خواطر حول عيد الأضحى المبارك
الشيخ عبد الخالق الشريف
عيد الأضحى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اقترب عيد الأضحى المبارك، ومن المسلمين من يؤدي المناسك طائفًا وساعيًا، داعيًا وشاكرًا، مسافرًا منفقًا، يرجو رحمة الله، وعندما يأتي هذا اليوم سيكون كثير ممن وقفوا على عرفات قد منَّ الله عليهم فتطهروا من الذنوب، وأمضوا يومًا يباهي الله بهم الملائكة، وقد ذرفوا دموعًا من خشية الله، ودموعًا على أمل رحمة الله، ودموعًا خوفًا من المعاصي، ودموعًا شوقًا إلى الجنة، ودموعًا خوفًا من النار، ودموعًا تُذكِّر لحظات الحساب، ودموعًا تُذكِّر المرور على الصراط.
في هذا اليوم الناس في الحج منهم من يرمي الجمرات، ومنهم من يقوم بنحر الأضاحي والهدي، ومنهم من يطوف، وها هو فريق يحلق رأسه، الكل يسعى لطاعة الله ورضوان الله.
وأناس لم يحرموا الأجر وإن لم يذهبوا للحج، فقد عاشوا في أجر الأيام العشر، يكثرون العبادة وطاعة لله، ويسعى اليوم من أراد الأضحية أن يقدم هذا النسك ابتغاء مرضاة الله.
يأتي هذا العيد، ونِعم الله يتفضل بها علينا -ونسأله المزيد- فقد أهلك الله طاغية طالما تجرأ على القرآن وعلى الإسلام، وازداد في قلبه الغرور، وأهلك شعبه، وأضاع ثروة بلد المفروض أنه أمين على ما استرعاه الله، تجبَّر في الأرض وعلا واستكبر، وقتل وآذى وذلَّ نفسه وشعبه لقبلته التي كان يخشاها بلاد الغرب وأمريكا.
يأتي هذا العيد، ولولا الثقة بالله ما ظننا أن هذا يحدث في تونس، بلد مَكَّن به فيها هذا الخبيث للعلمانية الضالة المضلة، فنهى عما أذن الله به، وأشاع الضلال والفساد وسوء الأخلاق، وجعل من نظامه حاميًا لهذا الفساد، وظن أن الدنيا قد دامت له، وألا شيء يأتي عليه فأتاه الله هو وغيره من حيث لا يحتسب، وإذا بسنواته كأن لم تكن، وعادت رياح الإسلام ترفرف على تونس، نسبة حضور الانتخابات لم يُسبق إليها، واختيار للفطرة التي تشتاق إليها النفوس {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
وهكذا يظن أهل الضلال.. يرون قدرتهم على طمس هذا الدين في النفوس، ولكن الخزي مصيرهم {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
العيد يأتينا وشريعة الله تنادينا: مَن لي؟
الشريعة التي فيها نجاة البشرية، وصلاح البشرية، وفوز البشرية، الشريعة الكاملة التامة، الشريعة الشاملة، الشريعة الواقعية التي ترعى الإنسان والإنسانية في كل ظروف الحياة، الشريعة المرنة، الشريعة الموصوف كتابها {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105].
هذه الشريعة تنادينا: من لي؟
نعم من للشريعة يظهر حقيقتها، ويبين للناس محاسنها؛ حيث غُيبت دهرًا طويلاً عن عموم الناس، وخدعهم المخادعون، وزينوا لهم زخرف الحياة الدنيا، وادعوا كذبًا وبهتانًا أنها لا تصلح لهذا الزمان، وخدعوا الناس بمادياتها يستمتعون بها في وسائل المواصلات والاتصالات وغيرها. ولكن أتساءل كما تساءل الإمام البنا في رسالة الإخوان المسلمين تحت راية القرآن، هل أدَّت هذه المدنية إلى اطمئنان الناس في المضاجع؟
هل أدَّت هذه المدنية إلى إشباع الناس من جوع؟ هل أدَّت هذه المدنية بالناس إلى صدق القول وأداء الأمانة وحسن العشرة؟ وهل... وهل؟
إننا نجد الحروب ازدادت شراسة، والجوع يفتك بخلق الله، والغش والكذب والخداع يسيطر على العالم.
هذه الشريعة الإسلامية: تنادينا من لي؟
يدافع عني ويرد الشبهات التي يسعى أعداؤها أن يلصقوها بشريعة أُنزلت من عند الخالق {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
شريعة قال عنها الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3].
شريعة الإسلام تنادي كل صاحب قلب وعقل؟
انظروا إلى حقيقتي.. أنا أدعوكم إلى فضائل الأعمال، فهل تكرهونها؟
إلى حسن العشرة والمعاملة، فهل تبغضون ذلك؟
إلى الأخلاق التي تسمو بها الشعوب.. فماذا تقولون عن ذلك؟
إلى أن تَسْمُو نفوسكم وتتطهر من كل سوء ورجس وخيانة، فهل يؤلمكم ذلك؟
حتى ما تتكلمون عنه كثيرًا بالرغم من أنها جزءٌ مني أعني الحدود... حكِّموا العقل..
هل تحبون اللصوص حتى أصبحتم حريصين عليهم؟
هل تحبون الزنا حتى أصبحتم تحمون الزناة؟
هل رضيتم عن الشذوذ الجنسي حتى صرتم تخافون من عقاب أصحابه؟
يا قومنا أفيقوا.. يا قومنا أعمِلوا عقولكم..
لا داعي للعصبية البغيضة، ولا تخرجوا الحقد الدفين لهذه الشريعة الغراء.
يا علماء الأمة..
إلى كل الأئمة والوعاظ..
إلى كل مَن ينتسب إلى تيار يدعو إلى المرجعية الإسلامية..
لا تفرقوا كلمتكم فقد ناداكم الله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
لا يجرح بعضكم بعضًا ولا يغتب بعضكم بعضًا {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
اليوم يوم التجمع على أصول الدين، تذكروا حديث جبريل المشهور وفي نهايته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ". وكان ما علَّم هو أصول كلكم تؤمنون بها، لقد كان منكم من يفتي بآراء أصبح يفتي بغيرها، ولا حرج من ذلك فكل أمر بحسب الدليل، والسياسة الشرعية بابها رحب.
نحن أولى الناس أن نتعامل بالحسنى بلا تجريح ولا اتهام ولا اتهام للنوايا.. قدموا النموذج الأخلاقي السامي للأمة، وإلا سقطتم جميعًا من عيون الناس وقالوا: إذا كانوا كذلك بعضهم مع بعض، فكيف سيكونون معنا؟
اجعلوا الشريعة الإسلامية أمامكم والإخلاص لله رائدكم والأمل في رضا الله هدفكم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا".
وإلى عموم الأمة أقدم لكم النصيحة، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". ونصيحتي القرآن.. القرآن.. والسُّنَّة.. السنة، وقد قال الله تعالى: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150]. وإذا أردتم الدنيا، فقد قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96]. وإذا أردتم الدنيا والمتاع والأولاد {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 10-13]. وإذا كنتم في ضيق {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 2، 3].
يا كل المجتمع، أنتم أبناء هذا الدين القيم، لقد تسلط الظلمة فأبعدوا الشريعة عن المجتمع، فعليكم أن تقوموا بالدور المنوط بكم للتمكين لها.
يا قومنا..
حُكِمنا بالظالمين، فنهبوا الأموال، وسجنوا الشرفاء، وانتشرت الرشوة، وظهر الفساد في الأرض، وغلت الأسعار، وازدادت ديون الدولة، وكدنا أن نورث وكأننا شيئًا يمتلكه هذا الطاغية فيملكه لمن شاء، ساءت الأخلاق، وكاد اليأس أن ينتشر بين قلوب العباد ويسيطر على أحاسيسهم، ولكن الله رءوف بالعباد، أنقذنا برحمته، وتفضل علينا بهذه الثورة المباركة.
إننا لا نيئس من رحمة الله، وعلينا أن نراقب بحذر كل ما يدور حولنا، ولكنا لا نتهم النوايا، ونعمل بكلِّ جهد وبكلِّ طاقة حتى يحق الله الحق وينتصر الخير، ونجلب بإذن الله الخير كل الخير لشعب مصر الكريم.
إن مصر وهي قلب العالمَين العربي والإسلامي باستعادتها لنشاطها سيكون عودة نشاط هذا المجتمع الإنساني في هذه المنطقة الكريمة، بدايات خير يتبعها خير، أسرى من الفلسطينيين يُفك أسرهم، والعالم يخطب وُدَّنا، وإسرائيل أدركت أن في مصر شعبًا لم يمت، أدركوا أن الشعوب قوية بإذن الله.
الله أكبر.. الله أكبر!!
ونذكِّر ألا نحر قبل الصلاة، فمن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم وُزِّع، ولنصل الأرحام، ونكرم الفقراء، ونؤدي حق الآباء وحق الجيران.. عظِّموا شعائر الله وانصروا شريعة ربكم، وانشروا هذا بين كل المسلمين.
تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير.