«حدثت في العام الماضي (سنة1933م) ثورة إسلامية في القطر
التونسي لمنع المتجنّسين بالجنسية الفرنسية من دفن موتاهم بين
المسلمين في مقابرهم؛ لأنهم مرتدون عن الإسلام بما تقتضيه الجنسية
الفرنسية من التزاوج والتوارث بأحكام القانون الفرنسي المخالف لنصوص
القرآن والسنة مما هو مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فأرادت
الحكومة الفرنسية الحامية إجبار المسلمين على دفنهم في مقابرهم،
وظَاهَرَها بعض المنافقين على هذا؛ فخاب سعيها، وعجزت قوتها
عن ذلك، وانتهى الأمر بإنشاء مقبرة خاصة بهؤلاء المرتدين
المصرّين على كفرهم»[1].
هكذا هم المنافقون الذين مردوا على النفاق يظاهرون ويناصرون
إخوانهم الكفار والمرتدين في الحياة، وبعد الهلاك.
ومظاهرة أعداء الله ومناصرتهم كفر نفاق، وخصلة شنيعة من خصال
أهل النفاق.
قال الله تعالى: {بَشِّرِ الْـمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً 138 الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}
[النساء: 138-139].
وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم
مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14].
وقال عز وجل: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى
أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52].
وبهذا يعلم أن النفاق الأكبر ليس محصوراً في الأنواع الستة التي أوردها
ابن تيمية، كما ظن بعضهم، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية سردها على
سبيل التمثيل والتوضيح للنفاق الأكبر، كما هو بيّن في قوله
(فمن النفاق ما هو أكبر، يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار،
بأن يظهر تكذيب الرسول، أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم
اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه،
ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله)[2].
فقد يكون النفاق الأكبر: مظاهرة المشركين ضد المسلمين،
وقد يكون استهزاءً بالله وآياته ورسوله، وتارة يكون إعراضاً
عن حكم الله ورسوله[3].
قال الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً 60 وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى
مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْـمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ
صُدُوداً 61 فَكَيْفَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنْ أَرَدْنَا إلَّا إحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء: 60-62].