عندما أرْهقتْه بغيرتها و شكها و ظنونها مراراً و تكراراً ..
حتى تداعت أركان احتماله .. فارقها على مضض ...
و عندما طال غيابه .. كتبتْ إليه قائلة :
***
أطلب نفسي إليك في بيت الطاعة ...
طائعة مختارة ..
بحالتي الراهنة ..
و بكامل قواى القلبية ..
فإن آويْـتني إليك مرة أخرى ، مُكَبَّلة بغضبك ، فسماحتك التي ظللتْ كل جنوني و تــــمردي و نزقي ســـــــــــــــــــــتمن حني دفء رضاك و حلاوة عفوك ..
فكبّلني إليك .. و أهدر حريتي ..
و إن آويتني .. معصوبة العينين بعارم ثورتك التي لم تُبْقِ و لم تَذَر.. فأنا راضية و قانعة .. فكفاني ما اختزنته بدواخلي من وميض العشق الساكن في عينيك ..
فاحبسني في قمقمك .. و أحكم غطاءه ثم أرْمِهِ في قاع روحك فهناك سلواى ستكون أنني ( هناك أرقد مستكينة ).. و أنيسي في وحشتي هو ( أنني في حِمى حضورك الباهي ) ..
و إن آويتني .. ممنوعة من التذمر أو حتى من الحديث في حضرتك.. فذاك منتهى المنى و غاية الرجاء .. فحديثك المسكوب في حقول وجداني و الجاري عبر جداول روحي يسقي بذور كياني العطشى لتترعرع و تنمو نبتا يتنامى مفرهدا بين الحنايا تمد فروعها تعريشة تحميني من هجير صمتي القادم وصومعة أيامي الموحشة التي تنتظرني .. حديثك الرقراق يسقي كل أوردتي و يرطب جوفي المحترق ..
تحدث أنت و أتركني بين صوتك و صداه فصوتك مَهْد و صداه وسادة ..
و إن تركتني في العراء بعيدا عن وارف شجيراتك فعزائي بأنني كنت يوما ألتحف وشاح محبتك .. و إفترشه بساطا و أتدثره رداءا و أمشي به مختالة مزهوة ..
سأكتفي بنافذة أطل بها عليك .. و إن طال وقوفي ..
و إن أقسمتَ بأنك لن تلتفت إلى الوراء لاجترار ذكرى حياتنا .. فيكفيني أن قلبي يمُتَ إلى روحك بتلك الصلة ، صلة القربى التي لا تنفصم عراها ..
دعني أركن إلى صلتي هذه بك .. حتى و إن كانت آخر الخيوط الرفيعة التي تجعلني أتشبث بها متعلقة ببصيص أمل ... و هي في نظري حبل متين و جسر منيع القواعد ..
ها أنا ذي ..
هل قلتُ لكَ بأنني بكامل قواى العقلية ؟
***
جلال داود ( أبو جهينة ) الرياض