهيل معصية الزنا بالعين , قال صلى الله عليه وسلم: " العينان زناهما النظر " [مسلم] , وتعسير طاعة غض البصر التي أُمِرْنا بها إرضاءً لله سبحانه وتعالى .
ومنها: استحقاق نزول العقوبات العامة التي هي قطعًا أخطر عاقبة من القنابل الذرية , والهزات الأرضية , قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (16) سورة الإسراء , و قال صلى الله عليه وسلم: " إن الناس إذا رأوا المنكر , فلم يُغَيِّروه أوشك أن يَعُمَّهم الله بعذاب " . [صحيح]
***