هات لي شخصاً لم يذق مرّا في دنياه قط, وهات لي آخراً دامت سعادته طوال حياته؛
خلق الله الدنيا وجعلها على سطح أرجوحة بين جهتين, ضيق وفسحة؛ مرض وعافية؛ ابتلاء ورخاء؛
حزن وسعادة؛ كدر واطمئنان !
وحياة الإنسان هي ذلك التأرجح بين هاتين الضفتين,
فيأتيه المرض بعد العافية, و الحزن بعد السعادة,
و الضيق بعد الاتساع, وهو لايملك أي سبب من هذه الأشياء فهي تأتي بغير إرادته,
ولا باختياره, ولا يملك أمامها إلا الاستسلام و الرضا , وبكلمة أخرى (الصبر)
و الصبر غيمة تسكن الأفق تُظللُ الإنسان من حرارة الابتلاء, فتبرّد عليه أيّامه,
وتهوّن عليه مشاقه, فتحلو له الأرض بتشققاتها و حدّة أشواكها و قسوة صخورها , فيرى الأرض جنة خضراء,
و الشوك أزهار فاتنة , و صخورها بساتين و أنهار, فلا يرى بؤساً, ولا يعيشُ همّاً , ولا يتذوق ألماً !
ولنا في سيرة الصابرين أسوة حسنة؛ من الأنبياء و الصحابة و التابعين؛
الذين أصابتهم المُصيبة في أنفسهم و أبدانهم و حياتهم وحياة من يحبون؛ فلم يزدهم إلا رضاً بالآلام, وقناعة بالأقدار,
واتخذوا الصبر رفيقاً فكان خير الرفيق, ونالوا خير العاقبة !
فالمرض أقعد نبي الله أيّوب حتى اقترب من الموت,
ولم تمنع نبوة يوسف من ظلمات السجن, أمّا إبراهيم فإنه كان على شفا لحظات من قتل ابنه,
وكان آدم يتنعم بالجنة في أوّل حياته,
وحتى رسولنا محمّد –صلى الله عليه وسلم-
نال من الأذى الكثير,
فمنذ أول دعوة له إلى الإسلام تعاقبت الابتلاءات و المصاعب بأنواعها, فلم يزده إلا تمسكاً بربه,
وثقة بخالقه, حتى أعقبت هذه المصاعب فرجاً, ونصراً وعزة للإسلام و المسلمين.
فهذا سرّ الدنيا , وسنتها, ومصير كل من يعيش فيها؛
أن تطأ قدميه أرضاً لينة وأخرى خشنة؛
أن تعيش يوماً أبيضاً, وآخراً رمادياً, وربما أسوداً؛
وأكد الله في القرآن بأن لا ألم يدوم, ولا همّ إلا و سيزول في موعده الذي أراده؛ بقوله "إن بعد العسر يسـرا",
فلا مكان للهمّ و التعب, والتوجع, والشكوى,
بل الفأل, والثقة بالله,
والاطمئنان بقرب النهاية السعيدة, التي وعدها الله لعباده الصابرين.