الهجرة.. يوم الأمة!
من يصدق؟! أربع أقدام تشق الغبار.. بلا عتاد، ولا كثير زاد.. لتغيير تاريخ البشرية؟!
جسدان وحيدان.. ماذا يفعلان؟!
ومن يقاومان؟! وكيف يواصلان؟!
مهلاً..
فإن بين الضلوع قلبين كريمين عظيمين..
وإن داخل القلبين إيماناً عظيماً.. وصبراً ويقيناً..
فماذا تظنون؟!
{كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}..
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ..}..
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}..
فكيف إذا كان هذا المهاجر هو: خير خلق الله كافة صلى الله عليه وسلم.. حامل هذا الوحي والتنزيل لإبلاغه للعالمين؟!
ورفيقه الصدّيق {الَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} أفضل إنسان بعد الأنبياء رضي الله عنه وأرضاه؟!
آلاف الأميال على الأقدام يقطعها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لينقل – فداه أبي وأمي – دعوة الله إلى "طيبة" ليضيء منها النور إلى العالمين.
دموع الفرح يذرفها ابن أبي قحافة رضي الله عنه وأرضاه.. سرورا برفقةٍ خير من الدنيا وما فيها!
العدو من خلفهم.. والخطر من أمامهم.. والإيمان في قلوبهم.. إذن {لا ضَيْرَ}!
ابنة الصديق رفيق الطريق.. وزوج حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.. تشق نطاقها لحمل الطعام إلى المهاجرَين المطاردَين.. فلله درّها من معلّمة تضرب لنساء الأمة أروع أمثلة علوّ الهمة: طريقها الصحراء.. وحملها عناء.. وفي قلبها إباء لنصرة خير الأنبياء.. إذن {لا ضَيْرَ}!
ابن العم الصغير ينام في فراش النبوة.. وفي خاطره أنها قد تكون آخر نومة!
لكنها لو كانت.. فهنيئا له بها من نومة.. تنصر ديناً وأمة.. إذن {لا ضَيْرَ}!
وعلى مشارف البلد المبارك.. يقف أقوام.. {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ..}..
سئموا الثارات والعداوات.. وظلم الجاهلية وا
لظلمات.. بين جوانحهم: حب عظيم للوافد الكريم.. وشوق أشد إلى ما يحمله معه من النور المبين..!
وعلى أعتاب العام التاسع والعشرين..
بعد أربعمائة وألف.. من "يوم الأمة" العظيم.. يقف أقوام آخرون.. ليسوا كهؤلاء.. بل فرّقتهم الرغبات والأهواء.. {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ..}!.. أضحى جمعهم الكبير غثاءً.. وتداعت عليهم أمم البغي والعدوان.. تستبيح حلالهم وديارهم.. فهل يعيد حدث الهجرة للأمة ذاتها من جديد؟!
هل نجاوز هز الرؤوس.. إلى أخذ العبر والدروس؟!
هل يروي الآباء لأبنائهم قصة ابن العم الشجاع لتربيتهم على العزة والفداء؟!
هل تروي الأمهات لبناتهن قصة "ذات النطاقين" ليعرفن دور المسلمة الإيجابي في نصرة الدين؟!
هل يستفيق غافل من غفلته مع إطلالة عام..
فيتساءل: ماذا قدمت لنفسي.. لبيتي.. لأمتي؟!
إنها الهجرة.. حدث الأمة.. شاء من شاء.. وأبى من أبى!
سيقول السفهاء من الناس: مضت الهجرة وأصبحت تاريخاً.. فدعوا سرد القصص!
لكننا سنظل ننهل من معين الوحي.. وقصص السيرة.. أنواراً تهدينا.. وتبعث فينا ثقة ويقينا..! يأمرنا بذلك ربنا جل وعلا.. {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}!
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
منقول